رئيسة دبلوماسية النمسا تخطب بالعربية.. ونظيرها الجزائري يفضّل الفرنسية
غنية قمراوي - الجزائر المشاهدات: 2384
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تحدث وزير الخارجية الجزائري في الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة الفرنسية فأحدث ضجة، وتحدثت وزيرة الخارجية النمساوية باللغة العربية فزادت الفتنة، لتتعالى الأصوات داخل المجتمع الجزائري مطالبة بإقالة المسؤولين الذين يتحدثون بغير العربية في المحافل الدولية ومعاقبتهم “لتعديهم” على السيادة الوطنية”.
بلغة ليست لغة البلاد ولا هي اللغة الانجليزية العالمية التي تمد الجسور في التعاملات الدولية، راح وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73 المنعقدة بنيويورك الأمريكية بلغة المستعمر الفرنسي، دونما حاجة إلى ذلك، الشيء الذي فجر موجة من الغضب في وسائل الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
كما سارعت أحزاب سياسية مثل حركة مجتمع السلم، إلى إصدار بيان عقب الحادثة، معتبرة أن “استعمال وزير الخارجية للغة أجنبية في خطابه على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة هو تفريط في السيادة الوطنية وانتهاك للدستور”، وأن “عدم اتخاذ إجراءات سيادية تجاه هذه الحادثة دليل على عدم صدق أصحاب القرار في حديثهم المتكرر عن الوطنية”.
وعلى صعيد ردود الأفعال الشعبية الساخطة من هذا الفعل لمسؤول جزائري رفيع المستوى في تجمع دولي بحجم الجمعية العامة للأمم المتحدة، أجمعت البوستات والسنابات والتغريدات على اعتبار ما حصل خيانة لذكرى شهداء الثورة وتفريطا في السيادة الوطنية، وإهانة للغة الوطنية التي وضعها دستور البلاد في أعلى المراتب.
وراح كثيرون يستذكرون وقفة الشموخ للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974 ليلقي خطابا باللغة العربية، وكان أول زعيم ورئيس عربي يخطب في الأمم المتحدة باللغة العربية، الامر الذي ظل مفخرة يتوارثها الجزائريون.
واستنكر كتاب صحفيون حديث الوزير مساهل بلغة “موليير” مع أنه يحسن العربية جيدا نطقا وكتابة، وهي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها على هذا الفعل، بل سبق له الحديث بالفرنسية في محافل لم يكن الحاضرون فيها يفقهون إلا اللغة العربية، كما استذكر آخرون موقفا كان مساهل في زيارة إلى الجمهوريات الاسلامية الروسية وتحدث بالفرنسية حيث لم يفهمه أحد.
لم يهدأ الجدل بين الجزائريين بخصوص إقدام مسؤول على “إهانة” العربية في اجتماع دولي باستعمال لغة المستعمر، حتى جاء خطاب وزيرة خارجية النمسا باللغة العربية أمام نفس الجمعية العامة وهي تشرح أنها أحبت ان تستهل خطابها بالعربية لأنها “لغة من 6 لغات رسمية معتمدة في الأمم المتحدة وهي لغة جميلة ومهمة وجزء من الحضارة” وبأنها درستها في مركز الامم المتحدة بفيينا ولبنان حيث استمرت الحياة رغم الحرب الاهلية.
هذا الفعل من المسؤولة النمساوية تلقاه الجزائريون كالقنبلة وكان له مفعولان، اذ زاد من السخط على وزير بلادهم وأشفى الصدور لأن الوزيرة النمساوية انتصرت للعربية التي تجاهلها مساهل.
وتساءل الجميع عبر الرسائل والتغريدات كيف لأجانب ان يروا كل هذا الجمال في اللغة العربية التي وضعها الدستور الجزائري في مصاف اللغة الوطنية، بينما يتكبر عليها مسؤولون بتصرفاتهم المنعزلة التي صنفت “مساسا بالهوية الوطنية والسيادة”، ورفعت ضدهم مطالبات بإلإقالة والإبعاد.
وسبق في ما مضى أن أثيرت علاقة وزير الخارجية الجزائري مع الفرنسية من خلال سؤال وجهه نائب في البرلمان عبد الغني بودبوز سنة 2015 للوزير، فكان رد الاخير كتابيا حيث قال “من البديهي القول إن جميع ممثلي الجزائر الذين تنتدبهم وزارة الخارجية لتمثيل بلادنا في اللقاءات الدولية، يتحكمون بالضرورة في اللغة الوطنية (العربية) والوزارة تحرص من ناحيتها على أن تكون مداخلات جميع مندوبيها في الندوات والاجتماعات الرسمية باللغة العربية، امتثالا لأحكام الدستور والقوانين والنظم المعمول بها في الجزائر”.
ليستطرد عبد القادر مساهل، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الشؤون المغاربية والإفريقية قائلا “بحكم دواعي المهنة، فإن استعمال الدبلوماسي لأي من اللغات بما فيها اللغة العربية، مسألة تتطلبها طبيعة المناسبة ونوعية المخاطبين، إلى جانب عوامل أخرى كتوفر الترجمة أو نجاعتها أحيانا”.
وجاء السؤال الذي وجهه النائب، في أعقاب مداخلة حول ليبيا ألقاها مساهل باللغة الفرنسية، فكان التبرير “كان يمكن للوزير أن يعبر عن موقف الجزائر حول الأزمة الليبية بالإنجليزية أو الإسبانية، وذلك انطلاقا من أن الممثل الدبلوماسي مطالب بإتقان عدة لغات، لكن من غير المعقول أن يترك مقعد الجزائر شاغرا بحجة عدم مقدرته على التكلم بلغة معينة، والمهم هو أن موقف الجزائر تم تسجيله والتعبير عنه بصرف النظر عن اللغة المستعملة”.
وتبين هذه الحادثة، ان انتشار وسائل الاتصال وتوسع استعمال شبكات التواصل الاجتماعي من قبل جميع فئات المجتمع، وسع الدراية بمختلف الاحداث السياسية وغيرها ورفع مستوى الوعي لدى العامة والخاصة، ما جعل تصرفات المسؤولين تقع تحت عين المتابعين ومجهر الناقدين، فصارت كل هفوة لمسؤول أو تجاوز في مهامه يفتح عليه جبهة من الانتقادات اللاذعة والمطالبات المتعالية لتطبيق القانون عليه قبل غيره، بصفته ممثلا للدولة والشعب.
وقد دفع هذا الحراك والنقاشات والمتابعات على منصات التواصل ووسائل الإعلام، بكثير من المسؤولين ومكلفين بمهام رسمية من وزراء وسفراء وموظفين سامين، بل حتى هيئات نظامية وأمنية إلى إبداء الردود وإصدار البيانات عقب انتشار قضية ما على مواقع التواصل وتوسع النقاشات بخصوصها لتبرير تصرفاتهم وتفسيرها وفق منهجيتهم وخطط عملهم، لشرح الوضع وتهدئة الرأي العام بوضع الأمور في نصابها قبل أن تتكون كرة الثلج التي تمهد لغضب اجتماعي أو انحراف في السلوك الجماعي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: