البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الشيخ الطاهر الحداد والتضليل الحداثوي

كاتب المقال لطفي الحيدوري - تونس   
 المشاهدات: 2994



كان المشهد فلكلوريا في أحد أيام شهر ماي 2012، عندما تجمعت نسوة حول قبر الطاهر الحداد في مقبرة الجلاز، الدافع على احتضان القبر كان الخوف على صاحبه وما يحمله من رمزية بالنسبة إليهنّ، وبينهنّ كانت قاضية معروفة وجامعيات سارعن إلى المكان بعد نشر خبر عن وجود طلاء أسود طمس الجملة التأبينية المكتوبة على القبر، رغم أنّه لم يثبت القصد الإجرامي في الحادثة خاصة أنّ اسم الطاهر الحداد ظلّ منقوشا دون تشويه.

تبعث هذه القصة على السخرية، فغير بعيد عن لفيف “الحداثيات” بزينتهنّ ولباسهنّ الأنيق توقد العجائز الشموع وتشعلن المباخر تحت قباب “أولياء الله الصالحين” المنتشرين في هضبة الجلاز حتى مقام “سيدي بلحسن الشاذلي” المطلّ على مدينة تونس..

كان وهْم المخلّص هو الجامع بين الفئتين، لكن الفرق بينهما صادم، إذ الفئة التقليدية التي تحتمي بالوليّ تعتبره مشتركا يمكن أن يستظلّ به الجميع، أمّا المنتسبات إلى الحداثة فتدّعين ملكية الطاهر الحداد وتجعلنه،بعنف لفظيّ أحيانا، رمز تمايزهنّ عن تيارات فكرية أخرى، وذلك ضمن قراءة مقدسة لبعض نصوصه، يبدو أنّها فرضت على التونسيين وأصبحت حاجزا متكلسا أمام النفاذ إلى آرائه.

فكيف لعلمانيين أن ينتسبوا إلى شيخ زيتونيّ؟
أليس ذلك نوعا من التحيّل والتضليل الفكريّين؟ يكفي لفهم هذه التناقض أن تتابع ردود الفعل المستنكرة العنيفة عندما تسوق رأيا مغايرا

مفاده أنّ الحداد شيخ إصلاحي لم يتخفّف من الإرث الفقهي التقليدي وأنّ ما ورد في كتابه مبثوث في كتابات الزيتونيين المحسوبين على التقليد، بل إنّ أجوبة 6 من أبرز علماء الزيتونة (عبد العزيز جعيط ومحمد الطاهر ابن عاشور وبلحسن النجار والحطاب بوشناق وأحمد بيرم وعثمان بلخوجة) عن 12 سؤالا وضعها الحداد في قسم “آراء لعلمائنا في المرأة والزواج” في كتابه “المرأة في الشريعة والمجتمع” تلتقي في معظمها مع رؤيته لإصلاح وضع المرأة التونسية.

لقد طمست هذه الحقيقة في ظلّ الحملة التي أثيرت ضدّ الكتاب والتي يؤكّد عدد من الباحثين في الفكر الإصلاحي مثل الدكتور جمال الدين الدراويل أنّها كانت تعكس “انتفاض المؤسسة الدينية التقليدية ضدّ تجاسر أحد خرّيجيها من المتطوّعين “الآفاقيّين” على إبداء رأيه في مسائل كان الناموس السائد يقضي بأنّ العلماء الرسميين وحدهم أصحاب الحق في التصدّي لها”.

والطاهر الحداد نفسه كان واعيا بذلك وعبّر عنه في رسالة إلى المقيم العام قال فيها: “لا يمكن أن اعتقد أنّ عائلات ورثت مقاعدها في المجلس الشرعي ونظارة جامع الزيتونة في استطاعتها إدخال وإخراج من تشاء من الإسلام”.

لقد نجح التحيّل والتضليل الفكريان، اللذين مارستهما نخبة دولة الاستقلال ممّن يدّعون أنّهم أبناء بورقيبة، في أن يأسر طائفة كبيرة من\ الإسلاميين الذين يدّعون أنّهم امتداد للحركة الإصلاحية في كمّاشة الصراع الذي دارت رحاه أوائل الثلاثينات حول كتاب الطاهر الحداد.

ذلك أنّه من الصعب أن تجد كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” ضمن الأدبيات التكوينية للإسلاميين، بل إنّ تزييف موضوع الحجاب، كان كفيلا بالدفع إلى الإعراض عن قراءة الكتاب الذي يكفي تصفحه ليتضح أنّ المقصود بالحجاب أمران: المكث بالمنزل ووضع النقاب على الوجه. وأمّا السفور فهو سفور الوجه.

ويتبيّن أيضا أنّ الحداد داعية إلى الفضيلة ومكافح للانحلال والبدع وكان معاديا للتصوّف (أسّس في العشرينات من القرن الماضي جمعية مقاومة البدع والإسراف)، ومتمسّك بدينه حدّ اعتباره رديفا للجنسية ولذلك وصف سنة 1923 التونسي المتجنس اختيارا بأي جنسية أخرى بالمرتدّ والكافر. كما يعتقد الحدّاد أنّ الإسلام جاء ليؤسس دولة فهو القائل إنّ “الإسلام هو دستور العمل النافع.. بل إنّه أراد أن يكون نافذا في يومه وفاعلا أثره في النفوس والدولة التي يؤسسها”.

وتتعدّد أفكار الشيخ الطاهر الحداد التي تنتاب قارئها الدهشة عندما يستمع إلى بعض جامعيينا و”مفكرينا” يتحدثون عن علمانية الحداد طورا وشيوعيته طورا آخر، وهو ما به يصحّ القول إنّ الحداد تعرّض، إضافة إلى عمل منهجي فكري تضليلي، إلى عملية اختطاف تستوجب جهدا جماعيا، عسيرا، لإعادته إلى سياقه.

وقد بدأت اليقظة بين الإسلاميين تنتشر في هذا السياق، ولعلّ من الإشارات الرمزية على ذلك الصورة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي لاحتفال بعيد العمال في مدينة بنزرت في ماي 2015 بإشراف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة عندما ظهرت خلفه على المنصة معلّقة التظاهرة تتوسّطها صور كبيرة لمحمد علي الحامي والطاهر الحداد وفرحات حشاد.

وكتب المفكر الإسلامي المغربي أحمد الريسوني مقالا بعنوان “الـحِداد على امرأة الـحدّاد”؟ متحدثا عن المخاوف على أفول نموذج المرأة التي نظّر لها الطاهر الحداد.

إنّ استعادة الرموز تقتضي أيضا كشف التناقضات، فكيف نتحدث مثلا عن الحبيب بورقيبة بوصفه محرر المرأة، ولا نذكر أنّه لم يساند الطاهر الحداد في محنته سنة 1930، بعد صدور كتابه، وتعمد مسايرة الموجة الشعبية والدفاع عن الحجاب في نفس الفترة التي اتهم فيها الحداد بالتهجم على رموز الإسلام؟

وتتواتر تناقضات الحداثيين المفتخرين بـ”الأب” بورقيبة رغم أنّ المجلس القومي التأسيسي الذي أفرز دستور الجمهورية الأولى برئاسته لم يُسمح للمرأة بالتصويت في انتخابات أعضائه، فالفصل الثاني من الأمر المؤرخ في 6 جانفي 1956 المتعلق بتحديد نظام انتخاب المجلس القومي التأسيسي يعتبر ناخبين “التونسيون الذكور البالغ عمرهم 21 عاما والمقيمون بالتراب التونسي..”، فلم تكن أي امرأة من رائدات الحركة النسائية الوطنية إلى جانب بورقيبة “محرر المرأة” في المجلس القومي التأسيسي، لا راضية الحداد ولا بشيرة بن مراد ولا شاذلية بوزقرو ولا توحيدة بن الشيخ ولا سعاد الختاش وغيرهنّ..

يوم 13 أوت من كل عام، يجري الاحتفال بذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية، وتعيد المنابر تمجيد المجلّة باعتبارها مكسبا حداثيا. أمّا اعتبار معظم نصوصها اجتهادا فقهيا إسلاميا وكون مسوّدتها أعدّت من قبل شيخ زيتوني تقليدي وتم تزكيتها من أغلب زملائه، فسيظل الحديث عنه خجولا، ما دامت بصمة إعلانها من قبل بورقيبة “العلماني” هي الصدى المتردّد.

وسيعود الحديث أيضا عن تطوير المجلة لمسايرة دستور الجمهورية الثانية ويخفي البعض تحفّظه على المجلة بسبب مرجعيتها الفقهية الإسلامية “التي تهدد في كل حين بالتراجع عن مكاسب المرأة”.

وفي ظل هذه المسالك في معالجة الموضوع ستبقى “المرأة” محورا للمزايدة الفكرية والانتخابية لن يتحقق النجاح في حلّها إلاّ بالتحلّي بالشجاعة في التخلّص من بعض “العُقَد” التاريخية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الطاهر الحداد، الحداثيون بتونس، اليسار بتونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-09-2018   المصدر:ميم

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محرر "بوابتي"، عزيز العرباوي، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، جاسم الرصيف، محمود سلطان، أشرف إبراهيم حجاج، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، خالد الجاف ، د - مصطفى فهمي، د - محمد بنيعيش، إياد محمود حسين ، وائل بنجدو، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، صالح النعامي ، صلاح الحريري، رافع القارصي، محمود طرشوبي، محمد الياسين، د - صالح المازقي، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- هاني ابوالفتوح، إيمى الأشقر، يزيد بن الحسين، عبد الله زيدان، محمد يحي، د- جابر قميحة، عراق المطيري، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفى منيغ، حسن عثمان، طارق خفاجي، طلال قسومي، فتحي الزغل، فتحي العابد، أحمد ملحم، رضا الدبّابي، عبد العزيز كحيل، فوزي مسعود ، أحمد بوادي، حاتم الصولي، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العربي، مراد قميزة، د. طارق عبد الحليم، د - عادل رضا، حسني إبراهيم عبد العظيم، المولدي اليوسفي، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي عبد العال، كريم فارق، محمود فاروق سيد شعبان، د- محمود علي عريقات، العادل السمعلي، د. خالد الطراولي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، محمد علي العقربي، حسن الطرابلسي، د- محمد رحال، سعود السبعاني، سامر أبو رمان ، د. أحمد محمد سليمان، عمر غازي، فهمي شراب، رشيد السيد أحمد، علي الكاش، عبد الله الفقير، أ.د. مصطفى رجب، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، عواطف منصور، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الغني مزوز، سيد السباعي، رافد العزاوي، د.محمد فتحي عبد العال، رمضان حينوني، الهيثم زعفان، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، أحمد الحباسي، مصطفي زهران، د. صلاح عودة الله ، مجدى داود، أبو سمية، تونسي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - شاكر الحوكي ، حميدة الطيلوش، الناصر الرقيق، صلاح المختار، أنس الشابي، محمد العيادي، سلوى المغربي، بيلسان قيصر، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، ياسين أحمد، ضحى عبد الرحمن، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، نادية سعد، عبد الرزاق قيراط ، صفاء العراقي، د - الضاوي خوالدية، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة