البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الحرب النفسية والدعاية والتضليل في تغطية الأزمات

كاتب المقال محمد قيراط   
 المشاهدات: 2447



فشل المنظرون وعلماء الإعلام والاتصال فشلا كبيرا في وضع معايير ومحددات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحفيين أثناء تغطية الحروب والأزمات. فالنظريات الأربع: نظرية السلطة، نظرية الحرية، النظرية السوفيتية، نظرية المسؤولية الاجتماعية لم تتطرق إلى إشكالية علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في زمن الحرب والأزمات، كما لم تتطرق إلى علاقة الصحافي بالسلطة في هذه الظروف.

وما يمكن قوله في هذا السياق هو أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر ولا من نظام سياسي إلى آخر و تصبح متشابهة حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية أو الدول الديكتاتورية أو الدول المتقدمة أو الدول النامية أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون.

من جهة أخرى نلاحظ أن الممارسة الإعلامية في زمن السلم والظروف العادية تختلف عن زمن الحروب والأزمات خاصة إذا تعلق الأمر بالدول الديمقراطية والتي لها تقاليد في حرية الصحافة. يعيش عالم اليوم صراعات ونزاعات عنيفة وحروبا وأزمات عديدة ومختلفة كالإرهاب والأزمة المالية العالمية؛ أزمات تتسم كلها برهانات وانعكاسات وخيمة جدا تمس الفرد والمجتمع والدولة. فالأزمات طالت كل المجالات الحياتية وأدت إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الأمم والدول والشعوب وفق عوامل ومعطيات يعجز الأفراد والمؤسسات وحتى الأنظمة على التحكم فيها.

كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة؟ أم تسعى إلى تقديم حلول لها أم إنها تسّيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟ هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطا معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل هناك قرارات أخلاقية يلجأ القائمون على المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذها نظرا للرهانات والانعكاسات العديدة التي تتميز بها كل أزمة؟

في وقت تنتشر وتتكاثر فيه الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها وفي مختلف مناطق العالم، وفي ظروف صعبة يسودها التعتيم والتضليل والتشويه والأفكار المسبقة والصور النمطية وصراع الثقافات والحضارات والعنصرية والجهل وثقافة إقصاء الآخر والصراع المحتدم على الصورة والرأي العام، يتساءل الفرد في المجتمع عن مصداقية ما يشاهده ويسمعه ويقرؤه. أين هو الحياد والموضوعية والأخلاق في تغطية وسائل الإعلام لما يجري في مصر وفي سوريا وفي أنحاء عديدة من العالم.

أين هو الصدق وأين هو التهويل؟ أين هي الحقيقة وأين هي الدعاية؟ ما هو دور الإعلام في مثل هذه الحالات؟ هل تتحول وسائل الإعلام في زمن الحروب والأزمات إلى آلات لإثارة الفتنة والتهويل والتضخيم والتسييس والتلاعب بدلا من تنوير وتثقيف وتوعية الرأي العام بهدف الحوار والنقاش والتفاهم وإطفاء نار الضغينة والحقد والكراهية. هل صحيح أن منطق الحرب يقوم على أن "الحرب بدون تلفزيون ليست حرب" وهل أن جوبلز على حق عندما قال "اكذب ثلاث مرات ففي المرة الثالثة ستصدق كذبتك".

تهيمن هذه الأيام ظاهرة انتشار التضليل والتعتيم والصور النمطية والتشويه، وانتشار ظاهرة ثقافة الحقد والكراهية والخوف من الأخر والعمل على إقصائه في وسائل الإعلام المختلفة. فالعالم اليوم يعيش صراع الصورة وصراع شرس على كسب الرأي العام، وهذه الصراعات مع الأسف الشديد تحدث في أحيان كثيرة بتواطؤ غير أخلاقي وغير شريف لوسائل الإعلام مع سلطة المال والسياسة.

فالإعلام العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتعامل بمهنية وحرفية وبأخلاق عالية مع الأزمات المختلفة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، ومطالب بأن يتحلى بالقيم الإسلامية السمحاء، وبنقل ثقافة الحوار والتسامح إلى الآخر والتفاعل الإيجابي معه. فالإعلام العربي اليوم مطالب بتقديم صورة الإسلام والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية إلى الآخر في مختلف القضايا المصيرية التي تهم البشرية ودفع جسور التواصل مع شعوب العالم والحوار مع الآخر وحوار الثقافات، فشعوب العالم اليوم في أشد الحاجة إلى الأديان السماوية التي تنادي بالوحدانية واحترام إنسانية البشر جميعا مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم والتاريخ خير شاهد على ما يحدث من مآس إنسانية حين تتغلب الطلقة على الكلمة ويفرض منطق القوة الغاشمة سطوته على حديث العقل.

فمعادلة الإرهاب والإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تطرح مشكلة الوطنية وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على منبر يحقق لهم العلانية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام محليا ودوليا. أين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة وهل هناك تعارض بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة؟ وهل هناك تعارض بين الحرفية والمهنية من جهة، والبحث عن السبق الصحافي والإثارة والتهويل والتضخيم من جهة أخرى؟ رهانات وتحديات عديدة تواجهها وسائل الإعلام في مثل هذه الظروف وما العمل؟ التغطية والتلاعب والبحث عن الإثارة والسبق الصحفي أم المقاطعة؟ من خلال تغطية الحروب نلاحظ أزمة النظرية الإعلامية في تفسير سلوك الصحافيين والمؤسسات الإعلامية.

فعلى عكس الظروف العادية والطبيعية، تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة وتصبح الممارسة الإعلامية جزءا لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، بحيث أن الممارسة الإعلامية خلال الحرب تختلف عنها في الظروف العادية. وفي الأخير نلاحظ انحياز المؤسسة الإعلامية في تغطيتها للحرب إلى موقف الدولة التي تنتمي إليها من الحرب.

في ظل الأزمات والصراعات الكبيرة بين مختلف القوى سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول هو أن الخطاب الإعلامي أصبح بعيدا كل البعد عن الرسالة الشريفة للإعلام وعن الحياد والموضوعية والكلمة الحرة والصادقة. فأصبحت هناك خطابات عديدة متضاربة ومتناقضة وكأنها تتعلق بأزمات مختلفة وليست نفس الأزمة. فاختراق الأخلاق والمهنية والقيم التي تقوم عليها الصحافة الشريفة أصبح من سمات إعلام عصرنا الحاضر، الإعلام الذي فشل في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأعمال الإرهابية، بل ساهم ويساهم في التشويه والتضليل والدعاية وبث الحقد والكراهية وثقافة الإقصاء بين الشعوب والأمم.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما هي أهداف الإعلام؟ وما هي رسالته في عالم يحتاج إلى السلم والأمان والتقارب بين الشعوب والحضارات والديانات وليس الحروب والأزمات؟


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الدعاية، الإعلام، الحرب، الغرب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-08-2018   المصدر: الشرق الأوسط

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. طارق عبد الحليم، أ.د. مصطفى رجب، يحيي البوليني، محمد أحمد عزوز، صلاح الحريري، محمد الطرابلسي، المولدي اليوسفي، محمد العيادي، رشيد السيد أحمد، مصطفى منيغ، حاتم الصولي، عراق المطيري، محمد الياسين، سليمان أحمد أبو ستة، محمود سلطان، طارق خفاجي، د. أحمد محمد سليمان، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العربي، عبد العزيز كحيل، المولدي الفرجاني، رمضان حينوني، مجدى داود، حميدة الطيلوش، أحمد النعيمي، محمد شمام ، د. صلاح عودة الله ، أحمد بوادي، خالد الجاف ، كريم السليتي، سفيان عبد الكافي، علي عبد العال، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، محمد يحي، رافد العزاوي، نادية سعد، فهمي شراب، رافع القارصي، د - مصطفى فهمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محرر "بوابتي"، د - عادل رضا، ياسين أحمد، د- محمود علي عريقات، إسراء أبو رمان، فتحي الزغل، عواطف منصور، حسن عثمان، رضا الدبّابي، د. عبد الآله المالكي، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، د- جابر قميحة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، فتحـي قاره بيبـان، أنس الشابي، ماهر عدنان قنديل، عمر غازي، عزيز العرباوي، الهادي المثلوثي، د. أحمد بشير، ضحى عبد الرحمن، د - شاكر الحوكي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد علي العقربي، الناصر الرقيق، سيد السباعي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فوزي مسعود ، طلال قسومي، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الرزاق قيراط ، عبد الغني مزوز، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح المختار، أبو سمية، مراد قميزة، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، يزيد بن الحسين، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم فارق، سامح لطف الله، جاسم الرصيف، وائل بنجدو، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد ملحم، عبد الله زيدان، تونسي، الهيثم زعفان، سلوى المغربي، سامر أبو رمان ، د - محمد بنيعيش، عبد الله الفقير، د - صالح المازقي، فتحي العابد، صباح الموسوي ، منجي باكير، إيمى الأشقر، أحمد الحباسي، العادل السمعلي، خبَّاب بن مروان الحمد، إياد محمود حسين ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. مصطفى يوسف اللداوي، صالح النعامي ، بيلسان قيصر، سلام الشماع، سعود السبعاني، محمود طرشوبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة