بعد أن انتقد العالم الجليل الشيخ بديع الزمان النورسي، صاحب "رسائل النور" وإمام "جماعة النور" في تركيا (1294 - 1379 هـ، 1877 - 1960م)، المدنية المادية الغربية، تحدث عن الخصائص التي ميزت الشريعة الإسلامية عن تلك المدنية الغربية، فقال:
- إن نقطة استناد مدنية الشريعة الإسلامية هي الحق، بدلاً من القوة، والحق من شأنه العدالة والتوازن.
- وهدفها: الفضيلة، بدلا من المنفعة، والفضيلة من شأنها التجاذب.
- وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية والوطنية والمهنية، بدلا من العنصرية، وهذه شأنها: الأخوة الخالصة والسلام والوئام والذود عن البلاد عند تجاوز الأجانب.
- ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه: التساند والاتحاد.
- وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكماً على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى: رفع الإنسانية إلى مراتب الكمالات.
وبعد هذا التحديد لخصائص كل من المدنية الغربية والمدنية الإسلامية، رفض النورسي إمكانية "التلفيق" بين هاتين المدنيتين لتناقض سماتهما وهويتهما ومقاصد كل منهما، واستدل على استحالة هذا "التلفق" بفشل المدنية الغربية (ذات الجذور اليونانية والرومانية) في الاستيعاب الحقيقي والامتزاج الحقيقي بالديانة النصرانية، رغم مرور القرون على انتشار النصرانية في فضاء تلك المدنية الغربية، وفي هذه الحقيقة قال بديع الزمان النورسي:
"إن دهاء الرومان واليونان (أي حضارتهما) وهما التوأمان الناشئان من أصل واحد، قد حافظا على استقلالهما وخواصهما رغم مرور العصور وتبدل الأحوال ورغم المحاولات الجادة لمزجهما بالنصرانية أو دمجهما، فلقد ظل كل منهما كالماء والدهن لا يقبلان الامتزاج، بل إنهما يعيشان بروحهما بأنماط متنوعة وأشكال مختلفة.
فلئن كان التوأمان، مع وجود عوامل المزج والدمج الداعية له، لم يمتزجا طوال تلك الفترة، فكيف يمتزج نور الهداية الذي هو روح الشريعة مع ظلمات تلك المدنية التي أسسها دهاء روما؟! لا يمكن بحال من الأحوال أن يمتزجا أو يُهضما معا!
ولم يكن النورسي بهذا التحليل العميق لخصائص كل من المدنية الغربية والمدنية الإسلامية داعية لحرب ثقافات أو صدام حضارات، وإنما كان منبها على سنة الله في تمايز الحضارات وتعدد الثقافات، وداعيا إلى تعايش وتحاور وتعارف هذه المدنيات والحضارات والثقافات، فالإسلام يريد هذا العالم "منتدى مدنيات وثقافات وحضارات"، تتحاور وتتفاعل فيما هو مشترك إنساني عام (وخاصة في العلوم الدقيقة والمحايدة)، وتتمايز في البصمات الثقافية والهويات الحضارية، دونما تبعية ونسخ وذوبان، ودونما تعصب وانغلاق وصدام.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: