يبدو أن مفهوم الرداءة اليوم، تجزأ وأضحى منقسما بين رداءة نوعية وأخرى دنيا، حتى أننا نحسبها درجات وأحيانا تتجاوز الجانب الواقعي والمتخيل معا، وكأنّ الرداءة بحدّ ذاتها تحولت إلى مرتبة علوية في سلم الحضيض.
ولعل الفضاء التونسي أحد النماذج العربية الذي عانق فيه الفنّ اليوميّ، و الكسل الإبداعي، وطلّق الجانب القيميّ والبعد الإنساني للمعاني، أمام موجة “البطية، وتوري نوري…”.
وتحسب هذه الفئات التي انتشلت من فضاءاتها الأصلية في “الكاباريه والحانات” إلى السوشيل ميديا ووسائل الإعلام الجماهيري لتمارس عنفها الرمزي على الجمهور، على حد عبارة الفيلسوف الفرنسي بيار بورديو.
وإذ يشفع غياب القواعد التي تنظم الميديا الاجتماعية على غرار موقع فايسبوك، فإن الميديا التقليدية تقوم على أسس قانونية وأخلاقية، مما يجعلها أمام مسؤولية اجتماعية مع جمهورها.
تفرض هذه المسؤولية على الإعلام قواعد تلتزم بها تجاه المجتمع على مستوى المضامين والمهنية والموضوعية وتجنب العنف والإثارة.
وقد ذكر، الصادق الحمامي المختص في الميديا الجديدة، أنّ الميديا الاجتماعية تقوم على مركزية الفرد وهي وفق تعبيره ” منظومات فردنة تسمح للمغمورين أن يتجلّوا في الفضاء العام وأن يحظوا بالظهور”.
وأدى هذا التمثّل لبعض الوجوه التي فرضت نفسها في الفضاء التونسي، ظهور فقاعات فنية على غرار “نرمين صفر” التي ظهرت يوم عيد الجمهورية التونسية في مقطع فيديو بملابسها الداخلية حاملة العلم التونسي.
واعتبر نشطاء على موقع فايسبوك أنّ رفعها للراية التونسية مستفز، فيما دعا البعض الآخر إلى مقاضاتها بتهمة انتهاك العلم التونسي.
ويوجد أمثلة أخرى عديدة في الساحة التونسية ممن ساهموا في انحدار المستوى الفني على غرار نجلاء التونسية بعد طردها من مصر بسبب إيحاءات جنسية في إحدى أغانيها المصورة، و”أساور” المتهمة باستهلاك مواد مخدرة ووجهت لها أحكام سجنية بسبب تزوير وثائق أو “مصطفى الدلاجي” صاحب أغنية “لا يخبش لا يدبش”.
في المقابل، اعتذرت الممثلة التونسية “عزيزة بولبيار” للجمهور بعد استيائه من حضورها في دور الأم في كليب “هي اطيح وأنا نطلعها” ل”ـهيكل علي”.
وقالت إنّها تتبرأ من ظهورها بعد أن تمّت مغالطتها من قبل صاحب الأغنية، مؤكدة أنها لم تتحصل على مقابل ماديّ.
فيما يعترف جلّ المحسوبين على الساحة الفنية أن ما يقومون به لغاية تجارية بالأساس، ولا يسعون إلا لجني المال غير معنيين بتقديم أعمال تحتوي على أي قيمة فنية تذكر.
ويحيلنا ذلك إلى رأي الكاتب الإيطالي امبرتو إيكو، الذي قال إن الميديا الاجتماعية “أتاحت حق التعبير إلى جموع من الحمقى كانوا يتحدثون في الحانة بعد أن احتسوا كأس نبيذ دون أن ينزعج منهم أحد لأنهم كانوا يصمتون كلما طلب منهم ذلك. أما الآن فإنهم متساوون في حق التعبير مع من تحصل على جائزة نوبل، إنه غزو الحمقى”.
ويتنزّل هذا الغزو عربيا وفي تونس على وجه الخصوص، في ظل سياق اجتماعي وسياسي وثقافيّ متأزم، فقدت فيه الذائقة الفنية.
وقد أكدت الفنانة جاهدة وهبة لميم في هذا الصدد، أنّ هناك هجوما عنيفا من قبل شركات تسعى أكثر إلى الاستهلاك وتسليع الفن وتتحكم في الذوق العام وما يقدم على مستوى المهرجانات، ويتحكمون في الصورة المشهدية عبر الفضائيات.
ودعت وسائل الإعلام “إلى حماية الثقافة وبالتالي حماية المجتمعات من خطر الإصابة بعمى الألوان الفنية الهابطة والمبتذلة”.
-----------
تم التصرف في العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: