البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"البيان رقم واحد"و الحداثيون التونسيون

كاتب المقال نور الدين العويديدي - تونس   
 المشاهدات: 2973



عمليات تعبئة وتجييش واسعة في صفحات التواصل الاجتماعي ضد "الخوانجية" (حركة النهضة)، تحاول استنساخ ما كان يحدث في تونس سنوات 2012 و2013 و2014.. حملات تتزامن مع محاولات للملمة صفوف مبعثرة، لا تتجمع حتى تتبعثر من جديد، في محاولة لا تكل لإعادة التاريخ للوراء، لكن الوقائع لا تتكرر، ولا التاريخ يعيد نفسه إلا كمهزلة..

دعوات كثيرة لتوحيد ما يسمى العائلة "الديمقراطية" التونسية.. عائلة تتعايش ديمقراطيتها مع الانقلابات العسكرية، ومستعدة للعمل مع أعتى الطغاة، ولا تحب التداول السلمي على السلطة، كما لا تحب الانتخابات، إلا تلك التي تفوز فيها هي دون سواها بكرسي الحكم، بغض النظر عن رأي الناخب واختياره الحر.

"مثقفون" و"فنانون" بعضهم معروفون وأكثرهم مغمورون، ينسبون أنفسهم للعائلة "الديمقراطية"، يوقعون "البيان رقم واحد"، كأنما يتمنون أن يستفيقوا صباحا على أنغام موسيقى عسكرية تعلن انقلابا عسكريا؛ يريح "الديمقراطيين" من الديمقراطية التي لم تناسبهم، وهزموا فيها مرة بعد أخرى حين وضعوا أنفسهم أمام اختبار الصندوق.. ورئيس يحاول لملمة حزب تشظى، وأحزاب صغرى تنشأ لمجرد أن تكون أداة لدى بعض المطرودين من أحزابهم ليعودوا إليها من موقع أقوى، بعد أن عرفوا قدر أحزابهم التي لا حضور لها بين الناس، وإن كان لأكثرها ألسنة حداد طوال تلعلع في الإذاعات والقنوات التلفزية على الدوام، ولا تجد لها من أثر في المجتمع ولا في حياة الناس، إلا كجفاء زبد تذهب به الريح في يوم عاصف.

أزمة نخبة

الثورات الناجحة في التاريخ هي تلك التي حكمتها أحزاب قوية، أو تمكنت فيها أحزاب مختلفة من إقامة وفاقات سياسية تقضي بأن يتعايش المختلفون دون صراع مفتوح يأكل الأخضر واليابس، وأن تتعاون القوى المختلفة على مواجهة آثار ما قبل الثورة من فساد ورداءة وفقر. ورغم الهزات الكثيرة، نجحت الثورة التونسية في إيجاد الائتلافات السياسية الضرورية للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني.. حتى الآن على الأقل.

لكن نخب البلاد رفضت التوافقات السياسية على الدوام، ونجحت في تشويه التوافق وتقديمه للناس باعتباره لعنة.. "الثوريون" يرون التوافق لعنة لأنه أعاد المنظومة القديمة للحياة، وكأن الثورة نجحت في القضاء عليها وجاء من يتطوع لإعادتها للحياة. و"الديمقراطيون" يرونه لعنة من زاوية نظر أخرى؛ لأنه سمح للإسلاميين أن يكون لهم مكان تحت الشمس.. وكأن قدر الإسلاميين أن يكونوا إما في السجون، أو المنافي، أو شهداء تحت التعذيب.

المشكلة الحقيقية في تونس مشكلة نخبة اعتادت العيش تحت ظلال الحاكم "الحداثي" الدكتاتور الفاسد، تأكل من مائدته، ويوزع عليها المغانم (مادية واعتبارية) بطريقة تسمح باستمرار الحداثة المغشوشة والديكور الديمقراطي، والمعارضة الكارتونية التي قبلت لعقود بالعيش على فتات الموائد.

لكن الحاكم "الحداثي" المافيوزي هرب فجأة بعد أن قامت عليه ثورة أخرجت الآلاف من السجون، وأعادت آلافا آخرين من مهاجرهم الاضطرارية، وأتاحت فرصا متساوية للجميع أن يتنافسوا على كسب ود الشعب ورضاه.. هنا وجدت النخب التي اعتادت الاستظلال بظل الحاكم "الحداثي" الفاسد نفسها في العراء، وفي منافسة غير متكافئة، فهي قد عودت نفسها على أن تكون مجرد هامش على المتن الدكتاتوري؛ الذي جعل منها جزء من شرعيته لا منافسا قويا قادرا على مخاطبة الشعب والتعبير عن أشواقه.

لملمة الأشلاء المتناثرة

هزمت أحزاب اليسار وأحزاب "الحداثة" في الانتخابات مرة بعد مرة، ولم يعد أمامها من سبيل سوى إفساد العملية الديمقراطية.. حاولت من قبل ركوب موجة المنظومة القديمة.. تحالفت معها في سنوات حكم الترويكا، بعد انتخابات 2011، ونجح اليساريون في أبرز أهدافهم: إسقاط حكم الإسلاميين، والتوغل داخل حزب المنظومة القديمة: نداء تونس، حتى صار منهم أمين عام للحزب وأبرز قياداته كانت من اليسار. لكن المنظومة القديمة لم تكن ترغب في أن تهدي الحكم ومغانمه لليسار.. لقد اعتادت على أن يكون اليسار مجرد تابع يدور في فلكها ويحتمي بظلالها، رعبا من خصوصمه الإسلاميين، أو مخلبا لديها تخمش به وجه ذلك الخصم العنيد.

تمكنت المنظومة القديمة عبر حزبها وتحالفه مع اليسار من العودة إلى الحكم، وتمكن هذا الحزب من السيطرة على كل المناصب الحساسة في الدولة: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان.. ولكن بسبب من رغبة الرئيس الأب في توريث الحزب لابنه، بدأت جرثومة الانحلال والتفكك تصيب الحزب.. ومع الزمن فعلت فيه فعلها حتى صار شتاتا ومجرد أشلاء، ويُستعاد اليوم خطاب المواجهة مع الإسلاميين، الذين هزموا الحزب أخيرا في الانتخابات البلدية، لإعادة لملمة أشلاء هذا الحزب.. لكن الانقسامات فيه باتت غير قابلة للحل.

قبل أيام قليلة عاد القيادي اليساري المعروف رضا بلحاج مجددا إلى حزب نداء تونس.. ترك الأمانة العامة للحزب الذي أسسه (تونس أولا) بعد خروجه مطرودا من النداء، قبل نحو سنتين، دون أن يخبر شركاءه في الحزب بنيته تركهم.. ويحاول البعض استعادة وجوه يسارية أخرى لقيادة النداء.. لكن يبدو أن محاولة إعادة المجد القديم تبدو مثل مهزلة..

لقد تشكل النداء في أجواء لم تعد موجودة.. كان تعبيرا عن الخوف من حكم الإسلاميين أكثر من أي شيء آخر.. قدم الحزب الناشئ ساعتها وعودا خُلّبا للتونسيين سحرتهم.. أوهمهم حزب النداء بأنهم سيعيشون معه تونس الجنة.. بفضل الدعاية القوية المضللة سيطر الحزب على مناصب الحكم الرئيسية، وبأنه بعد أربعة أعوام من الحكم عجزه عن تحقيق أي شيء.. وجاءت الانتخابات البلدية الأخيرة وخسر الحزب خسارة مدوية.. لقد بدا أن أثر السحر قد طار.. وأن لملمة الصفوف لم تعد ممكنة لأن الظروف لم تعد تواتيها.. لقد أدرك الناس حجم الخديعة.

أزمة حكم

عجز عن الإنجاز وهزيمة انتخابية قاسية وانقسام حاد لحزب الحكم.. كان الانقسام حتى وقت قريب يجري في الأطراف، لذلك كان شأنا حزبيا لا يكاد يعني سوى المنخرطين فيه.. لكنه اليوم بات يؤثر على البلد تأثيرا مباشرا.. لقد بلغ انقسام الحزب مبلغا خلق أزمة سياسية في البلاد، وجعل أجهزة الحكم مقسمة بين رئيس منحاز لابنه، يرى في إقالة رئيس الحكومة الطريق الوحيد لإيصال الإرث سالما إلى نجله.. ورئيس حكومة يرغب في أن يستولي على الحزب باعتباره من قياداته.. ويرى أن ذلك هو السبيل الوحيد المتاح أمامه حتى يبقى في منصبه.

انقسام الحكم لا تبدو معالجته اليوم سهلة.. لقد انقسمت كتل البرلمان، صاحب القرار الأخير في بقاء رئيس الحكومة أو رحيله، بين مجموعات تؤيد رئيس الجمهورية وأخرى تؤيد رئيس الحكومة.. وهذا ما يجعل الأزمة مرشحة لأن تطول أكثر.. ويخشى البعض من أن تعالج أزمة الحكم خارج الأساليب السياسية والدستورية.. يخشون من أن تستخدم الأسلحة الوسخة لتحقيق ذلك.. يخشون من الفوضى ومن عودة الإرهاب.

---------
وقع التصرف في العنوان الاصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، حركة نداء تونس، الباجي قائد السبسي، يوسف الشاهد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-07-2018   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد علي العقربي، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، الناصر الرقيق، د. صلاح عودة الله ، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، إسراء أبو رمان، رافد العزاوي، أحمد النعيمي، الهيثم زعفان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - الضاوي خوالدية، أنس الشابي، نادية سعد، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، حميدة الطيلوش، علي الكاش، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، المولدي اليوسفي، جاسم الرصيف، سليمان أحمد أبو ستة، تونسي، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الرزاق قيراط ، سامر أبو رمان ، عواطف منصور، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن الطرابلسي، كريم فارق، د - صالح المازقي، بيلسان قيصر، يحيي البوليني، يزيد بن الحسين، سفيان عبد الكافي، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رضا الدبّابي، مراد قميزة، د- هاني ابوالفتوح، رافع القارصي، فتحي العابد، سلوى المغربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد العيادي، صفاء العربي، طلال قسومي، عبد الله زيدان، صباح الموسوي ، صالح النعامي ، عراق المطيري، عبد الغني مزوز، د. خالد الطراولي ، فهمي شراب، د - المنجي الكعبي، عبد العزيز كحيل، د- محمود علي عريقات، أحمد الحباسي، رشيد السيد أحمد، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، سعود السبعاني، كريم السليتي، محمود فاروق سيد شعبان، محرر "بوابتي"، عبد الله الفقير، العادل السمعلي، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد بشير، المولدي الفرجاني، ضحى عبد الرحمن، فوزي مسعود ، إياد محمود حسين ، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، أحمد بوادي، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، د - مصطفى فهمي، طارق خفاجي، محمود طرشوبي، فتحـي قاره بيبـان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، فتحي الزغل، سيد السباعي، منجي باكير، سلام الشماع، محمود سلطان، صلاح المختار، د- جابر قميحة، محمد الياسين، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، د - محمد بنيعيش، د. أحمد محمد سليمان، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، صلاح الحريري، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، سامح لطف الله، علي عبد العال، عمر غازي، ياسين أحمد، محمد شمام ، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ماهر عدنان قنديل، وائل بنجدو، د - عادل رضا،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة