البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المحشورون في الزاوية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3195



هم أنصار الثورة والتغيير السلمي يصلون في لحظات الإحباط القصوى إلى حد أمرين: الحلم بحمل السلاح أو الانتحار. لقد حُشروا في زاوية ضيقة، بفعل خطة إعلامية محكمة تقودها فكرة شيطانية أن التغيير يضر ولا ينفع، وأن أسلم الخطط هي العودة إلى القديم والحفاظ عليه بأشخاصه وأفكاره وواقعيته القاتلة. وقع كثير من أنصار الثورة في التثبيط الذاتي؛ لأنهم كانوا عاطفيين أو رومانسيين حالمين بتغيير سريع بلا جهد ولا كلفة، لكنهم يستفيقون اليوم وهم يحاربون أنفسهم لصالح عدو الثورة المنظومة القديمة الفاسدة. ويزيد الأمر سوءا أن ليس هناك نقطة لاستئناف الأمل، فقد بلغ الإحباط مبلغا صار فيه يوسف الشاهد ابن المنظومة القديمة حلا أخيرا يدافع عنه أنصار التغيير، لكي لا يزداد الوضع ترديا. إنه لوضع بائس فعلا أن يكون أقصى منى الثوار الحفاظ على درجة الصفر، وعيا منهم بما تحتها من حضيض.

ماكينة إعلامية تملك خطة

منذ بدء الثورة لم يكن الإعلام معها، بل كان ضدها. كتب كثيرون بوعي أن الثورة لم تكتمل لأنها لم تسترجع الآلة الإعلامية من المنظومة. لقد كان ذلك مقتلا لم ينج منه أحد. وقد بلغ من هوان الثوريين (دعني أقول أنصار التغيير) أنهم وقفوا يستجدون ظهورا في تلفزة تحكمها المنظومة، رغم إنها إعلام عمومي. وسيطر رأس المال الفاسد (صناعة منظومة ابن علي) على الإعلام الخاص، فأحكموا إغلاق الباب على كل أمل. كان في المشهد إعلاميون يناصرون التغيير، لكنهم عزلوا وحوربوا في عيشهم.

كان لهذا الإعلام خطة واضحة وبسيطة دفع الناس إلى الندم على ما جرى وإشعارهم بأنهم ارتكبوا حماقة كبيرة بالخروج على النظام. وبين فجوات التثبيط، انفلت كثيرون يخربون احتمالات التغيير ويلقون تغطية إعلامية على أنهم أصحاب حق. فكان الجانب الآخر من خطة الإعلام؛ الدفاع عن الانفلات والفساد الجديد، فضلا عن حماية الفساد القديم، فصار المشهد يتظلل بالحرية القادمة مع الثورة، لكنه يفرغها من مضامين البناء، ويحولها إلى وسيلة فساد مالي وسياسي. وكان الهدف واضحا، وقد تحقق الندم على ما فات.

يعيش قطاع واسع من الناس هذا الشعور اليائس والمستكين، فيحوصلون: "لقد كان زمن ابن علي أفضل". هذا نجاح باهر للمنظومة (للثورة المضادة)، وفشل ذريع لأنصار التغيير لأنهم جاؤوا المرحلة بلا خطة إعلامية، ولم يستدركوا أنفسهم ولا ثورتهم، وأنى لهم؟ فقد عرفت المنظومة أن تستديم المعارك القديمة التي تفرق بين المرء وزوجه.

انكشاف وعي الناس

في مسائل كثيرة انكشفت حالات وعي متقدمة لدى عوام الناس كرفض الإرهاب، بل محاربته بشجاعة (حالة بن قردان)، ولكن في مسائل أخرى كثيرة تبين أن جمهورا واسعا لا يزال مستسلما للمعلومة التي تروجها وسائل الإعلام المعادية للتغيير، فيسلم لها بسهولة وينقاد إلى معاركها دون وعي بخلفيتها.

لقد تحولت بعض الأخبار الكاذبة عن ثروات الإسلاميين التي سرقوها من الدولة إلى خبر يقين يبثه أنصار المنظومة، فيتلقفه عوام الناس ويعيشون به ويقيّمون الإسلاميين من خلاله. فإذا سألت أحدهم عن الدليل، قال لك بكسل ذهني عجيب: "لقد قالوا"، فإذا سألته: من قال؟ أجابك الإذاعة أو التلفزة، فإذا دفعته: هل رأيت بعينك؟ قال: لا، لكنه يقول نعم إنهم لصوص ويقف هناك.

كانت هذه معركة من معارك كثيرة مست الإسلاميين؛ لأنهم كانوا في مقدمة صف التغيير، ولو تقدم غيرهم لناله ما نالهم، وقد نال هذا ومثله السيدة سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، ومس الدكتور مرزوقي، رئيس الجمهورية السابق؛ لأنه وقف خارج المنظومة. ويمكن تعداد الأمثلة. ومن أطرف ما هناك من أداوت حرب، أن المنظومة القديمة قد تشوه شخصا أو هيئة بأنه كان منتميا إلى المنظومة القديمة.

حالة بؤس وعي العوام بلعبة الإعلام المثبط المحطم للعزيمة حالة نموذجية في الجهل المركب العاجز عن التفكير والنقد والاستخلاص (الحالة المصرية أشد بؤسا، لكن دعنا في تونس). يقول البعض إن على أنصار التغيير بث الوعي بخطر الإعلام، ولكن كثيرا ما تم ذلك خاصة في السوشيال ميديا، لكنه اصطدم بنماذج جهل غريبة. فالمستوى التعليمي على سبيل المثال لم يعد مؤشر وعي يخرج المتعلمين من كتلة العوام، إذ تلعب أيديولوجيات المتعلمين دورا مهما في استدامة الجهل وبث الإحباط. فكل خبر كاذب يصدر عن المنظومة يجد له مروجين بخلفيات أيديولوجية، رغم المستوى التعليمي للمروج. إنها الفُرقة الأداة الثانية من أدوات عمل المنظومة.

القضايا القديمة والفرقة الفعالة

اشتغلت المنظومة لمدة 40 سنة على تسعير الحرب ضد الإسلاميين، فلما تبين بعد الثورة أنهم موجودون وأنهم فاعلون وقد يسيطرون، استعادت المنظومة بسرعة كل أدوات الحرب عليهم، فلم يجد الإسلاميون مهربا من الدفاع عن أنفسهم، بما كرس الحرب ذاتها، وبقيت المنظمة ترمي بما تريد ومن تريد في هذه الحرب، فصار شاغل عوام الناس ونخبتهم أيضا كيف نكون في تونس بدون إسلاميين، وليس كيف نبني تونس مع الإسلاميين بصفتهم تونسيين. كان مطلوبا من الإسلاميين أن يختفوا من الساحة، لكنهم لم يفعلوا. فاطمأنت المنظومة على تملك أداة الإحباط، وكلما قام الشارع - مثلا - ضد المنظومة جر الإسلاميون إلى استفزاز ثقافي وسياسي، فيقعون في رد الفعل الذي يثير رد فعل مضاد، وهكذا ظلت نوايا التغيير أسيرة المعركة التي فرضتها المنظومة.

إسلاميون يدافعون عن حق الوجود وعامة تراهم الشر المطلق ومنظومة تراقب وتضحك. انتهى الأمر بالإسلاميين إلى تبني كل شروط المنظومة على أنفسهم حتى تحولهم إلى جزء منها، ففقدوا كل تميز أخلاقي وسياسي، وفقدوا كل مشروعهم الذي أسسوا فعلهم السياسي عليه، وانتهينا نعيش على مخرجات هذا الصراع، فلا نحن مع الإسلاميين في مشروع وطني (لم يظهر للوجود حتى على الورق)، ولا نحن ضدهم في مشروع استئصالي وانتهى البلد محبطا، وها نحن نشارك في خطاب الإحباط.

ندخل صيف الإحباط الأخير

مدرستنا التونسية وعنوان فخرنا القديم انتهت فاشلة تخرّج أميين، وإدارتنا تحكمها نقابة تعمل عمل العصابات وحكومة لا وصف لها إلا العجز والدروشة. وبعد أن خلنا أن حكم العائلة سقط إلى غير رجعة، عاد حكم العائلة التي ترانا غنيمة مستساغة.

نؤلف جملا كثيرة، ولكننا نختصر في أن لا أفق يظهر للمتطلع بأمل. الإشكال الأكبر أنه كلما دفع المرء بأحلامه إلى سطح مشاعره، وجد نفسه يناقض عقله الواقعي الذي يقود الكتابة والتحليل، أي أنه يقع في الإحباط ويروج له. أليس محبطا أن يضطر المرء إلى الدفاع عن حكومة الشاهد ويراها ضامنة درجة الصفر من القيادة، حتى لا يواجه احتمالات الانهيار الكامل؟ هل عليه أن يتمنى الانهيار الكامل تأسيا بقول مظفر النواب إن خرابا بحق بناء بحق؟ ما أجمل الصورة وما أوحش المسار.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-06-2018   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، إيمى الأشقر، إسراء أبو رمان، الهيثم زعفان، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، رافع القارصي، سلوى المغربي، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عبد الآله المالكي، مصطفى منيغ، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، عبد الغني مزوز، أبو سمية، د. خالد الطراولي ، المولدي اليوسفي، خالد الجاف ، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العربي، سعود السبعاني، د - محمد بنيعيش، محمد يحي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، د - المنجي الكعبي، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، د - شاكر الحوكي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عراق المطيري، محمد علي العقربي، أحمد النعيمي، رضا الدبّابي، طلال قسومي، صالح النعامي ، عبد الله الفقير، أشرف إبراهيم حجاج، عبد العزيز كحيل، ماهر عدنان قنديل، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، عمار غيلوفي، منجي باكير، مصطفي زهران، مراد قميزة، رشيد السيد أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، كريم فارق، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، رافد العزاوي، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، سيد السباعي، عواطف منصور، محمود سلطان، محمد العيادي، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد بشير، يزيد بن الحسين، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، محمد أحمد عزوز، حسن عثمان، محمد عمر غرس الله، الهادي المثلوثي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - مصطفى فهمي، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الله زيدان، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد بوادي، فهمي شراب، فتحي العابد، محرر "بوابتي"، وائل بنجدو، سلام الشماع، ياسين أحمد، علي الكاش، عمر غازي، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحي الزغل، د- محمد رحال، فتحـي قاره بيبـان، د- هاني ابوالفتوح، عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، العادل السمعلي، الناصر الرقيق، بيلسان قيصر، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، د - عادل رضا، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، تونسي، صلاح المختار، سامح لطف الله، حاتم الصولي، مجدى داود، يحيي البوليني، طارق خفاجي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة