هستيريا تصيب إعلام محور "أبوظبي الرياض القاهرة" بعد فوز أردوغان
نون بوست المشاهدات: 2391
الصدمة من فوز الرئيس التركي أثارت جنون إعلام محور الرياض أبوظبي القاهرة، لتخرجه عن طوره
"الشيطان في سعيه لتحقيق مآربه، قد يلجأ لترتيل الكتاب المقدس"، عبارة قالها وليم شكسبير وسارت على نهجها كثير من الدول التي لم تُخف يومًا عدائها لتركيا، فالصدمة من فوز الرئيس التركي برئاسة الجمهورية التركية وكذلك حزبه في الانتخابات البرلمانية أثارت جنون الإعلام العربي في عدد من الدول العربية لتخرجه عن طوره، وتصيبه بحالة من الهذيان.
فرز تحت المراقبة، وشكوك بشأن النتائج، وتزوير في الأرقام، وحديث عن انتهاء المسار الديمقراطي وتراجع شعبية الرئيس التركي وتوقعات بمفاجآت قادمة، كانت تلك مقدمات لما آل إليه المشهد الإعلامي في دول عربية، خاصة حلف ما يعرف بـ"دول الحصار" منها.
لماذا كل هذا الاهتمام؟
خلَّفت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي جاءت لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" راحة لدى أطراف داعمة، لكنها سببت انزعاجًا لدول أخرى لم تُتح لها الفرصة حتى حرية اختيار عرَيف الصف في المدرسة.
ربما رأت تلك الدول في الفوز القوي الذي حققه الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية المتحالف مع الحركة القومية فوزًا ضدها، وليس ضد خصوم محليين فحسب، والواقع أنه كان انتصارًا مزدوجًا وفوزًا مركبًا ذا أبعاد محلية وإقليمية ودولية تجعل منه انتصارًا تاريخيًا.
في هذا الصدد، يُرجع الباحث السياسي المختص في الشأن التركي سعيد الحاج، الاهتمام العربي بالانتخابات التركية لعدة أسباب، فتركيا دولة إقليمية كبيرة ومؤثرة، ومواقفها من القضايا العربية - وخاصة ثورات الربيع العربي - واضحة، بالإضافة إلى التجربة الفريدة لحزب العدالة والتنمية، والجاليات العربية واللاجئين السوريين في تركيا.
نتيجةً لذلك، لم تخف وسائل إعلام عربية وأوروبية استياءها من نتائج الانتخابات، منذ إعلان موعد الانتخابات، فالإعلام العربي حمل على عاتقه مهمة غير منوبة إليه، فراقب التصويت ونتائج الانتخابات التركية عن كثب، وواصلت بعض أذرعته مواقفها الداعمة للمعارضة التي بلغت قبل الانتخابات حد الدعوة للتوحّد ضد أردوغان.
ومنذ اللحظة الأولى، سحبت الانتخابات التركية البساط من تحت أقدام لاعبي كأس العالم، وبدا ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي التي تفاعل معها العرب، لا سيما بعد خروج المنتخبات العربية من المونديال، ما أفقدهم طعم المشاهدة.
وظهر ذلك في تحول منصات التواصل الاجتماعي في معظم الدول العربية إلى ساحة معارك حزبية وسياسية بين أنصار أردوغان وخصومه، كما كثفت الصحف الحكومية والخاصة متابعتها بالتركيز على التنقيب عن مساوئ النظام التركي وتقديم أردوغان في صورة "ديكتاتور" حتى وإن وصل للسلطة عبر صناديق الاقتراع، دون الإتيان على ذكر برنامجه الانتخابي أو العملية الديمقراطية التي تشهدها تركيا.
عرض الصورة على تويتر
ورغم أن هاشتاغ "أردوغان" وغيره من الحملات التي صاحبت الانتخابات التركية قد تصدرت النتائج في الكثير من البلاد العربية، فإن الإعلام العربي في بعض الدول اتفق على شيء واحد، مفاده أن "أردوغان يجب أن يرحل".
تلك الحرب الإعلامية لم تكن عشية الانتخابات فقط، بل كشرت عن أنيابها بانقلاب فاشل في يوليو/تموز 2016، وُجّهت أصابع الاتهام فيه إلى الإمارات والسعودوية، ومؤخرًا حاربوا الاقتصاد التركي ودعموا انهيار الليرة، ودشنوا دعوات لمقاطعة السياحة، في محاولة لإسقاط أردوغان انتخابيًا من خلال ضرب الاقتصاد وإسقاط الليرة التركية قبيل الانتخابات الرئاسية الحاسمة.
انتصار على حلفاء الحصار
البداية كانت مع تبني تغريدة - قيل إنها قديمة - للمرشح الرئاسي محرم إنجه تشكك في نتائج الانتخابات، واعتبرها مفبركة من وكالة الأناضول للأنباء وأجهزة تابعة لحزب العالدة والتنمية، ما أطلق حملة شعواء على وسائل التواصل الاجتماعي تشكك في النتائج، وتدعو للتصدي لها.
بالتزامن مع ذلك، أوردت بعض وسائل الإعلام الأوروبية نتائج "مفبركة" تقول إن محرم إنجه يتقدم على أردوغان بفارق كبير في الأصوات، وسرعان ما تبنتها بعض الدول العربية المعروفة بعدائها لتركيا، وتحدثت عن فوز أردوغان في انتخابات شابها العنف وادعاءات التزوير، ومنحته سيطرة مطلقة على ما تبقى من الأجهزة المستقلة في الدولة.
مثال على ذلك ما نشرته مجلة "لابوا" الفرنسية في ملف خاص وصفت فيه أردوغان بالديكتاتور، لكن الملف نُشر في وقت تبدو فيه العلاقات التركية الفرنسية "متشنجة"، بسبب ملفات إقليمية، وازدادت تأزمًا بعد استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوفد من قوات سوريا الديوقراطية في 29 من مارس/آذار الماضي، وإعلانه استعداد بلاده للتوسط بين تركيا والأكراد.
لم تفوت وسائل إعلام عربية هذه الفرصة بالتأكيد، فبعض وسائل الإعلام العربية مثل صحيفة اليوم السابع المحسوبة على النظام المصري، أعادت نشر غلاف المجلة عدة مرات في أخبار متنوعة، وذكرت عشية الانتخابات أن "الشعب يواجه الديكتاتور في موقعة الصناديق".
في سياق متصل، أفردت وسائل الإعلام المصرية البارزة مساحات واسعة لنتائج الانتخابات التركية، حيث نشرت العديد من الصحف والقنوات التليفزيونية النتائج بشكل منتظم، وأعلنت صحيفة الأهرام المعروفة بقربها للنظام، فوز أردوغان بالانتخابات على استحياء، لكنها اتبعته بسرد طويل عن حالة التضارب والتشكيك في النتائج الأولية للانتخابات، فضلاً عن الحديث عن وقائع بعيدة عن المشهد منها القتل والتهديد والاتهامات بالتزوير.
وبعد الصدمة التي تعرضت لها عقب الانتهاء من فرز الأصوات، حاولت بعض وسائل الإعلام التغطية على فشلها، فتطرقت إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، وتطور العلاقات بين أنقرة والدوحة، وذكرت بعض الصحف المصرية أن قطر ارتمت فى الأحضان التركية، لتعزز المحور القائم على ضرب استقرار الدول العربية.
وذكرت صحيفة اليوم السابع أن العلاقات بين الدوحة وأنقرة تطور على نحو غير مسبوق، وذلك بنشر قوات تركية على الأراضي القطرية، ومنح أنقرة الضوء الأخضر لبناء قاعدة عسكرية خاصة بها، لينجح بذلك الديكتاتور العثماني رجب طيب أردوغان، في احتلال الإمارة، لحماية أميرها تميم بن حمد آل ثاني من أي محاولات انقلاب ضده بسبب سياسته الداعمة للإرهاب والتطرف في المنطقة، بحسب قولها.
أما الإعلام السعودي، فقناة العربية تحدثت على استحياء، معتبرة قيادة المرأة للسيارة حدثها الأبرز، لكنها لم تخف نواياها، فقد اعتبرت التصويت في الانتخابات تحديًا لأردوغان، متحدثة على لسان المعارضة التركية عن تشكيك في نتائج الانتخابات.
ومع أن التوقعات بخسارة أردوغان كانت حاضرة في تحليلات وتوقعات الإسرائيليين، وهي توقعات تمتزج أحيانًا بالأمنيات، وضجت الصحف والمواقع الإسرائيلية بفرج إلهي يضع حدًا لانتصارات أردوغان المتواصلة منذ 13 عامًا، إلا أن وسائل إعلام عبرية اعتبرت أن فوز أردوغان فى الانتخابات سيكون إيجابيًا، وذلك رغم غياب الموقف الاسرائيلي رسمي.
حرب إعلامية من الشاشات إلى وسائل التواصل
استمرت الحرب الإعلامية التي لعبت فيها المعارضة دورًا كبيرًا في الإساءة لأردوغان، وفي فبركة بعض الأفلام التي اجتزأت بعض المقاطع من حديث أردوغان للتأثير على الشباب بشكل خاص، وتُظهر في عمومها أن أردوغان "ديكتاتور" ويقود مستقبل تركيا نحو الهاوية.
وتحول تويتر إلى منصة للرذائل مما يُطلق عليه "الذباب الإلكتروني" السعودي والإماراتي والمصري، فالأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، المقرب دوائر الحكم في أبوظبي، اعتبر في تغريدة له على تويتر، أن فوز أردوغان جاء بأغلبية بسيطة، وفِي انتخابات شبه نزيهة، واصفًا إياه بـ"الحاكم السلطوي المصاب بفيروس الغرور".
ويبدو أن الصدمة من فوز الرئيس التركي برئاسة الجمهورية التركية قد أثارت جنون الإعلامي المصري أحمد موسى، فمع قرب انتهاء فرز صناديق الانتخابات التركية وحسم النتائج بفوز أردوغان وحزبه، زعم موسى أن مرشح المعارضة محرم إينجة هو الرئيس الشرعي لتركيا.
ورغم أن إقرار محرم بالهزيمة جاء واضحًا، فإن موسى لم يهدأ له بال، فدعا لتدشين هاشتاع يدَّعي فيه تزوير الانتخابات، وعرض مشاهد فيديو "مفبركة" لما قال إنها عمليات تسويدأوراق التصويت، وأخرى لما وصفه بالاعتداء على مراقبين، اتضح أنهم أوروبيون من أنصار "بي كا كا" يتخفون في صورة مراقبين، بحسب وكالة الأناضول.
الصدمة أصابت أيضًا بعض السعوديين، حيث نشر موقع "عاجل" السعودي المقرب من دوائر صنع القرار بالمملكة، قصيدة لشاعر قالت إنه حمزة الطيار، إمام وخطيب مسجد الراجحي الشهير في الرياض، احتوت على شتائم، وأوصاف غير مسبوقة بحق الرئيس التركي، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية المبكرة.
ربما لا يختلف المشهد كثيرًا بالنظر إلى الإعلام الغربي المتناغم مع "المال الخليجي"، فلم يكن بعيدًا هو الآخر من مشهد الانتخابات التركية، وذلك من خلال حملات إعلامية مكثفة لشيطنة الرجل وحزبه ووصفه بـ"الديكتاتور المستبد"، فقدم خلال الأسابيع الماضية لوحة قاتمة مغايرة لما رآه أنصار أردوغان وهم يعيدون تزكيته للرئاسة.
وحتى بعد طي صفحة الانتخابات وظهور النتائج الأولية التي تعطي تقدمًا واضحًا للرئيس أردوغان وحلفه الانتخابي، جاء انتقاد التجربة هذه المرة عبر "الطعن" بشكل غير مباشر في النتائج على اعتبار أنها جرت على ملعب غير متكافئ على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها تمثل مناخًا من الخوف وفقًا لصحيفة الغارديان
ورغم كل هذا، تأخذ تركيا مع الـ24 من يونيو سياقًا جديدًا يعزز مكتسبات العدالة والتنمية، ويفتح آفاقًا جديدة أمام أوردغان لإعادة تشكيل الساحة السياسية في تركيا، ووضع بصمات جديدة على المشهد الإقليمي، فيما تتآكل عواصم عربية حنقًا وترقبًا من المستقبل التركي، ولسان حال الناصح لهم يردد: اترك الترك ما تركوكم، وإلا فالبادئ أظلم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: