البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

شباب تونس وموسم الانتحار يأسا

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2537



فاجعة كبيرة لن تكون الأخيرة في سلسلة الفواجع التي تضرب مهد ربيع الثورات تونس. الفاجعة ليست الأولى طبعا بل هي تضاف إلى سلسلة الصدمات التي تضرب المجتمع بكل قسوة ليستفيق على مرارة الواقع وبشاعته وعلى حصاد عقود من الاستبداد والقمع وحكم الفرد الواحد.

بالأمس غرق مركب يقلّ أكثر من مائتي مهاجر في عرض البحر وتقدر أعداد المفقودين والجثامين بما يقارب مائة وعشرين فردا من الشباب خاصة.

مائة وعشرون مأتما ومائة وعشرون جنازة ومائة وعشرون أُمّا مكلومة على فقدان أعز ما تملك هي آخر حصيلة من حصيلة حكم العصابات ودولة العصابات والفساد. التعبير هنا ليس مجازا بل حقيقة مرّة لأن آخر التسريبات حول العملية تكشف وقوف عصابات منظمة وراء تسفير الشباب في قوارب الموت وهي نفس العصابات التي سهرت على تسفيرهم إلى بؤر توتر وجبهات القتال.

حقيقة أخرى لا تخفى على أحد في تونس اليوم وتتمثل في تورط أجهزة الدولة نفسها وخاصة منها الأمنية في عمليات التسفير والحصول على ثروات طائلة من أحلام شباب فقير لا يبحث عن غير العمل والكرامة بالعمل حسب تصريحات الناجين من الكارثة.

لسائل أن يسأل: من الذي يدفع شبابا في ريعان العمر إلى ركوب الأمواج والمخاطرة بالنفس في سبيل مستقبل غامض قد يكون أو لا يكون؟ ماهي القوة الهائلة التي تدفع الفرد إلى مغادرة بلده وأهله ومرتع صباه والإبحار نحو المجهول؟ أية طاقة جبارة تجعل الفرد يهرب من الحضن الذي كبر فيه ويلقي بنفسه في جحيم المجهول؟

الجواب بسيط بل وبسيط جدا: لقد تحول الوطن إلى جحيم لا يطاق وصار الهروب منه غاية وحلم كل شاب وشابة بعد أن نهبت دولة العصابات والمنظومات الفاسدة كل ثروات الوطن وباعتها للمحتل الحقيقي بثمن بخس على حساب مستقبل أبناء الوطن وأجياله.

راكب البحر كالهارب من الجحيم بعد أن غدا الوطن أرضا قاحلة بوارا لم يترك فيها تحالف الاستبداد والفساء أية فرصة للحياة الكريمة. هذا المشهد الموغل في الحزن والكآبة يسمح رغم هول الصدمة بإبداء الملاحظات التالية:

إن تفشي البطالة بين الشباب وانعدام كل أفق لحل ممكن لمستقبل آلاف من المعطلين عن العمل سواء كانوا من خرجي الجامعات أو ممن انقطعوا باكرا عن الدراسة بسبب الفقر والحاجة ينذر بانفجار اجتماعي خطير. البطالة في تونس لا تعود أسباها إلى نفور الشباب من العمل أو إلى قلة الموارد أو إلى انعدام الكفاءات بل هي تتجلى أساسا في انتشار الفساد والمحسوبية والمحاباة في إسناد الوظائف وفي الترقيات وفي تشغيل المقربين.

لقد أنشأ نظام بن علي شبكة عميقة من الفساد الإداري حيث تسند الوظائف والامتيازات والترقيات لمسؤولين في كافة أجهزة الدولة يسهرون على إسناد الوظائف لأبنائهم وأقربائهم. بل صارت الوظائف تجارة رابحة فخصص لكل وظيفة سعر معين في سوق رائجة تحصد المليارات كل سنة.

لا يمس الموت ولا تنال قواربه إلا أبناء الطبقة الفقيرة من أبناء العمق التونسي العميق. ينحدر كل الشباب الذين التهمتهم أمواج المتوسط من الداخل التونسي الفقير حيث تمثل البطالة قدرا لا يفلت منه كل من ولد لعائلة معوزة لم تنخرط في منظومة الفساد ولم تتبع مسالكه.

أما الأحياء الراقية والأشبه بالمحميات أو المستوطنات فإن أبناءها لا يسلكون طريق البحر بل تأتيهم الوظائف والثروة والجاه على طبق ذهبي بفضل شبكة العلاقات التي صنعها أهلهم داخل النظام أو خارجه.

هذا الواقع يكاد يشطر البلاد إلى نصفين لا يلتقيان: طبقة فقيرة معدمة تشمل اليوم حتى الطبقة المتوسطة التي تكاد تختفي وتقابلها طبقة من الأثرياء القدامى والجدد الذين يستحوذون على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية. هذا التوزيع الجديد ينذر هو الآخر بتصاعد الاحتقان الاجتماعي وبانفجار معدلات الجريمة والعنف.

ثالث الملاحظات وأخطرها إنما تتمثل في وعي الدولة بهذه المأساة بل ومشاركتها فيها عبر الصمت والعجز أمام شبكات المهربين و مجموعات العصابات التي تقتات من فقر المفقرين ومن أحلامهم ومن معاناتهم ومآسيهم التي لا تنتهي. إن صمت الدولة وعجز مؤسساتها السيادية عن محاسبة من تسبب في هذا النزيف الاجتماعي الذي لا يتوقف والذي يهدد الأمن القومي وينذر المجتمع بالانفجار هو في الحقيقة مشاركة في الجريمة وتستر على المجرمين.

تونس اليوم على صفيح حارق وهي تقف في مفترق طرق مصيري فإما أن تنتهز الفرصة التاريخية بمحاربة شبكات التهريب ومنظومات الجريمة المنظمة وتعلن حربا حقيقية على الفساد بكل مستوياته وإما أن تفتح الباب أمام طريق معلوم من الفوضى والخراب والدمار الذي لن يبقي على أحد.

إن تطبيق القانون واحترام انسانية الانسان في وطنه ليست منة من أحد بل واجب ومسؤولية تعبد الطريق أمام شباب باحث عن بصيص أمل قد يتبخر فيقذف بنفسه عبر أبواب الانحراف المشرّعة من إرهاب وجريمة منظمة وهجرة غير شرعية بما يحوله من عنصر بناء فاعل إلى خطر يحدق بالمجتمع نفسه.

لن تنفع اليوم حلول الأمس من تغاض عن الجرائم ومن تعتيم إعلامي وتخدير للعقل الجمعي ومواصلة لمسيرة نهب الثروات وبيع البلاد للشركات الأجنبية. لن تنفع سياسة التهميش والاحتقار للجزء الأكبر من البلاد وسكانها بل إن الثورة لا تزال هنا ولا تزال المطالب التي اندلعت من أجلها قائمة واشتدت ضراوتها بشكل لن يسمح بإلغائها مهما حاولت قوي النظام القديم وخناجر الثورة المضادة وداعميهم في الداخل والخارج إخماد نارها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الحرقة، الهجرة السرية، قرقنة، حادثة غرق،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-06-2018   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عواطف منصور، رحاب اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، رمضان حينوني، مجدى داود، عزيز العرباوي، صلاح الحريري، إيمى الأشقر، د - المنجي الكعبي، د. أحمد محمد سليمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، تونسي، د. طارق عبد الحليم، الهيثم زعفان، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، إياد محمود حسين ، حاتم الصولي، كريم السليتي، فتحي الزغل، خالد الجاف ، محمد يحي، صفاء العراقي، سامح لطف الله، منجي باكير، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، محمود طرشوبي، جاسم الرصيف، خبَّاب بن مروان الحمد، سيد السباعي، الهادي المثلوثي، سلوى المغربي، صفاء العربي، طلال قسومي، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، محمد الطرابلسي، فوزي مسعود ، سلام الشماع، مصطفي زهران، فتحـي قاره بيبـان، كريم فارق، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، إسراء أبو رمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفى منيغ، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، وائل بنجدو، رافد العزاوي، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، د - محمد بنيعيش، عمر غازي، عراق المطيري، د- محمد رحال، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح المختار، مراد قميزة، د - مصطفى فهمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، المولدي الفرجاني، سفيان عبد الكافي، د - الضاوي خوالدية، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، علي عبد العال، محمد اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رافع القارصي، د. صلاح عودة الله ، محمد الياسين، فهمي شراب، د - صالح المازقي، يحيي البوليني، حسن عثمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، أحمد النعيمي، عبد الله زيدان، عمار غيلوفي، محمد عمر غرس الله، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ماهر عدنان قنديل، د. خالد الطراولي ، محمود سلطان، محمد شمام ، د - محمد بن موسى الشريف ، ضحى عبد الرحمن، يزيد بن الحسين، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، محمد العيادي، أحمد بوادي، سعود السبعاني، أبو سمية، رشيد السيد أحمد، د.محمد فتحي عبد العال، د - شاكر الحوكي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة