البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

إنتخابات تونس وعقدة فرنسا والإمارات

كاتب المقال نزار بولحية - تونس   
 المشاهدات: 3095



لأكثر من عام ظل موعدها أشبه باللغز المبهم، فكلما خرجت هيئة الانتخابات وأعلنت عن توصلها لاتفاق لضبطه وتحديده باليوم، وظن الكثيرون أن الامور سويت تماما وحسمت نهائيا وإلى غير رجعة، حدث ما يقلب الاوضاع رأسا على عقب ويعجل بالعودة مجددا إلى نقطة الصفر.

وربما كان بمثابة المعجزة أن يثبت القرار أخيرا في تونس بتنظيم الانتخابات البلدية في السادس من الشهر المقبل بدون أن يظهر حتى الآن ما يدل على أن فرص التراجع عن ذلك التاريخ وتكرر سيناريوهات التأجيل من جديد ستكون وافرة أو قوية. ومع ذلك فليس من المؤكد أن القصة انتهت أو ستنتهي عند ذلك الحد، فلربما تكون ألغاز المرحلة المقبلة أشد غموضا وتشويقا من لغز تحديد الموعد في حد ذاته. فهناك عدا المعارضين والرافضين المكشوفين والمقنعين في الداخل لفكرة إجراء تلك الانتخابات أكثر من جهة خارجية، لا تنظر بعين الرضا والارتياح لإقدام تونس على مثل تلك الخطوة المهمة في مسارها. ومن الواضح أن اكثر بلدين يمكن أن ينطبق عليهما ذلك بحكم عدة اعتبارات تاريخية وظرفية، وبالنظر أيضا لما يمتلكانه من نفوذ وعلاقات مهمة في دوائر القرار السياسي والإعلامي هما فرنسا والامارات. وليس هناك من شك في أن انزعاجهما ليس وليد الساعة، فهما لم تكونا في الأصل مرتاحتين لما حصل في تونس في السنوات السبع الأخيرة، رغم أنهما ظلتا تسلكان أسلوبين مختلفين تماما في التعامل مع مسار التطورات التي جدت فيها، وتعبران بطرق متعارضة أحيانا عن تحفظهما ورفضهما لكثير من المسائل، وفي مقدمتها تطبيع الدولة مع الاسلاميين، بعد عقود طويلة من هيمنة لغة القطيعة والصراع على علاقتهما.

وكان مؤكدا ايضا أنهما لم تكونا متحمستين، أو حتى قابلتين لإجراء الانتخابات البلدية، في وقت كان فيه حلفاؤهما المحليون يمرون بحالة وهن وهبوط في شعبيتهم، وعجز ملحوظ عن إقناع شرائح واسعة من التونسيين بقدرتهم على إخراج البلاد من أزماتها. ولاجل ذلك فقد ظلتا تدفعان نحو التأجيل المتواصل لها، أملا في أن تتحسن موازين القوى وترجح كفة الموالين لهما، أو تسقط حركة النهضة في فخ من الفخاخ العديدة التي نصبت لها داخل وخارج البرلمان، ويجد اعداؤها الداخليون والخارجيون في تلك الحالة مبررا مقنعا لوأد المسار ووقف التجربة برمتها.

وربما كانت الصفعة القوية التي تلقاها هؤلاء هي أن أيا من ذلك لم يحصل، ليذعن المترددون بعد أن استنفدوا كل محاولات التمطيط والتأجيل لموعد السادس من الشهر المقبل، وتبدأ الحملات الانتخابية وسط جو من الحذر والترقب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل أن البلدين سيقران فعلا بالأمر الواقع، وسيعترفان بالهزيمة؟ أم أنهما سيتفقان هذه المرة على خطة بديلة لمواجهة ما يعتقدان أنه سيكون بمثابة الخطر الداهم على مصالحهما في تونس؟ والى أي مدى ستلتقي رؤية الفرنسيين مع تصور الإمارتيين لطريقة ضرب تجربة كانت الاولى من نوعها في تاريخ المستعمرة الفرنسية السابقة، وستكون حتما الأولى عربيا وإقليميا ايضا في حال نجاحها في المرور بسلام؟ لعل السكون والهدوء النسبي الذي يخيم الان على حملة الانتخابات البلدية، لا يعكس حدة النقاشات التي تجري في دوائر القرار في باريس وأبوظبي، حول أفضل السيناريوهات الممكنة للتعامل معها، ويعطي بدلا من ذلك انطباعا خاطئا وخادعا، بأن اثر حالة القلق المحلي والاقليمي، وربما حتى الخوف مما قد تفرزه نتائجها من تغييرات عميقة ومهمة في موازين القوى السياسية، بشكل قد يقود لاحقا للتأثير في مسار الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة العام المقبل، سيكون على العكس بسيطا ومحدودا. ولكن الجميع يدرك جيدا مع ذلك أن مثل تلك الهواجس ماتزال موجودة وقادرة على الظهور، ربما بعنف وقوة وفي اي وقت، رغم أن طرق التعبير عنها اختلفت كثيرا عن درجة الحدة التي شهدتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية الاخيرة، خصوصا في ما عرف حينها بالاستقطاب الثنائي بين الاسلاميين والمحافظين من جانب، وأنصار النظام القديم واليسار من الجانب المقابل. ولعل ما يؤجج ذلك هو أن هناك شبه يقين، حتى قبل خوض السباق الانتخابي، بأن الاسلاميين سيكونون بالنهاية هم الفائز الاكبر في اول انتخابات بلدية تعددية وحرة تشهدها البلاد، وفقا لاحكام الدستور الجديد.

ولا يبدو أن كل اشارات التهدئة والطمأنة التي أرسلها قادة حركة النهضة، وهم القوة الاسلامية الأكبر، حول حرصهم على عدم الاستئثار بالسلطة المحلية واحتكارها، ورغبتهم في الانفتاح والتوافق والتشارك مع كل القوى في إدارة الشأن العام، بمن فيهم خصومهم، آتت اؤكلها وأثمرت حتى الآن عن تغير واضح في المواقف المناوئة لهم والمشككة في حقيقة نواياهم وخططهم. فكلما مد النهضويون أيديهم للاطراف التي تناصبهم العداء وطالبوهم بترك المشاحنات والعداوات السياسية جانبا، والعمل سويا على إنقاذ تونس من كبواتها المالية والاجتماعية، رد هؤلاء عليهم إما بالتجاهل أو الرفض، أو حتى بالتهكم، مثلما فعل مؤخرا زعيم حزب العمال حين صرّح لإحدى الاذاعات المحلية بان «المصلحة الوطنية العليا تقتضي ألا يلتقي الشيخ راشد الغنوشي» لأن في لقائهما مغالطة للتونسيين، على حد تعبيره. بل إن موجة تخويف التونسيين من المشاركة في الانتخابات والدعوة ضمنيا لمقاطعتها مادامت ستؤدي حتما لفوز الاسلاميين بلغت حدا جنونيا، جعل أحد الإعلاميين يقول يوم الجمعة الماضي، في برنامج يبث من إحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، إن «الانتخابات البلدية ستحول تونس إلى إمارات تقودها الدواعش»، محذرا من انه سيتم منح السلطات المحلية بعد الانتخابات صلاحيات كبرى، تمكنها حتى من عقد اتفاقات توأمة مع بلديات من بلدان اخرى، وان الأمر قد يصل ببعضها لان تبرم اتفاقيات توأمة مع تنظيمات ارهابية كبوكوحرام في الساحل الإفريقي!

غير أن كل الدعوات المكشوفة والخفية للمقاطعة لن تكون الاسلوب الوحيد للتشكيك المبكر في نتائجها، فهناك اكثر من صوت يرتفع الان في تونس للتلميح إلى انحياز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضد بعض المرشحين، ومن محاسن الصدف انها جميعا اصوات الذين لم يكونوا موافقين في الاصل على أي موعد لاجرائها، وظلوا يرددون أن الوقت والظرف ليسا مناسبين لذلك. اما إلى اين يمكن أن تصل تلك الحملات وهل أن الفرنسيين والإماراتيين سيستغلونها في مرحلة مقبلة لتشويه العملية الانتخابية، معتمدين على نفوذهم الاعلامي والمالي والسياسي الواسع؟ فالواضح انهم لا يراهنون كثيرا على تلك الفرضية وحدها بقدر ما يعملون على مزيد تسخين الاوضاع السياسية والاجتماعية في الداخل، أملا في تفجرها على نطاق واسع يؤدي لقبر المسار الانتخابي والديمقراطي بشكل تام. ولعلهم يرون في الصراع المحتدم الان بين الحكومة والنقابات نموذجا مناسبا لتحقيق ذلك. فيما تظل الكرة في الاخير في مرمى التونسيين فهم وحدهم من سيقرر ويختار في السادس من الشهر المقبل أي بلد يريدون، بقطع النظر إن كانت خياراتهم ستفك عقدة فرنسا والامارات من الاسلاميين، أم ستجعل علاجها صعبا ومستعصيا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإمارات، فرنسا، الإنتخابات التونسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-04-2018   المصدر: القدس العربي

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
نادية سعد، عبد العزيز كحيل، د. طارق عبد الحليم، المولدي اليوسفي، حسن عثمان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمار غيلوفي، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي العابد، كريم السليتي، رمضان حينوني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش، أحمد ملحم، د- هاني ابوالفتوح، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، الهيثم زعفان، وائل بنجدو، العادل السمعلي، ضحى عبد الرحمن، إيمى الأشقر، عبد الرزاق قيراط ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، سلوى المغربي، سامح لطف الله، عبد الغني مزوز، مصطفى منيغ، أحمد بوادي، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، محمود فاروق سيد شعبان، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الناصر الرقيق، د. عبد الآله المالكي، د - صالح المازقي، صلاح المختار، يحيي البوليني، إسراء أبو رمان، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، أشرف إبراهيم حجاج، رضا الدبّابي، رشيد السيد أحمد، كريم فارق، محمد علي العقربي، د. صلاح عودة الله ، محمد الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، فتحـي قاره بيبـان، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العراقي، محمود سلطان، ماهر عدنان قنديل، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، خالد الجاف ، عبد الله زيدان، أبو سمية، بيلسان قيصر، د. أحمد محمد سليمان، صلاح الحريري، رافع القارصي، د- جابر قميحة، ياسين أحمد، علي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، يزيد بن الحسين، عبد الله الفقير، أنس الشابي، رافد العزاوي، د. خالد الطراولي ، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، منجي باكير، د - محمد بنيعيش، حسن الطرابلسي، سلام الشماع، د- محمود علي عريقات، طلال قسومي، د - الضاوي خوالدية، إياد محمود حسين ، حاتم الصولي، محمد العيادي، عمر غازي، صالح النعامي ، أحمد الحباسي، د - عادل رضا، الهادي المثلوثي، سيد السباعي، أ.د. مصطفى رجب، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، محمد اسعد بيوض التميمي، فهمي شراب، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، د. أحمد بشير، مراد قميزة، د - المنجي الكعبي، طارق خفاجي، سامر أبو رمان ، محمد الياسين، عزيز العرباوي، محمد شمام ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي الكاش، سليمان أحمد أبو ستة، سعود السبعاني، عراق المطيري، محمد عمر غرس الله، فوزي مسعود ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة