البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا ستفشل الإمارات مرة أخرى في تونس؟

كاتب المقال نزار بولحية - تونس   
 المشاهدات: 2498



هل يصح في حكامها المثل المعروف «في الصيف ضيعت اللبن» أم أن الفرصة ماتزال سانحة لهم ليحققوا ما فشلوا فيه في السابق؟ لاشك أنكم تذكرون القليل، إنْ لم يكن، الكثير من الحرائق والحروب التي سعوا لإشعالها أو ساهموا في تأجيجها. لكن سيصعب عليكم أن تستحضروا ولو حربا واحدة كانوا سباقين لإخمادها أو تطويقها.

تأملوا جيدا ما فعله ويفعله حكام الإمارات على مر السنوات الأخيرة. ألم يدافعوا فقط عن المستبدين والانقلابيين ويشدوا أزرهم بالمرتزقة واللصوص؟ ألم يرسلوا المال والسلاح لكل الخارجين عن الشرعية والقانون ويديروا خارج أراضيهم سجونا سرية؟ ألم ينتهكوا برا وبحرا وجوا سيادة الجار والشقيق ويتلذذوا بأن حياة الأنظمة الموالية لهم رهينة كبسة زر منهم بفضل ما يمنون عليهم من «رز»؟ ألم يتخط هوسهم حدود الفوز بأفخم المقتنيات وأغلاها إلى كسب العملاء وتغيير السياسات في أكثر من قطر عربي؟ إنهم موجودون الآن بشكل فعلي أما بقواتهم أو بأموالهم في اليمن وليبيا وسوريا ومصر، أي فيما كان معروفا بدول الربيع العربي، وهذا ما يسمح لهم بالتحكم في جزء مهم مما يجري في المنطقة من تطورات وتحولات.

وحتى في الدولة الوحيدة التي نجت مما لحق تلك الدول من انتكاسات فقد تمكنوا من نسج شبكات إخطبوطية أكسبتهم نفوذا وتأثيرا على مجريات الأحداث فيها. غير أن ذلك لم يمكنهم إلى الآن من أن يحققوا مرادهم بالكامل بعد أن عجزوا عن قلب الطاولة ودفن تجربتها الديمقراطية. لقد جربوا ومازالوا يجربون ويبحثون رغم إخفاقهم أكثر من مرة في السابق عن وصفة مثالية تجعلهم يصلون إلى هدفهم ويطفئون آخر شمعة في ليل العرب.

لكنهم يعرفون جيدا أن المهمة لن تكون بسيطة أو سهلة، فالتونسيون يملكون من عناصر القوة والأمان الذاتي ما يجعلهم قادرين بدرجة كبيرة على إبطال كل مغامراتهم ومخططاتهم. فلم تتمكن العصبيات العرقية أو المذهبية التي اكتسحت دولا عربية أخرى ومزقت نسيجها الاجتماعي والسياسي من السيطرة عليهم بعد. وهم يملكون مستوى تعليميا هو الأعلى بالمقارنة بجيرانهم كما أنهم معروفون بانفتاحهم الواسع والملحوظ على الثقافات والحضارات الأجنبية فضلا عن أنهم ينتسبون في غالبيتهم العظمى لعرق واحد ودين واحد وحتى مذهب واحد. كما أن لديهم فضلا عن ذلك مؤسسات صلبة وعريقة وجيشا وطنيا ظل دائما وأبدا بمعزل عن الانخراط المباشر في صنع القرار السياسي أو إدارة الدولة.

لكن هل تكفي كل تلك العناصر حتى تضمن تونس اليوم بشكل بات ونهائي أنها لن تنجرف مرة أخرى نحو حرب أهلية كانت قبل سنوات قليلة فقط على وشك الوقوع فيها ولايزال حكام الإمارات وربما آخرون غيرهم يحاولون جرها إليها بشتى الطرق والأساليب؟ ربما لا يدور في أذهان معظم التونسيين مثل ذلك الهاجس بشكل صريح أو ملح فهم لا يرون أن بلدهم يمكن أن يكون يوما ما ليبيا أو سوريا أو يمنيا حيث تتطاحن الفصائل والعشائر والقبائل والملل والنحل في حروب داحس والغبراء التي لا يعلم إلا الله كم ستستغرق من زمن وكم ستقطف من أعمار وأجيال؟

أما تفسيرهم لذلك فهو إنهم لا يرون أن هناك مبررا لأن تقوم حرب أهلية في بلد متجانس بذل أول رؤسائه جهدا جبارا ليكرس فيه مشاعر الانتماء لما كان يطلق عليها أمة تونسية واحدة. وسعى منذ استلامه السلطة إلى محاربة التعصب للقبيلة والعروش وكل مظاهر التعبير أو الانتماء أو الولاء لها.

صحيح إنهم كانوا ومازالوا يلمسون إلى الآن أشكالا ومظاهر فاضحة من الحيف والجور والتمييز بين جهة وأخرى من جهات تونس الصغيرة مساحة وسكانا، ولكن مثل ذلك التفاوت يحصل في معظم دول العالم ولا يقود بالضرورة للحروب أو حتى لمحاولات الاحتجاج العنيفة. وربما كان تنصيص الدستور الجديد على ضرورة منح تمييز إيجابي للمناطق الداخلية محاولة لإصلاح ذلك الظلم والخطأ التاريخي الذي لحقها على مر عهود طويلة. لكن ما الذي يمكن أن يكسر كل تلك التحصينات الذاتية ويجعل تونس تنحدر، لا سمح الله، نحو حرب الأخ ضد الأخ؟

ربما سيكون من الصعب عليكم أن تتخيلوا أن التوافق الذي تنعم به الآن هو ما يستخدم حجة وذريعة لا لمنع تلك الحرب والوقوف سدا منيعا أمامها بل للنفخ فيها والدعوة المبطنة والمضللة للقفز نحوها. فليس جديدا أن ترتفع أصوات معروفة بولائها للإمارات لتقول الآن بالذات والبلاد تستعد لانتخابات بلدية هي الأولى بعد هروب الرئيس المخلوع بن علي أن لا معنى ولا مستقبل لالتقاء الأضداد الذي حصل بعد آخر انتخابات رئاسية وبرلمانية بين النظام القديم وبين الإسلاميين.

وليس جديدا أيضا أن تكرر تلك الأصوات ما كانت تقوله دوما من أن التوافق هو مجرد صفقة شخصية تمت بين شيخين هما الرئيس قائد السبسي والشيخ الغنوشي لن يطول مفعولها أو يمتد في حال غياب أحدهما أوكليهما لسبب من الأسباب أو حتى في حال تغير الظرف ووصول لغة الحوار والتفاهم بينهما إلى طريق مسدود. أما البديل لذلك والذي ستفعله تونس من دون توافق حتى هش ومحدود فهذا ما لا يكشف عنه لا السياسيون ولا الإعلاميون المعارضون له أو المتضررون من استمراره. ولأجل ذلك فهم يكتفون بتساقط تصريحات الطرفين بحثا عن جملة أو كلمة قد يسارعون لتحويلها فتيلا لتفجير الحرب في أي لحظة.

والغريب هنا هو أنه كلما حصل استقرار نسبي في تونس وبدأ الحديث عن بوادر لتعافي الاقتصاد تجدد الحديث عن أزمة حكومية أو برلمانية أو حتى عن أزمة سياسية تقتضي مراجعة نظام الحكم أو حتى نظام الاقتراع. ولعلكم تذكرون جيدا ما قاله الشيخ الغنوشي يوما من أن المسار الديمقراطي في تونس رهين رصاصة. لقد صار ذلك المسار اليوم وبمرور الزمن رهين أشياء أخرى أقل كلفة ودموية من الرصاص الحي مثل كلمة أو قرار أو خطاب.

لكن مع ذلك فهناك عوامل موضوعية تجعل فرضية الحرب التي تدفع لها الإمارات رغم كل شيء بعيدة بعض الشيء وغير واقعية. فإشعال حريق إضافي في هذا الظرف بالذات بين ليبيا التي بدأت تظهر عليها علامات التعافي النسبي وباتت تتهيأ، ربما لانتخابات برلمانية وحتى رئاسية، وبين الجزائر التي لا يزال الغموض يلف مستقبلها ما بعد بوتفليقة لن يكون في مصلحة أي من البلدين. وسيلقى بالتأكيد رفضا قاطعا من الجزائر بالخصوص حيث سترى فيه خطرا مباشرا عليها. كما أنه قد يسبب إشكالات ومتاعب إضافية للقوى الأوروبية الكبرى التي لا ترغب في مشاهدة النيران على مرمى بيتها.

ولذا فإن أقصى ما قد تستطيع الإمارات وحلفاؤها إنجازه هو التشويش على تونس. ومادامت المقدمات نفسها تؤدي للنتائج نفسها، ومادام حكامها مصرين دوما على اختيار الجواد الخاسر ذاته، فإنهم سيراكمون بالضرورة فشلا جديدا سيكون وصمة في سجلهم الحافل فقط بصنع الحروب وإشعالها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإمارات العربية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-04-2018   المصدر: القدس العربي

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سيد السباعي، نادية سعد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يزيد بن الحسين، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، سليمان أحمد أبو ستة، سامح لطف الله، د. خالد الطراولي ، إسراء أبو رمان، مجدى داود، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - مصطفى فهمي، سلام الشماع، د. عبد الآله المالكي، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، خبَّاب بن مروان الحمد، فوزي مسعود ، أحمد النعيمي، أحمد الحباسي، د. صلاح عودة الله ، د. طارق عبد الحليم، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، د. أحمد محمد سليمان، د - الضاوي خوالدية، عبد الله الفقير، تونسي، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود سلطان، عراق المطيري، حسن الطرابلسي، رافع القارصي، عبد الرزاق قيراط ، ماهر عدنان قنديل، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، سامر أبو رمان ، د - المنجي الكعبي، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، محمد العيادي، د - صالح المازقي، الناصر الرقيق، محمد أحمد عزوز، صلاح الحريري، أشرف إبراهيم حجاج، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، رشيد السيد أحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد ملحم، د - عادل رضا، طلال قسومي، ضحى عبد الرحمن، صباح الموسوي ، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، صفاء العراقي، محمد يحي، جاسم الرصيف، صفاء العربي، إيمى الأشقر، علي الكاش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، عزيز العرباوي، علي عبد العال، كريم السليتي، رضا الدبّابي، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، صالح النعامي ، ياسين أحمد، د- محمد رحال، عمار غيلوفي، عبد الله زيدان، أنس الشابي، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، الهيثم زعفان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، محمد الياسين، د. أحمد بشير، العادل السمعلي، أحمد بوادي، رافد العزاوي، أبو سمية، إياد محمود حسين ، محرر "بوابتي"، د - محمد بن موسى الشريف ، د - محمد بنيعيش، وائل بنجدو، فتحي العابد، سعود السبعاني، كريم فارق، سلوى المغربي، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، رحاب اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة