بمناسبة استشهاد الزواري: قانون تجريم التطبيع في تونس
طارق الكحلاوي - تونس المشاهدات: 2971
تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لاستشهاد المواطن التونسي محمد الزواري أمام منزله، يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر 2016. تبين بسرعة أن الاغتيال بمسدس كاتم للصوت؛ عملية محترفة، وأنها تستهدف أحد كوادر حركة "حماس" المختصين في تصنيع وتطوير طائرات صغرى بدون طيار لصالح المقاومة الفلسطينية. ومن ثم توجهت أصابع الاتهام للموساد، وهو الأمر الذي أكدته طريقة الاحتفاء الإسرائيلي بشكل علني بما حصل. وإذ تمر هذه الذكرى أمام صمت مطبق من قبل السلطات التونسية، التي لم تقم بأي إعلان جديد منذ حوالي العام حول تقدم التحقيق في هذه الجريمة، فإن تزامن هذه الذكرى مع إعلان ترامب القدس "عاصمة لإسرائيل"، والهبة الشعبية الرافضة لذلك، أعاد لطاولة الجدال موضوع قانون لتجريم التطبيع في تونس.
رغم صمت السلطات التونسية، فقد قام محامون بإحياء ذكرى الشهيد الزواري من خلال ندوة صحفية في "دار المحامي" يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر، عرضوا فيها ما توصلوا إليه من نتائج. وقد أكد الأستاذ عبد الرؤوف العيادي؛ على تراخي السلطات التونسية في هذه القضية، مشيرا - مثلا - إلى أن "حاكم التحقيق منذ تقديمه الإنابة لفرقة مكافحة الإرهاب لم يتخذ أي قرار". واتهمت محامية أخرى شاركت في الندوة، وهي الاستاذة الخميري، السلطات باتهامات أقوى، حيث قالت إن التواطؤ يبرز أثناء القيام بالعملية وبعدها، مضيفة أن هناك وثيقة حول الجهات المتواطئة، حيث طرحت سؤالا عن أسباب اختيار الصحفي لنزل أفريكا المحاذي لوزارة الداخلية حتى ينزل فيه، ولماذا تم إخلاء سبيله دون التحقيق معه، مؤكدة في هذا الصدد؛ أن الجهات المحقّقة ترفض التعرّف عن هذا الشخص، والأطراف التي ساعدته، خاصة وأنه توجد تقارير لدى وزارة الداخلية تحتوي على أسماء ضالعة في القضية.
يعيد كل ذلك، طُرح موضوع قانون تجريم التطبيع، الذي تم طرحه أولا كمشروع قانون في المجلس التأسيسي سنة 2012؛ من قبل نواب يتبعون أحزاب المؤتمر ووفاء وآخرين، وتم تجاهله، والتحق به مشروع آخر سنة 2016، من قبل نواب الجبهة الشعبية. وأكد جل نواب المعارضة أثناء جلسة خاصة للبرلمان؛ دعما للقدس دعوتهم لمناقشة مشروع القانون في جلسة عامة.
والحقيقة، إن وجد جدل سنة 2012 حول مبدأ "دسترة" تجريم التطبيع، فإنه كان هناك توجه أقوى نحو الالتجاء لوضع قانون خاص بتجريم التطبيع، مثلما هو الحال في لبنان. ومقابل دفاع نواب المعارضة من توجهات سياسية وإيديلوجية مختلفة على القانون، نجد في المقابل توافقا بين الحزبين الأساسيين في السلطة؛ حول رفضه. وكانت حركة النهضة قد عبرت عن ذلك، في تصريحات أوخر سنة 2016 على لسان أحد أهم قيادييها، وهو رئيس الحكومة الأسبق علي العريض؛ الذي قال حينها إن القانون "لا يحل مشكلة قائمة، ولم يطلبه الفلسطينيون باعتباره لن يضيف لهم شيئا، وإنما يضع تونس أمام مشاكل جديدة وعويصة مع عدد كبير من الدول الشقيقة والصديقة، ومع عديد المؤسسات الدولية". وأضاف: "تونس لا تحتاج إلى سنّ مشروع قانون لتجريم التطبيع،" داعيا إلى أن "يكون التعاطي مع كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الأمنية؛ متّسما بأعلى درجات الروية والتمحيص"، كما شدد على "ضرورة تجنّب التسرع والانفعال والمزايدات عند تناول هذه المواضيع الأكثر خصوصية وحساسية من الملفات الاقتصادية والاجتماعية".
وإذا كان موقف حزب النداء، سليل التجمع المنحل، منسجما مع تاريخ التطبيع لمنظومة ما قبل الثورة، فإن موقف النهضة كان مناقضا لدعواتها وموقفها المعلن قبل الثورة؛ في رفض التطبيع والوقوف ضده. والحقيقة، من الضروري التفاعل مع أي موقف يرى أن قضية التطبيع يجب أن تعالج من زاوية عقلانية. سأعرض هنا بعض الحجج من زاوية عقلانية حول أهمية رفض اللتطبيع وأنه ليس مسألة شعبوية.
وقد حررت مقالا باسمي المستعار قبل الثورة (الطاهر الأسود)، في سياق نقاش مماثل سنة 2007، حين تورطت صحيفة تونسية في مبادرة تطبيعية مع مركز يتبع بيريز؛ خصصت فيها فقرة خاصة حول "المغزى الإسرائيلي من التطبيع". وأشرت حينها - على سبيل الذكر لا الحصر - إلى أن مطلب "التطبيع" كان قبل عقد اتفاقية "الحل النهائي" (أي حل القضية الفلسطينية)، بشكل دائم، في صدارة المطالب الإسرائيلية في أي مفاوضات مع الجانب العربي. ومثلما توضح إحدى وثائق الأرشيف السري الأمريكي، أنه خلال مفاوضات "كامب ديفيد" سنة 1978 بين الجانبين الإسرائيلي والمصري، كان من بين أهم هواجس الجنرال دايان، والتي حرص على تكرارها أمام الرئيس كارتر، ما اعتبره نوايا مصرية "لإبطاء التطبيع في العلاقات".. حيث من الواضح أن مطلب "التطبيع" مع الطرف المصري كان على رأس أولويات الجانب الإسرائيلي، وواحدا من بين الأسباب الأساسية لعقد "اتفاقية سلام". لكن ما يلفت الانتباه؛ أن ذلك المطلب كان مرتبطا بفصل المفاوضات حول سيناء عن أي مطالب أخرى في علاقة بالقضية الفلسطينية. وبمعنى آخر، كان الإسرائيليون يرغبون في تطبيع العلاقات مع مصر من دون الالتزام بأي حل في علاقة بالصراع الأساسي في المنطقة، وهو احتلال الأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي قبله في نهاية الأمر الرئيس السادات، وأدى إلى عزلة مصر عن محيطها العربي، وهو الأمر الذي أدى لسياسة "التطبيع الباردة" التي بدأها الرئيس مبارك بعد مقتل السادات.
أيضا، سبق التحضير لـ"مؤتمر مدريد" بداية التسعينات؛ ورقة لإسحاق شامير عرفت باسم "خطة الأربع نقاط" (Shamir’s four-point plan). وكانت تلك الورقة المرجعية الرئيسية بالنسبة للإدارة الأمريكية أثناء التحضير للمؤتمر. ومن بين النقاط الأربع، تبين أن النقطة الثانية كانت على رأس أولويات الجانب الإسرائيلي. وتتعلق هذه النقطة بمطلب إسرائيلي يتمثل بتطبيع العلاقات مع مجمل الأطراف العربية، من خلال مفاوضات ثنائية مباشرة، قبل التوصل لأي حل سياسي نهائي في القضية الفلسطينية، وذلك "لبناء جو من الثقة". ويتم تقديم هذه الرؤية بطريقة مشابهة للغاية مع أفكار سافير المذكورة أعلاه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: