البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثورة المضادة في الداخل و الخارج

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2574



"الثورة المضادة" فاعل مركزي في واقع العرب والمسلمين اليوم، فكل ما نراه حولنا من فوضى ومن خراب ومن موت منتشر في كل مكان إنما هو من فعل الثورة المضادة وأنيابها الدامية فقط.

في البدء كان الربيع، ربيع الأمة وربيع الجماهير الهادرة في الساحات والميادين عندما كان النظام الاستبدادي العربي يرتعش رعبا وخوفا من الإفاقة المفاجئة لمن حسبهم طويلا نوما حالمين، اليوم لم يعد مصطلح الربيع طاغيا بل استعيض عنه بمصطلح "الخريف" أو بالتحديد "الخريف الإسلامي".

في الحقيقة ورغم مكر المصطلح، فإن ما نرى هو ربيع جديد أي أن الربيع الأول هو ربيع الجماهير المسحوقة أو ربيع الثورة أما الثاني الذي أعقبه فهو ربيع الاستبداد العربي أي ربيع الثورة المضادة.

في تحقيق نادر نشرت الصحيفة الفرنسية الأشهر "لوموند" تقريرا عن واحد من أنياب الثورة المضادة الأشد تأثيرا وهو رجل الإمارات الفلسطيني "محمد دحلان".

يمثل المقال الذي كتبه الصحفي الاستقصائي ومراسل الصحيفة في بيروت "بنجمان بارت" وثيقة هامة في تعرية الخيوط الخفية للثورة المضادة التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة بلا هوادة منذ فجر الثورات.

نجح دحلان كما يؤكد التقرير في نسج شبكة ممتدة بواسطة المال الإماراتي فقاد الثورة المضادة في مصر حتى أطاح بمحمد مرسي والانقلاب عليه، ثم في ليبيا مع الجنرال حفتر الذي يدعمه بالسلاح، وكذا في تونس عبر دعم فلول النظام القديم ومنصاته الإعلامية بالمال الوفير.

لكن نشاط خلايا الرجل لم تقتصر على شراء الأسلحة وعلى التمكين للانقلابات بل تعداها إلى مراكز البحوث والدراسات، حيث نجحت الإمارات في صناعة مراكز بحوث في روما وباريس وبروكسل وبريطانيا عبر مركز "أبحاث" الإماراتي من أجل استقطاب النخب الغربية والتأثير فيها.

ذكر المقال على سبيل المثال مركزا فرنسيا للدراسات يشرف عليه سفير بن علي السابق في "اليونيسكو" بما هو واحد من أظافر المخلب الإماراتي في عاصمة الأنوار باريس وهو الذي عُرف بعدائه الشديد لدولة قطر وللثورات العربية التي وصفها بأقذع النعوت.

ليس غرض الثورة المضادة البناءَ والتأسيس وتقديم البديل بقدر ما يتمثل غرضها الأساسي في الهدم ومنع التأسيس وضرب كل محاولة تسعى إلى تقديم بديل لمنظومة القمع العربية التي كانت سائدة قبل الانفجار التونسي الكبير في شتاء 2010.

ففي باريس بما هي واحدة من أهم العواصم العالمية تأثيرا في الخبر وفي الوعي الجمعي الدولي وفي صورة العرب والمسلمين بشكل عام تنشط الثورة المضادة مسلحة بالمال الخليجي الانقلابي وبشبكة من رجال المنظومات الاستبدادية العربية.

لا تقتصر الثورة المضادة هناك على شراء الأقلام والمقالات والتحقيقات الصحفية التي تتماشى مع الخطاب الثورة المضادة ومضامينها بل تتجاوزه إلى محاولة خلق الثقل السياسي في القرار وفي التوجه وذلك على أعلى المستويات.

تشهد أروقة اليونسكو مثلا صراعا محموما بين دول المنظومة الاستبدادية العربية بما فيها دول حصار قطر وحلفائها وبين الدول الداعمة لترشح قطر وهي الدولة المحسوبة على الثورة وعلى الخط الثوري عربيا.

تسعى دول الثورة المضادة جاهدة وبكل الوسائل إلى حرمان قطر من هذا المنصب الهام دوليا في عداء صارخ للقيم الحضارية للأمة وفي تنكر لا يخفى لكل روابط الانتماء للدين والوطن واللغة والتاريخ والأرض والمصير الواحد. إذ لا تمثل دولة قطر خطرا مباشرا على دول الثورة المضادة إلا بما هي رمز لرفض الانصياع لمنطق الوصاية وسلب السيادة والاعتراف بالانقلابات وبانتصار الثورة المضادة الحاسم.

إن توحش الثورة المضادة بكل خناجرها يكشف في الحقيقة معطيات كثيرة تساعد حتما في تبين المشهد العام الذي يغطي كامل المجال العربي اليوم.

أهم هذه المعطيات هي سذاجة الثورات وخاصة سذاجة النخب التي قادت هذه الثورات وهي نخب بان جليا أنها لا تملك حدا أدنى من الوعي السياسي الموضوعي بواقعها وهو ما سهل عودة النظام القديم.

الأخطر من ذلك والأدهى هو أن كثيرا من النخب السياسية المعارضة تحالفت مع الاستبداد وساعدت بشكل حاسم على عودته مثلما هو الحال في مصر وتونس مثلا.

كشف توحش الثورة المضادة تحالفا جليا بين قوى المنظومة القمعية العربية وبين القوى الخارجية المعادية للأمة ولكل محاولاتها للتحرر والنهوض، بل إن شراسة الثورة المضادة واستبسالها في محاولة حرق كل المجال الثوري ونسف منجزه الاجتماعي والسياسي تؤكد أنها أخطر بكثير من القوى الاستعمارية نفسها.

إن أدوات النظام الرسمي العربي في الخارج شاهد على أن قوى التسلط العالمية إنما تستمد طاقتها الرئيسية من الداخل الذي تمثله القوى المضادة والمعاكسة والمانعة لحركة التحرر والانعتاق. لقد كبدت قوى الداخل الأمة خسائر لم تكبدها إياها قوى الاستعمار الخارجي طوال تاريخها الضارب في النهب وسرقة الثروات ولنا في سوريا ومصر خير مثال.

لن تخرج الأمة من مأزقها ما لم تتحرر من أورام الداخل وما لم تتخلص من جذور الاستبداد وشبكاته، لأن كل صراع مع الخارج يتطلب حتما تحرير الداخل هذا إن لم نقل إن معركة الأمة هي في جوهرها معركة مع نفسها قبل أن تكون مع غيرها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، الربيع العربي، الأحزاب، الخونة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-10-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عادل محمد عايش الأسطل، حاتم الصولي، أنس الشابي، سفيان عبد الكافي، إسراء أبو رمان، صلاح الحريري، نادية سعد، محمود سلطان، المولدي الفرجاني، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد النعيمي، فوزي مسعود ، محمد الطرابلسي، رضا الدبّابي، تونسي، محمود فاروق سيد شعبان، د - محمد بنيعيش، حسن الطرابلسي، عمر غازي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود طرشوبي، د - عادل رضا، إيمى الأشقر، ضحى عبد الرحمن، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، أحمد الحباسي، سامح لطف الله، كريم السليتي، الهيثم زعفان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رشيد السيد أحمد، رافع القارصي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - صالح المازقي، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد محمد سليمان، العادل السمعلي، د. صلاح عودة الله ، علي الكاش، منجي باكير، إياد محمود حسين ، صفاء العراقي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العربي، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، د. خالد الطراولي ، مجدى داود، فتحي العابد، د - مصطفى فهمي، د - المنجي الكعبي، طلال قسومي، رافد العزاوي، أحمد بوادي، أبو سمية، رحاب اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، جاسم الرصيف، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، صالح النعامي ، د- جابر قميحة، محمد شمام ، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، عواطف منصور، ياسين أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، محمد عمر غرس الله، الهادي المثلوثي، سلوى المغربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله زيدان، د. أحمد بشير، يزيد بن الحسين، سليمان أحمد أبو ستة، د - الضاوي خوالدية، خالد الجاف ، محرر "بوابتي"، محمد الياسين، د.محمد فتحي عبد العال، محمد العيادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أشرف إبراهيم حجاج، د- هاني ابوالفتوح، فتحي الزغل، سيد السباعي، وائل بنجدو، مراد قميزة، سلام الشماع، سعود السبعاني، عبد الرزاق قيراط ، عبد الغني مزوز، مصطفي زهران، صباح الموسوي ، أحمد ملحم، حسن عثمان، حميدة الطيلوش، علي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، عزيز العرباوي، د- محمود علي عريقات، محمد يحي، صلاح المختار، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، كريم فارق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة