البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لنكتب الخيبة: المثقف القواد

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3689



نكتب الخيبة بعد أن عسر الفرح. لقد بذلنا جهد المجتهد؛ راضين بالحد الأدنى من كل شيء وقلنا عسى ربك أن يجعل من بعد عسرا يسرا. لم نكفر بإرادة الله، ولكن إرادة أهل السياسة غلّقت دوننا الأبواب وقالت "لأقتلنك". وما أجرمنا إلا أنّا عقدنا الأمل في من لم يربِّ الأمل ولم يتربَّ عليه.

في سنوات القراءة قبل أن نصاب بعمش الشيخوخة المبكرة ويلتهمنا الافتراضي؛ كنت أحد الذين يطرح أسئلة عن تيار النواح الأسود المسيطر على كتابات أدبية كثيرة وعلى القاموس السياسي المهزوم الذي تروّج له النخب في الشرق خاصة (والنخب في الأعم الأغلب من اليسار الثقافي، فالأدب حرام عند الإسلاميين).

وكنت أحد الذين لم يصبروا على كم الحزن في روايات حيدر حيدر - مثلا - التي كلما قرأت منها أصابني الإحباط، وكان سؤالي: لماذا يكتب المثقف العربي كل هذه الخيبة وها قد جاءتني الإجابة تسعى؟ فالمثقف كما توهمته في دروسي خلاّق أحلام يكتبها ويصدقها ويعيش بها على أمل أن تحقق ليخلق منها أحلاما أخرى، لكن عندما واتتنا فرصة الحلم مرة أخرى وقلنا وداعا لكتابات الحزن السوداء؛ اُنِتُهِب الأمل في التغيير ولم نظفر من بلدنا إلا بخيبة أخرى، وكان النهابة طغمة المثقفين قبل غيرهم والذين خرجوا من النواح إلى النهب كالكلاب العاوية، ووضعوا أنفسهم في خدمة الأحذية العسكرية التي تمارس السياسة كأنما خلقت السياسة في بلداننا العربية لتحطم آمالنا. إنها تبدع في ذلك، وها نحن نرتد إلى الخيبة ونقول كنواحات المآتم: لعل في الرثاء تخفيف الألم.

السلطة متهم ثان

كانت الكتابات الأدبية والعلموية، وهي كتابات يسارية في مجملها لما بعد هزيمة 67، تتهم السلطة دوما، وكان مدار نقدها مسلط على الأنظمة السياسية المجرمة في حق شعوبها والعميلة للاستعمار والإمبريالية والصهيونية، وكانت قواميسها نفسها تدور حول النكبة والهزيمة والتقهقر، بينما تغفل جانبا خيانات المثقفين أنفسهم وتواطؤهم مع الأنظمة ضد شعوبهم، وسعيهم إلى المكاسب الشخصية.. لم تهتم هذه النصوص على اختلافها بمقدار سهولة ترضية المثقفين بالغنائم القليلة. لقد كان كثير مما يكتب استدرار لعطف السلطة ولفت انتباهها وعرض الخدمة عليها، فيبدأ الكاتب حزينا على الأمة لينتهي زلما لنظام غاشم. الآن وجب أن نكتب خيبتنا من النخبة المثقفة أكثر مما نكتب عن خيبتنا من الأنظمة العائدة بعد ثورات شعبية. الأنظمة توشك أن تكون بريئة ثمة مثقف قواد سعى إليها ولا يمكنها أن تقنعه بأن يكون شريفا.

المثقف القواد سرق الثورة ثانية. وليته غنم لحسابه الشخصي فقد كرر خدمة الأنظمة، وانتهى حيث انتهى الآن السيد قنديل وما أبعد اسمه عن فعله. كل المثقف العربي عبد الحليم قنديل، ولا تختلف إلا الأسماء الشكلية من تونس إلى مصر إلى سوريا. هذا المثقف هو مصدر النواح القديم وهو الذي فقد أسباب النواح بالثورة فاستعاده بالخيانة.

شرشبيل والسنافر

منذ رسم صاحب السنافر سنافره واخترع شرشبيل، وشرشبيل يجري وراء السنافر ليعد حساءه المفضل حساء السنافر.. كل صباح يقوم اليسار العربي ليعد حساءه من لحم الخوانجية، والخوانجية يجرون هربا من شرشبيل. في كل حلقة تحدث معجزة ينجو السنافر ويستعيد شرشبيل برنامجه حساء السنافر.. خمسون عاما والسنافر يهربون، وشرشبيل يجري والديمقراطية مؤجلة والأنظمة متربعة على رقاب الخلق وترسم خريطتها ليهتدي شرشبيل إلى مساكن السنافر ونحن خلق الله ننتظر أن تنتهي المعركة.. لنبدأ بناء الديمقراطية ويبدو أن حساء السنافر مهمة أزلية فأي دور لشرشبيل إذا قبض على السنافر وأعد الحساء.

شرشبيل هو المثقف الخائن، والسنافر خونة آخرون يفضلون الهرب على خوض المعركة حتى النهاية مع شرشبيل لحسم النزاع.. ما دامت هذه المعركة مستمرة، فإن الأنظمة ستجد لها دورا، وسيجد مثقفون كثر دورا في رسم الخريطة للأنظمة لكي تهتدي إلى قرية السنافر.

نحن الضحايا

نحن ضحايا ولا نجد مهربا إلا في النواح الثقافي. نحن ننوح لأننا عجزنا دون فض النزاع بين شرشبيل والسنافر، ولدينا وعي كاف بأن معركتهم ليست معركتنا، بل هي معركة تضيعنا فنيا وسياسيا. إن أحد أهم مصادر خيبتنا هو هذا الصراع اليساري الإسلامي الذي يمنع المثقفين الملتزمين بالتغيير من النجاة من المعركة المزيفة لبدء معركة ضد التخلف الحقيقي الذي يكبل شعوبا تعرف ما تريد، وتنتظر قيادة ثقافية مستنيرة تحملها إلى بر الأمان الثقافي والإبداعي حيث تنطلق عملية بناء بدائل جذرية خارج الصراع: كفر ضد إيمان أو تقدمية ضد رجعية.

شروط هذا الصراع المزيف هو الذي جعل مثقفي اليسار في تونس يقفون مع مفردات/ مكونات النظام المنهار لينقذوه من انهياره؛ فيستعيد بقدرتهم قدرته على البقاء في السلطة، وهو نفس الصراع الذي جعل اليسار المصري بشقيه القومي واليساري يقف مع العسكر ليحررهم من الإخوان، لكن النتيجة عودة النظام القديم بكل مكوناته وأساليبه، بما في ذلك منع كل عملية إبداعية خارج النواح الثقافي المهزوم.

الثورات فرصة فرح

في الخيال الحالم لمثقف مؤمن بالثورة، الحلم يبدأ مع الثورة وينمو بها، ويبدع بها حتى يصير كل نص ثورة. في ظل صراع السنافر وشرشبيل الذي تتمتع الأنظمة بحسائه؛ ضعنا وكتبنا الرثاء، ونوشك أن نستأنف النصوص الجنائزية لما بعد هزيمة 67. اليسار العربي ينتج الهزيمة والرثاء، والإسلاميون الهاربون من الفن هروبهم من الشيطان يستمتعون بوضع الضحية الذي يحب من ينوح عليه قبل موته، ونحن بينهم ننتج حزننا على الأوطان التي ضاعت والثورات التي غدرت والأحلام الكبيرة التي أجلناها حتى تضع الثورة أوزارها ونبدأ الكتابة السعيدة للأجيال، فنربيهم على الفرح الغامر في الأوطان السعيدة.

ليس لنا مطالب شخصية غير فرح أبنائنا وسعادتهم في أوطانهم. لم نطلب غنائم، طلبنا طبقة سياسية منتصرة للتغيير العميق لبناء أوطان أخرى غير التي أورثنا إياها الاستعمار الغاشم. لم تفلح طبقتنا السياسة في الخروج من أزماتها، فارتدت بنا إلى جنائز الأمل. نحن الآن في جنازة الألم العربي الكبير الذي يدفن فرصة تغيير عبقرية فجّرتها الشعوب "الغبية"، فالتقف المثقفون الحزانى مسيرتها وحرفوها إلى بيت العزاء الأبدي الذي يحبون العيش فيه؛ في انتظار أن يأتي السنافر على شرشبيل فتصفو الغابة منه أو يأتي شرشبيل على السنافر فيطبخ حساءه العبقري.

لن يموت السنافر ولن يفرح شرشبيل ولا قطه هرهور، نحن فقط من يحزن والأنظمة فقط من يغنم، والغابة في الصورة جميلة لكنها في الواقع تشكو حزنها وبثها إلى الله، فهي لم تعد صالحة للعيش المشترك إلا أن يكون جنازة، وما أكثر جنائز الأمل في الغابة العربية التي تضم رفاتنا ونحن أحياء بعد. ليرحمنا الله فليس أمامنا إلا قصيدة أبي البقاء الرندي: لنبك أوطانا لم نحافظ عليها مثل الرجال؛ ولنكتب الخيبة.

---------
وقع تحوير جزئي للعنوان
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-10-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود فاروق سيد شعبان، ضحى عبد الرحمن، د. عبد الآله المالكي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - المنجي الكعبي، مصطفي زهران، أ.د. مصطفى رجب، محمد عمر غرس الله، صلاح المختار، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، علي الكاش، فتحـي قاره بيبـان، محمد أحمد عزوز، حميدة الطيلوش، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، أنس الشابي، يزيد بن الحسين، عبد الله الفقير، بيلسان قيصر، كريم فارق، طارق خفاجي، د - محمد بن موسى الشريف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، منجي باكير، فتحي العابد، د. أحمد بشير، محمد علي العقربي، د - مصطفى فهمي، د. طارق عبد الحليم، محمود طرشوبي، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، د - عادل رضا، سيد السباعي، إسراء أبو رمان، خالد الجاف ، د. صلاح عودة الله ، محمد الياسين، أحمد النعيمي، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بوادي، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، مجدى داود، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، عبد الغني مزوز، عراق المطيري، د - صالح المازقي، محرر "بوابتي"، فهمي شراب، الهيثم زعفان، أبو سمية، أحمد الحباسي، الهادي المثلوثي، مصطفى منيغ، طلال قسومي، سامح لطف الله، مراد قميزة، رمضان حينوني، سفيان عبد الكافي، فوزي مسعود ، سلوى المغربي، د- جابر قميحة، صفاء العراقي، صباح الموسوي ، د. خالد الطراولي ، د - شاكر الحوكي ، علي عبد العال، جاسم الرصيف، إيمى الأشقر، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، حسن عثمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي الزغل، محمد شمام ، يحيي البوليني، د- محمد رحال، الناصر الرقيق، عبد الله زيدان، أحمد ملحم، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رشيد السيد أحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافد العزاوي، العادل السمعلي، د - الضاوي خوالدية، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، المولدي اليوسفي، محمد العيادي، إياد محمود حسين ، رضا الدبّابي، عزيز العرباوي، سليمان أحمد أبو ستة، ياسين أحمد، رافع القارصي، المولدي الفرجاني، محمد يحي، صلاح الحريري، كريم السليتي، عمر غازي، عبد العزيز كحيل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، محمود سلطان، عبد الرزاق قيراط ، وائل بنجدو، أحمد بن عبد المحسن العساف ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة