البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل انتصرت الثورة المضادّة في تونس؟

كاتب المقال محمد المولدي الداودي - تونس   
 المشاهدات: 3367



هل قدر "الثوّار" في تونس إحصاء خيبات الثورة، ورسم خطوط انكساراتها؟ ومتى يكفّ الصبيان عن البكاء؟ ليست المصادقة على قانون المصالحة الإداريّة إلاّ واحدة من حلقات مسار متعرّج ومنحرف للفعل الثوري التونسي، من حيث المنطلقات والمسارات والنتائج.

الآن، قد تبدو مفردة "ثورة" من أشكال المجاز اللغوي والتوسّع الدلالي المشحون امتداحا لحركة اجتماعيّة أسقطت رأس النظام، ولم تسقط كلّ مكوّناته العميقة، ولم يدرك "الثوّار" منذ البدايات الأولى المطالب الحقيقيّة، بل كانت الشعارات التي صاحبت تلك الحركة الاجتماعيّة الغاضبة ارتجالية وجدانيّة، رؤية ووجهة، فقد بدأت غضبا جهويّا في ولاية سيدي بوزيد، ثمّ احتقانا اجتماعيّا من خلال شعار "شغل، حريّة، كرامة وطنيّة"، ثم اكتسبت طابعا سياسيّا من خلال توسّعها جهويّا، واتّصال بعض المكوّنات النقابيّة والحقوقيّة والسياسيّة بها.

كانت تلك الحركة الاجتماعيّة الغاضبة "إصلاحيّة" لا غير، ولم يكن طموح "الثوّار" آنذاك إسقاط النظام، وإنّما إجباره على الإصلاح السياسي والاجتماعي وتوسعة فضاء الحريّات.

لم تكن الحركة الاجتماعيّة الغاضبة، أو الثورة التونسيّة، تحمل إرهاصات فكريّة واضحة، ولم تكن لها قيادة ثوريّة مدركة للمآلات، وإنّما كانت تحوّلا عفويّا في سياق تاريخي، غوامضه وألغازه كثيرة. ولذلك كانت النتائج مناسبة لحقائق المسار "الثوري" ومتجانسة مع منطق أحداثه وتغيّراته، ومتناقضة جزئيّا مع أحلام الناس وانتظاراتهم.

بعيد سقوط رأس النظام، استعاد الفاعلون السياسيون الذين وحّدهم قمع النظام معاركهم القديمة التي تعود إلى الثمانينات، تلك المعارك القديمة التي لم يعشها جيل الشباب ثلاثا وعشرين سنة، كانت الانحراف الأساسي الذي أصاب المشهد السياسي، وأسقط الكلّ في دائرة الفراغ والعبث. وحين استعاد "الثوّار" معاركهم المزيّفة الطاحنة، استعادت الدولة العميقة آليات تجدّدها وانبعاثها وسدّت منافذ انكسارها وعمّقت حضورها وفق سياقٍ جديد استوعبت تحوّلاته.

لم يكن الشعب التونسي موحّدا في مواقفه من أحداث الثورة، ولم يكن كذلك موحّدا في انتظاراته أو أحلامه "الثوريّة"، وحين تناسى "الثوّار" المطالب الاجتماعيّة، وانساقوا وراء خطاب نخبوي لا يفهمه عموم الشعب التونسي، عملت الدولة العميقة على إبراز البعد الاجتماعي، وفشل "الحكّام الجدد" في إدارة الأزمة الاجتماعيّة.

انشغل الفاعلون السياسيون الجدد بمعاركهم السياسيّة، ولم يدركوا جميعهم رهانات السياق الثوري وتحوّلاته، ولم تكن مسألة ترسيخ المكتسبات السياسية والحقوقيّة، كالتعدديّة وحريّة التنظّم وحق التعبير وغيرها هاجسا جماعيّا، وإنّما كانت، في أحيان كثيرة، مدارا للصراع بين أحزاب وقوى سياسيّة أنتجتها الثورة، إذ استعان بعض السياسيين والنقابيين والحقوقيين بمكوّنات الدولة العميقة، وأركان الثورة المضادّة، كالإعلام لإطاحة خصوم السياسة بعيد انتخابات 2011. وفي 2013، تحوّلت هذه الاستعانة الخفيّة إلى تحالف موضوعي مكشوف، بدا واضحا في اعتصام باردو، حيث ارتقى "المناضلون السياسيون" المنصّة نفسها مع جلاّدي النظام السابق، وألقوا الخطاب نفسه، وطالبوا بالمطالب نفسها.

بدأت التنازلات والبعد عن ذلك الأفق الثوري الحالم مع الفشل السياسي في إدارة مواضع الاختلاف بين الفرقاء السياسيين. ومع وضوح التدخّل الأجنبي، من خلال المخابرات والمال والإعلام، وضمن سياق عالمي، اتفق على إجهاض الحراك الاجتماعي والسياسي والثوري في العالم العربي.

أعتقد أنّ كبح جماح الثورة المضادة في العودة، واستعادة مواقعها القديمة، لن يكون بتكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبها السياسيون والنقابيون والحقوقيون المحسوبون على الثورة، فلكل نصيب في خيانة الثورة والإيقاع بالثائرين. وأعتقد كذلك أنّ خطيئة المصادقة على قانون المصالحة الإدارية قد يقلّ جرما عن خطيئة اعتصام باردو الذي أسقط أوّل حكومة شرعيّة منتخبة بعد الثورة.

حزب نداء تونس، وهو الصورة الأوضح للثورة المضادّة في المشهد السياسي التونسي، كان شريكا ل"مناضلين" و"حقوقيين" و"سياسيين محسوبين على الثورة" كثيرين، وهو الآن شريك لحركة النهضة في تعميق العودة إلى معاقله القديمة، معاقل الحكم والسلطة.

ليس عيبا أن يجني "نداء تونس" ثمار الخصومة والعداء بين "الثوّار"، وليس عيبا أن يدرك سياسيو هذا الحزب مستوى المراهقة السياسيّة التي ميّزت "الثوّار" من سياسيين وحقوقيين ونقابيين، بل العيب كل العيب في من منعهم الصرّاح في كلّ محفل، والبكاء في كلّ مأتم عن إدراك التحذير وفهم النّصيحة، وإنّهم مازالوا يصرخون ولا يفهمون.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-09-2017   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خبَّاب بن مروان الحمد، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، علي عبد العال، صفاء العربي، أحمد النعيمي، د - صالح المازقي، رشيد السيد أحمد، كريم السليتي، فتحي الزغل، تونسي، عمار غيلوفي، عبد الله الفقير، عبد الرزاق قيراط ، ماهر عدنان قنديل، عبد الله زيدان، د - المنجي الكعبي، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أنس الشابي، سامح لطف الله، فوزي مسعود ، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح الحريري، عبد الغني مزوز، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، د - عادل رضا، صباح الموسوي ، نادية سعد، حميدة الطيلوش، د. أحمد بشير، طلال قسومي، يحيي البوليني، د. عبد الآله المالكي، محمد شمام ، مصطفي زهران، محمود سلطان، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، وائل بنجدو، حسن الطرابلسي، ضحى عبد الرحمن، علي الكاش، فتحي العابد، د - الضاوي خوالدية، يزيد بن الحسين، عزيز العرباوي، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، د - مصطفى فهمي، أحمد ملحم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، الهيثم زعفان، حسن عثمان، مراد قميزة، صفاء العراقي، سلام الشماع، عواطف منصور، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فهمي شراب، منجي باكير، إيمى الأشقر، أحمد الحباسي، د.محمد فتحي عبد العال، المولدي الفرجاني، مجدى داود، رافع القارصي، محمد أحمد عزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، الناصر الرقيق، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، سعود السبعاني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمد رحال، كريم فارق، ياسين أحمد، إياد محمود حسين ، د - شاكر الحوكي ، محمد عمر غرس الله، محمد الطرابلسي، رمضان حينوني، خالد الجاف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد محمد سليمان، العادل السمعلي، سليمان أحمد أبو ستة، أشرف إبراهيم حجاج، جاسم الرصيف، سلوى المغربي، صالح النعامي ، د. صلاح عودة الله ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الياسين، سامر أبو رمان ، عمر غازي، محمد يحي، مصطفى منيغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، د- هاني ابوالفتوح، رافد العزاوي، محمد العيادي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة