البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

وجه آخر لقضية الميراث في تونس

كاتب المقال سمير حمدي - تونس   
 المشاهدات: 3544



لم يكن مستغرباً أن يثير مقترح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، تغيير قانون الميراث الضجة الواسعة في تونس، وكان لها ارتداداتها في الدول العربية، فالمسألة تتعلق بقضية جذورها دينية، وتتأصل في نصوص شرعية، غير أن القضية، في جوهرها، تتجاوز مجرد النقاش الديني نحو مشكلةٍ فعليةٍ مرتبطة بطبيعة التناول الممكن لقضايا ذات حساسية عالية في المجتمعات العربية. فما طرحه الرئيس التونسي يندرج ضمن المسلمات التي لا تقبل النقاش لدى بعضهم، ووضعها اليوم على بساط البحث لتصبح مسألة رأي عام أحدث هزّة فعلية لقوى فكرية وسياسية مختلفة، ناهيك عن علاقتها بالجانب المجتمعي نفسه الذي ترسخت بنيته التشريعية وأعرافه القانونية ضمن ضوابط محدّدة خاصة في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية. وبعيداً عن المناكفات الإيديولوجية، ومحاولة تسجيل النقاط في المجال السياسي، فإن المسألة تحيل على درجة الحيوية التي يعيشها المجتمع التونسي بعد الثورة. حيث أصبحت كل القضايا قابلةً للبحث العام وللنقاش الواسع، وهذا أمر يُحسب للمشهد الديمقراطي التونسي. فحالة التحرّر في طرح الآراء تجاوزت مجرد الجدل السياسي أو الخلاف الفكري لتطرح قضايا تتعلق بالبنية المجتمعية والمسائل القانونية والتشريعية القريبة من حياة الناس، أعني قضايا المرأة والأسرة.

وإذا لم يكن مستغرباً أن توجد تيارات فكرية تدعم التوجهات التحرّرية في المجال الاجتماعي، وتحاول التفكير خارج المنظومة الدينية المستقرّة منذ قرون، فإن هذه الفئة تظل، في النهاية، ضمن التوجهات الأقلوية التي تعبر عنها تيارات نسوية، أو جماعات تحرّرية تعتقد أن أولوياتها تنحصر في الصراعات المجتمعية، وإعادة تشكيل النمط الاجتماعي وفق أفكار يصنفها قسم كبير من المجتمع ضمن الفكر الوافد والدخيل. وبغض النظر عن تبني رئيس الجمهورية قرارات قريبة من هذه التوجهات ضمن أجندات سياسية، وربما شخصية، في جانب منها من جهة رغبة الرئيس الحالي في تخليد اسمه على الطريقة البورقيبية الذي دخل التاريخ باعتباره من ألغى تعدّد الزوجات، وأقر قانوناً يجيز التبني، فإن السياق التاريخي في هذه الحالة يختلف عما فعله بورقيبة عشية استقلال تونس، لسببين مهمين على الأقل، أولهما أن رئيس الدولة في ظل تونس الحالية لا يتمتع بصلاحية تشريع القوانين وإنفاذها، وإنما أقصى ما يقدر عليه تقديم مبادرات تشريعية تخضع، فيما بعد، لفحص البرلمان الذي يمكنه إجازتها أو رفضها، حسب قواعد التصويت الداخلي، وأوزان الكتل المختلفة التي تؤيد التعديلات أو ترفضها، خلافاً للزمن البورقيبي، حيث كان قرار الرئيس هو نفسه قانوناً قابلاً للإنفاذ العاجل من دون نقاش أو اعتراض. السبب الثاني هو التغير الكبير الذي شهده المجتمع التونسي، من حيث طريقة التفكير، أو من جهة طبيعة التعامل مع القضايا المجتمعية، فالشارع التونسي، على الرغم من حضور نسبة لافتة من التدين فيه يميل، في جانبٍ منه، إلى نمط من الليبرالية الفكرية في تناول قضايا مجتمعية كثيرة من جهة، كما يعرف صعوداً لافتاً للفكر النسوي، مع انتشار حضور المرأة القوي في مختلف المجالات، ما يجعلها في موقعٍ يطالب بمزيد من الحقوق والإصلاحات التي تخدم حضورها وتؤيد نفوذها. على أن هذا لا يعني أن تمرير القانون في ذاته مسألة سهلة ومتاحة، بل الأكيد أن مسألة الميراث بالذات أعقد من أن يتم حسمها بمجرد مبادرة تشريعية من رئيس الدولة، فبالإضافة إلى الجوانب الدينية والثقافية، وحتى السياسية، فإن الجانب الاقتصادي يحضر في هذه المسألة، وهو ما يدفع جانباً مهماً من المجتمع نحو رفض تعديل مفاجئ لبنيةٍ قانونيةٍ مترسخة ومتجذرة في المجتمع.

يشكل فتح باب النقاش في هذه القضايا المجتمعية، على أهميته، إثارة لمشكل في غير وقته، بمعنى أنه يعبر عن نوع من التسرّع في بحث قضيةٍ ليست ملحة، على الأقل من الناحية التشريعية بالنسبة للمجتمع التونسي. وكان من الأجدى أن تبقى القضية موضوعاً للجدل والحوار والتفاعل الاجتماعي، والأكيد أن المجتمع نفسه سينحاز إلى الخيارات المناسبة للمرحلة التاريخية التي يعيشها، فترسيخ المسار الديمقراطي يقتضي مزيداً من التعميق والترسيخ، بعيداً عن كل ما يمكن أن يشوّش عليه، أو يمثل دافعاً للنكوص عنه، ذلك أن قطاعاً من الشارع أصبح في موضع المقارنة مع دول أخرى، تخضع لأنظمة استبدادية، ولا تطرح فيها مثل هذه القضايا.

وعلى الرغم من أن كل دراسة موضوعية للمسألة تكشف أن تجنب أنظمة الاستبداد الحديث في قضايا الأسرة لا يدل على إيمانها العميق بالقضايا الدينية، ولا عن رغبة في احترام المجتمع، وإنما هو يعود في الواقع الى انشغال الحاكم الطاغية بتثبيت أركان حكمه، والابتعاد عن إثارة القضايا التي قد تشكل مدخلاً ينتقده منها معارضوه، خلافاً للمشهد التونسي، حيث يمكن طرح كل القضايا وحسابات الربح والخسارة في المجال السياسي يحسمها الصندوق. وعلى هذا، فإنه على الرغم من سوء اختيار اللحظة التي طرح فيها الرئيس التونسي مقترحه، وما قد يحدثه من جدل مجتمعي وانقسام فكري وعقدي، فإنه، في النهاية، تعبير عن مدى التطور الفكري الذي تعرفه الساحة التونسية، وامتحان لمدى قدرة الشارع على تحمّل أشكال شتى من النقاشات والحوارات، تتعلق بقضايا مختلفة، حتى أكثرها ارتباطاً بمسائل الدين والمعتقد. ففي هذه الحالة، إذا تم ضمان عدم هيمنة الفكر الأقلوي عبر قوة السلطة، فالأكيد أن مجرد الجدل والبحث في الموضوع دافع لمزيد انفتاح المجتمع، وتقبله البحث في كل القضايا، حتى أكثرها تعقيداً وتأثيراً وخطورة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الباجي قائد السبسي، مسألة المواريث، إملاءات الإتحاد الأوروبي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-08-2017   موقع: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود فاروق سيد شعبان، ضحى عبد الرحمن، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، العادل السمعلي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد العزيز كحيل، رافع القارصي، عبد الرزاق قيراط ، د - الضاوي خوالدية، طلال قسومي، رضا الدبّابي، رشيد السيد أحمد، مصطفي زهران، جاسم الرصيف، نادية سعد، حميدة الطيلوش، أبو سمية، د. أحمد بشير، الناصر الرقيق، إسراء أبو رمان، عمر غازي، د - محمد بنيعيش، كريم فارق، محمد أحمد عزوز، د - محمد بن موسى الشريف ، علي عبد العال، خالد الجاف ، مجدى داود، د. خالد الطراولي ، محمد شمام ، يحيي البوليني، محمود سلطان، د - عادل رضا، رافد العزاوي، سلام الشماع، أحمد ملحم، حسني إبراهيم عبد العظيم، طارق خفاجي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، د- جابر قميحة، د - المنجي الكعبي، محمد العيادي، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، حاتم الصولي، عمار غيلوفي، فوزي مسعود ، سامر أبو رمان ، سعود السبعاني، صلاح الحريري، حسن الطرابلسي، محمود طرشوبي، يزيد بن الحسين، سلوى المغربي، فتحـي قاره بيبـان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العراقي، محمد علي العقربي، عبد الله الفقير، د. صلاح عودة الله ، د- محمود علي عريقات، المولدي الفرجاني، د - صالح المازقي، عواطف منصور، حسن عثمان، الهادي المثلوثي، سامح لطف الله، عراق المطيري، مصطفى منيغ، بيلسان قيصر، أحمد بوادي، أحمد الحباسي، كريم السليتي، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، فهمي شراب، إيمى الأشقر، صباح الموسوي ، الهيثم زعفان، عبد الله زيدان، محمد عمر غرس الله، أ.د. مصطفى رجب، محمد يحي، أنس الشابي، محرر "بوابتي"، المولدي اليوسفي، محمد الياسين، منجي باكير، سفيان عبد الكافي، د. عادل محمد عايش الأسطل، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الغني مزوز، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، تونسي، إياد محمود حسين ، ماهر عدنان قنديل، فتحي الزغل، أشرف إبراهيم حجاج، محمد اسعد بيوض التميمي، د. طارق عبد الحليم، علي الكاش، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سيد السباعي، د - مصطفى فهمي، صالح النعامي ، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، صفاء العربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة