البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس وصندوق النقد الدولي

كاتب المقال المهدي مبروك تونس   
 المشاهدات: 2985



مع تصريحات وزير المالية التونسي بالنيابة، الفاضل عبد الكافي، قبل أيام أمام أعضاء مجلس النواب، التي نبه فيها إلى المخاطر المالية المحدقة بالبلاد، والتي قد تكون معها الدولة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين في الأشهر القليلة المقبلة، ناقدا ما سماها إدارة الحكومة الشأن المالي على شاكلة ما يقوم به العطّار (بائع المواد الغذائية بالتفصيل، في اللهجة التونسية)، تزداد المخاوف الحقيقية من بلوغ تونس مرحلة الإفلاس، خصوصا أن زيارات وفود صندوق النقد الدولى تزداد، وقد انتهت آخرها يوم 3 يوليو/ تموز الماضي، والتقى فيها الوفد الأطراف الحكومية المعنية بالملف الاقتصادي والمالي.

يبدو أنه لا توجد حلول كثيرة أمام تونس، لمواجهة التدهور الاقتصادي والمالي المتسارع من سنة إلى أخرى، ولم تفلح الحكومات الست بعد الثورة في إنقاذ الأمر، خصوصا أنها استسلمت إلى وصفات الصندوق الدولي، على الرغم مما يعيبه عليها من بعض البطء والتلكؤ، حسب اعتقاده. وجدت تلك الحكومات نفسها أمام معضلة حادّة، ما زالت ماثلة، فقد أطلقت الثورة سيلا جارفا من مطالب وانتظارات كانت قد قدحت الثورة بشكل أو بآخر: الشغل والنهوض بالمناطق الداخلية المحرومة. ولكن يبدو أن الحكومات أخفقت في تلبية المطالب في ظل تراجع نسب النمو وانكماش الاستثمار الداخلي والخارجي وارتفاع مطلبية مرهقة للزيادة في الأجور.

هناك شعور متنام لدى أوساط عديدة، منها النقابية والحقوقية والشبابية من أن حكام تونس ما بعد الثورة ضحّوا بتلك المطالب، وتنكّروا لها تحت ضغط وصفات صندوق النقد الدولي. على الرغم من ذلك، تذهب الحكومة الحالية في تنفيذ الوصفات التي تأخر أمدها، والبلاد تكاد تدخل مرحلة حرجة. لم تعد توصيات الصندوق التي يفضل بعضهم وصفها "إملاءات" مخفية، بل غدت معلومة منشورة في أهم تقارير هذا الصندوق، وعلى موقعه الإلكتروني، لعل أهمها المضي في خصخصة ما تبقى من مؤسساتٍ عمومية باتت عبئا على ميزانية الدولة، وهي مؤسسات تكاد تكون مفلسة، لتضخّم جهازها البيروقراطي من خلال انتداب عشوائي فاق الحاجة، فضلا على ضعف المردودية والعجز عن المنافسة في سوق خدماتٍ يتحرّر تدريجيا: على غرار البنوك العمومية وشركات الضمان والتأمين... إلخ، وهي مؤسساتٌ نخرت المالية العمومية من خلال تدخلٍ في إنقاذها في مناسبات عديدة من دون أن تتعافى، بل استفحل أمرها في السنوات القليلة الفارطة، إيقاف الانتداب في الوضعية العمومية، رفع الدعم بشكل متسارع عن المواد الغذائية والمحروقات... إلخ، ففي آخر زيارة لوفد من صندوق النقد الدولي، بدا سقف المطالب مرتفعا، بل ومؤلما، فلأول مرة يدعو الصندوق تونس إلى "تغيير منوالها الاقتصادي"، وهي صيغة فضفاضة، لكنها صارمة في الوقت نفسه، تفيد لدى الخبراء جملة من الإجراءات غير الاعتيادية أو المألوفة، على غرار ما ذكرنا، وخصوصا الخصخصة الشاملة، وتخلي الدولة عن لعب أي دور اقتصادي تقريبا، وإيقاف الدعم نهائيا، وتحرير الاقتصاد، بما فيه إلغاء جل النزعات الحمائية عن التجارة الداخلية والخارجية. وفضلا عن إصلاحات جبائية حادّة ومقاومة الاقتصاد الموازي، وهو الذي تذهب تقديراتٌ رصينةٌ بشأنه إلى حد جعله يستولي على ما يقارب نصف الاقتصاد، فضلا عن مقاومة الفساد ذات الصلة. ليس للحكومة التونسية هامش واسع من المناورة، في ظل شحّ التصدير وتراجع الاستثمار الداخلي والخارجي، وانكماش إنتاج الفوسفات، وتأخر انتعاشة السياحة، وهي المحرّكات التقليدية للاقتصاد التونسي.

قدّر الخبراء أن تكون 2017 أعسر سنة على تونس، وهي تتزامن مع ذروة تسديد الدين الخارجي. ولكن، لا أحد توقع أن تقف البلاد شبه عاجزةٍ عن دفع أجور موظفيها. وكانت الحكومة قد مضت في تنفيذ حزمة الشروط المطروحة، بشكل متردّد ومتذبذب، خشية أن تدفع هدير الاحتجاجات الاجتماعية. ولكن لا يلوح في المستقبل بديل آخر سوى مزيد من الهروب إلى الأمام، أو الديماغوجيا، ولو كانت تلك الشروط قاسية.

تراجعت الدولة في ظل ضعفها غير المسبوق عن بدء الإصلاحات المؤكدة، حين همّت في أول اختبار لها بتوسيع القاعدة الضريبية، لتشمل فئات المهن الحرّة التي ما زالت تتهرّب من دفعها ما عليها لفائدة الدولة، أمام قوة اللوبيات المتنفذة، عير وكلائهم من نواب البرلمان، ما جعلها تسحب مقترحاتها الأولية، وتتنازل لهم. وهي ضرائب تخصم من الأجراء الذين يساعدون بما قدره 80%، ما يفوّت على الدولة تعبئة مواردها المالية، فضلا على إغفالها مبدأ العدالة الجبائية.

تخلصت تونس من مخاطر الإرهاب، وها هي تخوض معركتها ضد الفساد. ولكن، عليها أن تربح رهان الإقلاع الاقتصادي، حتى تضمن عدم انتكاس انتقالها الديمقراطي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، صندوق النقد الدولي، الأزمة الإقتصادية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-08-2017   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - صالح المازقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أبو سمية، فتحـي قاره بيبـان، محمود فاروق سيد شعبان، سليمان أحمد أبو ستة، د - المنجي الكعبي، د. أحمد محمد سليمان، علي الكاش، محمود سلطان، سعود السبعاني، صالح النعامي ، عمار غيلوفي، أشرف إبراهيم حجاج، د.محمد فتحي عبد العال، منجي باكير، أحمد بوادي، مصطفي زهران، إياد محمود حسين ، محمد العيادي، فوزي مسعود ، رضا الدبّابي، د- هاني ابوالفتوح، محرر "بوابتي"، جاسم الرصيف، أحمد النعيمي، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، إسراء أبو رمان، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، د - عادل رضا، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، صباح الموسوي ، د - الضاوي خوالدية، سلام الشماع، مجدى داود، صلاح المختار، ماهر عدنان قنديل، حميدة الطيلوش، الهيثم زعفان، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، الهادي المثلوثي، تونسي، سامح لطف الله، د. خالد الطراولي ، المولدي الفرجاني، عراق المطيري، رافع القارصي، محمود طرشوبي، د. طارق عبد الحليم، عبد الله الفقير، رافد العزاوي، عزيز العرباوي، مراد قميزة، يحيي البوليني، فتحي العابد، سلوى المغربي، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، د- جابر قميحة، محمد الياسين، فهمي شراب، رشيد السيد أحمد، صلاح الحريري، عبد الله زيدان، د - مصطفى فهمي، أحمد الحباسي، ضحى عبد الرحمن، إيمى الأشقر، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الرزاق قيراط ، عواطف منصور، صفاء العربي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، فتحي الزغل، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، خالد الجاف ، د- محمد رحال، د - محمد بنيعيش، طلال قسومي، د. أحمد بشير، علي عبد العال، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الغني مزوز، د - شاكر الحوكي ، كريم فارق، سامر أبو رمان ، العادل السمعلي، ياسين أحمد، مصطفى منيغ، كريم السليتي، سفيان عبد الكافي، رحاب اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، د. عبد الآله المالكي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد شمام ، د. صلاح عودة الله ، محمد يحي، حاتم الصولي، د. مصطفى يوسف اللداوي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة