البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حلول تحتاجها تونس.. استلهاما من الاكوادور وميلونشون

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 3625



اذا كان هناك أزمة في تونس فهو في طرح حلول جديدة لمشاكل مستعصية لمنظومة اقتصادية واجتماعية وفوق ذلك سلوكية-قيمية افرزت ثورة وافرزت تعطلها في ذات الوقت. ومن الواضح ان المهمة الاساسية لمشروع اعادة بناء دولة ومجتمع ما بعد الثورة هو دمقرطة الدولة وتحويلها الى تعبير متماهي لمصالح مجتمعها ككل، هذه الدولة التي تم بناؤها بعد الاستقلال وكانت دولة مصالح لوبيات محددة وليس دولة ممثلة لمصالح شعبها. غير انه على وفرة العرض السياسي القائم فان غالبية مضمونه يدافع عمليا عن تواصل خوصصة الدولة وليس دمقرطتها، دولة مغتربة عن مجتمعها.

بكل تأكيد نحتاج حلولا مبنية على اساس وضعنا المحلي، لكن في اي تجربة جديدة هناك مجالا للاستلهام من تجارب اخرى. بالنسبة لتونس، يمكن ان نرى في تجربة الرئيس الاكوادوري كوريا، وفي البرنامج الانتخابي لحركة "فرنسا غير الخاضعة" بقيادة ميلونشون، مع اعتبار كل الاختلافات بينهما وبين الوضع في تونس، افكارا تصلح للاستفادة في سياق مشروع دمقرطة الدولة التونسية.

لنبدأ بالاكوادور. مما لا شك فيه ان هناك فروقا واضحة بين تونس وهذا البلد الامريكي اللاتيني. من بينها ان الاكوادور دولة نفطية ( 40% مداخيل الدولة). غير ان بعض الاجراءات الابداعية التي اتخذها رئيسها كوريا يمكن ان تصلح لدول نامية غير نفطية مثل تونس. حكم الرئيس رافائيل كوريا، وهو في الاساس جامعي في الاقتصاد وأحد طلبة الاقتصادي الامريكي جوزيف ستيغليتز، الاكوادور بعد انتخابه ديمقراطيا لعهدتين متتاليتين منذ سنة 2007 الى بداية العام الجاري. وتم اعادة انتخاب مرشح حزبه خلفا له في الاسابيع القليلة الماضية بما يعكس نجاح تجربته في الحكم. وخلال هذه المرحلة استطاع هذا البلد النامي الصغير ان يتجاوز ازمتين كبيرتين الاولى الازمة المالية الدولية سنة 2008 والثانية تراجع اسعار النفط منذ سنة 2013، وان يقوم فوق ذلك بتغيير دور الدولة ووضع الفئات الاجتماعية المتضررة.

نتائج حكم كوريا تهم تحديدا دمقرطة الدولة الاكوادورية بما يجعلها خادمة لمجتمعها عامة، ويتبين ذلك مثلا بتجاوز سياسة تفقير طويلة الامد، حيث تم التقليص بما يقارب الاربعين في المئة من نسبة الفقر، وما يقارب الخمسين في المئة من نسبة الفقر المدقع، وتضاعف الدخل المتوسط. وتم مضاعفة الانفاق العمومي في ميداني التعليم والصحة. من المثير للانتباه ان كوريا قام بكل ذلك باتباع اجراءات هي على عكس ما يتم النصح به من قبل الهيئات الدولية المالية المهيمنة. اذ مثلا وفي سياق تعديل دستوري اقره مباشرة بعد انتخابه سنة 2008 اصبح "البنك المركزي" الاكوادوري ذراعا اقتصاديا للحكومة وتم انهاء وضعه كمؤسسة "مستقلة"، وهو توجه معاكس للاتجاه العام الحالي الذي يتم الدفاع عنه من قبل اوساط نيوليبرالية عديدة، وتم تشريعه في تونس.

في علاقة بالمنظومة البنكية اقرت كوريا سنة 2009 قانونا يفرض على كل البنوك ان يجلبوا خمسة واربعين بالمئة من مخزونها المالي الى السوق المحلية، وارتفعت النسبة المفروضة هذه الى ثمانين بالمئة سنة 2015، وهو ما يعني ابقاء العملة الصعبة وتحديدا الدولار في السوق المحلية. أخيرا، من بين الاجراءات الاساسية التي ساهمت في تجاوز الازمات ونجاح كوريا هو ايضا اجراء معاكس تماما للسياسات النيوليبرالية السائدة عالميا. ويتمثل ذلك في زيادة متفاوتة في التعريفات الجمركية على اغلب الواردات، على الضد من مقررات منظمة التجارة العالمية، بما ادى الى زيادة في نسبة النمو بما يتجاوز سبعة في المئة بين سنتي 2015-2016.

باختصار كان كوريا يعتمد سياسة اقتصادية تضع في المرتبة الاولى مصلحة المجتمع الاكوادوري خاصة اذا تعارضت مع الاجراءات النيوليبرالية التي يتم تشجيعها في الخارج. في المقابل تنجر تونس الى التفريط في ادوات الدولة المالية والبنكية وفي مفاوضات لمزيد التخلي عن اي مداخيل جمركية على واردات الاتحاد الاوروبي. وهذه مواضيع مقدسة تقريبا بين غالبية الطيف السياسي في تونس، ومثلا كانت الاجراءات الناتجة على دفع القسط الثاني لصندوق النقد الدولي الاسبوع الاخير في تونس، وانصياع النخبة الحاكمة لقرار "انزلاق" الدينار امام العملة الصعبة في وضع سيعقد من التضخم وتعمق الميزان الجاري، من خلال انفلات التوريد. المشكل هنا في ثقافة الاقتصاديين المحليين والسياسيين السائدة التي تقدس اي حلول قادمة من الهيئات المالية الدولية.

نأتي الى ميلونشون الان، وتحديدا برنامجه الانتخابي الذي اشرف على صياغته فريق شاب ومنفتح محيط به. صحيح ان ميلونشون ينتمي الى اليسار الراديكالي التقليدي، التروتسكي تحديدا، الا ان التيار الذي يقوده "فرنسا غير الخاضعة"، يمثل محاولة في التجديد الاقتصادي والبرامجي على مستوى الشكل والمضمون.

بداية يتمثل التمايز عن اليسار التقليدي في طريقة اعداد رؤية هذا التيار. البرنامج الانتخابي المسمى "المستقبل بشكل جماعي" (L'Avenir en commun) تمت صياغته بشكل تشاركي اتسع بشكل كبير وصل الى الاف المشاركين بهدف تجاوز الاملاء الافقي للحلول من قبل "خبراء". تم ذلك من خلال "جلسات استماع" تضم متداخلين اجتماعيين ميدانيين عديدين، وفتح موقع الحملة لتلقي مقترحات من عموم الناس في عدد من القضايا ذات الاولوية، و"جامعات شعبية" تم فيها تدارس معمق لهذه القضايا وصياغة حلول للمشاكل القائمة، ثم تم تتويج ذلك بورشات لصياغة مشاريع قوانين جديدة تعبر عن هذه الحلول، وايضا ورشات "لرقمنة" هذه الحلول بناء على موارد الدولة.

وبناء عليه تم وضع برنامج شامل يبدأ من تغيير الدستور على اساس انتخاب هيئة تاسيسية وبدء الجمهورية السادسة. لكن بالنسبة للحلول التي تهمنا في برنامج ميلونشون يمكن الاشارة الى ما يلي: بداية سياسة جديدة في التغذية والبيئة تحت عنوان "القاعدة الخضراء" تستوجب تغيير العادات الغذائية بما يفرض تخفيضا في استهلاك اللحوم لاضرارها البيئية والصحية، والتركيز على توسيع مجال العمل الفلاحي بما يخلق مئات الاف مواطن الشغل من خلال التركيز على الفلاحة العضوية ودعم الفلاحة المستديمة المنسجمة مع البيئة (Permaculture) لتعويض هيمنة الشركات الضخمة الربحية الصرفة على الفلاحة وهيمنة الوسطاء والسماسرة في توزيع المنتوجات الفلاحية التي اضرت بالبيئة وبالعادات الغذائية وبالمستوى المعيشي على السواء. هذه النقطة مهمة من منظور تونسي لانها تتوافق مع الامكانات الكبيرة في القطاع الفلاحي التونسي اذا تم توجيه الاستمثار العمومي له بما يمكن من تدعيم الفلاحة البيولوجية والتشغيل بتوظيف الاراضي الدولية الضخمة المتروكة او المستغلة من ذوي غير الاختصاص، وضرب هيمنة المضاربة من قبل الوسطاء والسماسرة بما يضعف القدرة الشرائية للمستهلكين وهامش الربح للفلاحين المنتجين.

سأختم بنقطة اخرى في برنامج ميلونشون تتقارب مع ما يمكن ان نقوم به في تونس، والتي تندرج ضمن محور "اقتصاد البحر". ويتعلق ذلك بتركيز شبكات انتاج طاقة من البحر (hydrolienne/marine current power) ستعمل الحركة المائية في سياق استراتيجيا للانتقال طاقي، بما يوفر مئات الاف مواطن الشغل.

باختصار، هناك امكانية دائما لانتاج افكار جديدة، ومبدعة، في سياق هدف محدد خدمة المصلحة الاجتماعية العامة بتوظيف قوة الدولة. يمكن التوصل الى هذه الافكار اذا تم التحرر من هيمنة نخبة الخبراء الفوقية واعتماد اسلوب تفاعلي اكثر بين عموم الفئات الاجتماعية والمختصين الاقتصاديين. وبناء عليه يمكن ضمان اولية ان تخدم الدولة في سياق شفاف المصالح العامة عوض خدمة المصالح الخاصة الخفية. هذا جوهر الدروس المستخلصة من تجربة رافائيل كوريا ومقترحات برنامج ميلونشون. وهو تحديدا ما نحتاجه في تونس. فليس هناك حلولا مقدسة وجاهزة محتكرة من "الخبراء".


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الأوضاع الإقتصادية، الفساد بتونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-04-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يحيي البوليني، فوزي مسعود ، عبد الرزاق قيراط ، مصطفى منيغ، منجي باكير، د - محمد بنيعيش، خبَّاب بن مروان الحمد، د - المنجي الكعبي، كريم السليتي، مجدى داود، عبد الغني مزوز، مصطفي زهران، محمد الطرابلسي، رمضان حينوني، محرر "بوابتي"، أشرف إبراهيم حجاج، عواطف منصور، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي العابد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد النعيمي، إيمى الأشقر، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد يحي، حميدة الطيلوش، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، إسراء أبو رمان، د- جابر قميحة، علي الكاش، صباح الموسوي ، أحمد الحباسي، تونسي، يزيد بن الحسين، كريم فارق، رافع القارصي، عبد الله الفقير، سامح لطف الله، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- محمد رحال، وائل بنجدو، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، أ.د. مصطفى رجب، سعود السبعاني، د - الضاوي خوالدية، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد العيادي، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، محمد عمر غرس الله، د.محمد فتحي عبد العال، فهمي شراب، صالح النعامي ، ضحى عبد الرحمن، رشيد السيد أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود سلطان، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، د - مصطفى فهمي، عمار غيلوفي، د. أحمد بشير، سلوى المغربي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، حاتم الصولي، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، عراق المطيري، إياد محمود حسين ، د - صالح المازقي، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ، مراد قميزة، أبو سمية، أحمد بوادي، محمد شمام ، العادل السمعلي، سلام الشماع، صلاح الحريري، فتحي الزغل، صفاء العربي، نادية سعد، الهيثم زعفان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سفيان عبد الكافي، د. أحمد محمد سليمان، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، د. خالد الطراولي ، عزيز العرباوي، علي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، الناصر الرقيق، طلال قسومي، رافد العزاوي، رضا الدبّابي، عمر غازي، صلاح المختار، أحمد ملحم، محمد الياسين، سيد السباعي، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة