البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الانتفاض الاجتماعي يتواصل في تونس الأطراف

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3398


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تطاوين تضع أصبعها في عين الدولة المتعامية عن شعبها. تطاوين هنا وتقف موقف الحق: "نريد الكرامة عبر التنمية الخلاقة والتشغيل المجزي"، والإمكانيات على الأرض متاحة لمن يريد. بسلمية وتحضر ورقي ينتفض الشارع في تطاوين (ولاية/ محافظة في الجنوب التونسي)، مثلما انتفض في منطقة جمنة (محافظة قبلي) وقدم الحلول الراقية باعتماد الإمكانيات المتاحة منهيًا مطالب تسوّل الأطراف القصية المقصاة من المركز المتعامي عن الحلول ويروج أرقاما زائفة عن نجاحاته بواسطة وزراء تجار لا هم لهم إلا تحقيق مجدهم الشخصي عبر الظهور الإعلامي والشقشقة في بلاتوهات الإعلام المنحاز ضد الثورة منذ يومها الأول.

الجنوب المتهم

الجنوب التونسي منعوت بأنه منطقة صحراوية قاحلة وفقيرة وقد وضعت الخطط التنموية الأولى على هذا الأساس المحبط الذي كانت نتيجته تفقير الجنوب من سكانه ونزوحهم إلى العاصمة والساحل بحثا عن رزق عسير. فالفلاحة في الجنوب غير ممكنة نتيجة الجفاف، والتصنيع مستحيل بالنظر إلى بعد الشقة وعسر النقل وكلفة مد الطرقات كانت مبررات مقنعة لمن وضعها، ولكن عبر الزمن تبين أنها دليل سوء نية تجاه المنطقة التي أخضعها الاستعمار المباشر لإدارة عسكرية تامة منعا لأهلها من كل تمرد محتمل. فمعرفته بها جعلته يحذرها ويكبتها. والدولة الوطنية واصلت نفس السياسة وإن أخفت الوجه العسكري البغيض. ستون عاما والجنوب مفقر وكان كل احتجاج مهما صغر يدمغ بالخروج عن الصف الوطني ويجعل أهل المنطقة يخشون تهم الخيانة الوطنية. فتحول الأمر إلى ما شبه عقدة خوف على الوطن أعجزت ساكنته دون حقهم المشروع في الانتماء الكامل.

الثورة حررت لسان الجنوب ولكن كل تحليل لفقر الجنوب بربطه بإرث السياسة الاستعمارية الطويلة كان يُجرّم ويُتهم بالخيانة لذلك أجل أهل الجنوب مطالبهم دوما. التصويت في انتخابات 2014 بكثافة للمرزوقي أرعب حكام الشمال ومرشحهم الذي لم يضع قدمه في الجنوب حتى إن الخوف انتقل إلى المرشح المرزوقي فلم يذهب إلى قاعدته الانتخابية حتى لبرتوكول شكر انتخابي مما يفعل المرشحون عادة بعد ظهور النتائج. ففي المرات التي ظهر فيها هناك للعلاج المجاني وهو طبيب اتهم بتحريض الانفصال الجهوي.

الرد الشعبي على الإرهاب المتسرب في بن قردان أجبر من يتهم الجنوب بشق الصف بالانحناء للعاصفة الوطنية ثم تمييعها في احتفالات باهتة ونصب سخيفة ليواصل احتقار المنطقة وتفقيرها معتمدا مقولة بورقيبية قديمة "جوّع كلبك يتبعك"، لكن تطاوين تبدو عازمة على إنهاء الأمر.

الإمكانات التنموية في الجنوب التونسي عامة وفي تطاوين خاصة

الجنوب التونسي يمكنه أن يتحول إلى منطقة زراعية متطورة باعتماد عناصر طبيعية متوفرة أولها أراض خصبة لم تزرع منذ خلقها الله إلا في مواسم المطر وهي قليلة، ولكن الجنوب عامة يعوم فوق بحيرات من المياه العذبة على أعماق مختلفة سطحية وعميقة وعميقة جدا. فيها البارد الحلو وفيها الحار المولد للطاقة. فضلا عن ذلك فإن السهول المنبسطة ممتدة على مناطق شاسعة ويسهل استصلاحها بلا كلفة وفوق هذه الأرض يعيش بشر كثير وفي سن العمل بعد، ويمكن جمع هذه العناصر إلى بعضها لخلق تنمية مستدامة خاصة إذا تم اعتماد الطرق الحديثة للزراعة غير المستهلكة للمياه بكثرة مثل الزراعات تحت البيوت المكيفة باعتماد الري الاقتصادي بحيث يتم إعمار الأرض واقتصاد الماء وهناك تجارب عبقرية نجحت فعلا مثل تجربة الفصل الخامس بمنطقة الحامة (محافظة قابس) وتجربة زراعة الورد للتصدير بمنطقة نكريف (مدنين).

توجد معضلة قانونية في تخصيص الأراضي وإقراض أصحابها للبدء في العمل وهي معضلة تهرب منها الاستعمار للإبقاء على السكان في حال النمط الرعوي السائب، وواصلها بورقيبة قصدا ثم جبن نظام بن علي دونها متذرعا بالخوف من الاحتجاج القبلي على تفكيك أراضي العروش. وكان هذا أحد مطالب الثورة التي تجبن دونها الحكومات المتتالية، من بعدها معالجة الأمر عن طريق الترضيات المؤقتة.

أما تطاوين فتزيد فوق ما ذكر ثروات باطنية كبيرة منها النفط والغاز حيث يتم استغلاها دون تشريك أهل المنطقة خاصة لجهة التشغيل. فأغلب عمال وموظفي الشركات النفطية يجلبون من مناطق أخرى بينما يمر النفط والغار بالمنطقة في قنوات مطمورة لا يراها المحليون إلا يوم ردمها تحت الأرض.

وإلى ذلك تحتوى المنطقة على مناجم كلسية صالحة لصناعة الإسمنت أو الجير الصالحين للبناء ولأغراض متعددة وبكميات قادرة على تشغيل الكثيرين. لكن الاستثمار العمومي في المنطقة لا يأتي أبدا فضلا عن الاستثمار الخارجي لأن البنى التحتية في المنطقة معدومة تقريبا ويجب البدء من صفر.

الجنوب عامة وتطاوين خاصة مناطق زراعية وصناعية وسياحية قل نظيرها ولكن الدولة والحكومات المتعاقبة عليها تتجاهلها وتنفيها وتتهمها عند الاحتجاج بالخيانة الوطنية. الأمر إذن مدبر وليس عفويا وأهل تطاوين الآن معتصمون بأزقتهم لوضع حد لهذه الحالة ومناطق الجنوب، وقراه ومداشره تراقب الوضع ويحتمل أن تتحرك مع تطاوين في أي لحظة وما يصيب تطاوين يصيبهم. لذلك فالأمر جلل.

الحل لن يكون بيد هذه الحكومة

بات واضحا للعيان أن حكومة السيد الشاهد عاجزة عن إحداث اختراق تنموي في المنطقة الجنوبية برمتها ولو في صيغة ليبرالية متوحشة. إنها تفتقد إلى الشجاعة أكثر مما تفتقد إلى الإمكانيات. ولا يمكن للمحتجين إلا أن يؤولوا عجزها بسوء النية فهي تواصل عمل من سبقها في تجاهل المنقطة وأهلها خاصة بعد الزيارة التمويهية التي أدّاها فريق حكومي غير مخوّل بأي قرار لصالح المنطقة. بل إن الحكومة تواصل سرقة ثروات المنطقة تحت جنح الظلام بواسطة شركائها الاقتصاديين المناولين عند كبرى شركات النفط والغاز الدوليين.

الاحتجاج الاجتماعي الجنوبي (البعض يطلق عليه الحراك الجنوبي ليسهل دمغه بالانفصال على غرار الحراك الجنوبي في اليمن) على حق ومطالبه بينة لمن يريد الاستجابة لها. وهو يلتحم بهدوء مع حراك منطقتي الفوار وجمنة المطالبتين بالحق في الثروات الطبيعية بالمنطقة. واحتمالات اتساعه وشموله كل المنطقة وارد جدا في قادم الأيام مهما عملت الأحزاب الحاكمة خاصة حزبي النداء والنهضة على تبريده وتجاهله إعلاميا.

تطلق الأحزاب الحاكمة فرقعات إعلامية سخيفة ليتم شحن الناس وإلهاؤهم عما يجري في الجنوب لأن الحكومة ومكوناتها الحزبية عاجزة فعلا عن الاستجابة العقلانية لما يطلب منها. فالرد عليه يكلفها خطة تنموية جديدة ضمن منوال تنموي مختلف ومجدد، وهي أعجز من أن تفعل وكلما تأخرت كلما تسرب الرمل الجنوبي من تحتها إلى رياح أخرى قد تكون ناسفة لوجودها ولمسار وصولها إلى السلطة.

تطاوين تضع تونس على حافة التغيير؛ فإما قبول بالمطالب ضمن منظور تنموي جديد أو تجديد البلد برمته. ولن ينسى الرئيس الحالي ولا زمرته أن تحرير البلد من الاستعمار المباشر قد بدأ في جبال الجنوب وصحاريه وتطاوين كانت في قلب معركة التحرير. من لم يستشعر في انتفاض الجنوب حرب تحرير جديدة فقد فاته الفهم وخرج من التاريخ والجغرافيا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، تطاوين، التوترات الإجتماعية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-04-2017  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، محمد يحي، فتحي الزغل، عمر غازي، رمضان حينوني، كريم السليتي، د. طارق عبد الحليم، صباح الموسوي ، عبد الله زيدان، عبد الرزاق قيراط ، جاسم الرصيف، سامر أبو رمان ، د - مصطفى فهمي، محمد العيادي، محمود سلطان، د- محمد رحال، أنس الشابي، علي عبد العال، عبد الله الفقير، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد ملحم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سعود السبعاني، إياد محمود حسين ، أحمد النعيمي، فتحي العابد، عمار غيلوفي، حسن الطرابلسي، ضحى عبد الرحمن، فتحـي قاره بيبـان، حميدة الطيلوش، أشرف إبراهيم حجاج، سلام الشماع، رافد العزاوي، تونسي، حسن عثمان، محمد اسعد بيوض التميمي، سلوى المغربي، مصطفي زهران، د- محمود علي عريقات، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، د - عادل رضا، نادية سعد، د - شاكر الحوكي ، الهيثم زعفان، وائل بنجدو، ماهر عدنان قنديل، صلاح المختار، أحمد بوادي، د.محمد فتحي عبد العال، د - المنجي الكعبي، مراد قميزة، محمد الياسين، المولدي الفرجاني، صفاء العراقي، الناصر الرقيق، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - الضاوي خوالدية، د. صلاح عودة الله ، صلاح الحريري، محمود طرشوبي، فوزي مسعود ، د- جابر قميحة، محمد أحمد عزوز، أحمد الحباسي، رشيد السيد أحمد، منجي باكير، د. أحمد محمد سليمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، العادل السمعلي، عراق المطيري، إيمى الأشقر، محمد الطرابلسي، رضا الدبّابي، د- هاني ابوالفتوح، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، محمد عمر غرس الله، د - صالح المازقي، صالح النعامي ، حاتم الصولي، سفيان عبد الكافي، عزيز العرباوي، ياسين أحمد، سامح لطف الله، فهمي شراب، يحيي البوليني، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بن موسى الشريف ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفى منيغ، طلال قسومي، علي الكاش، د. أحمد بشير، د - محمد بنيعيش، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، خالد الجاف ، أبو سمية، الهادي المثلوثي، كريم فارق، رافع القارصي، سيد السباعي، محمود فاروق سيد شعبان، رحاب اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، محمد شمام ، د. عبد الآله المالكي، صفاء العربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة