البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الدراما التركية بين العلمانيين والمحافظين

كاتب المقال إحسان الفقيه   
 المشاهدات: 3499



نتيجة لسيطرة العلمانية على تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية، كانت الدراما التركية متماشية مع ذلك التوجه العلماني وإحدى أبرز أدواته، ومن ثم كان المُنتج الدرامي قائما على التَّفَسُّخ والإثارة في قوالب اجتماعية من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتمد من أجل إقرار العلمانية على تشويه التاريخ العثماني، وإبراز فصوله المختلفة على أنها مراحل من التخلف والرجعية.

نبذ العلمانيون التاريخ العثماني، لأنه قام على الفكرة الإسلامية، ورفْع راية الجهاد وإعلاء الدين، وحتى في فترات ضعف الإمبراطورية العثمانية كانت خلافة إسلامية جامعة يتزعمها السلطان عبد الحميد.

أراد علمانيو تركيا قطع الصلة بين الأتراك وبين تاريخهم لكي يتسنى لهم فصل الدين عن الحياة في تركيا.

وبعد بزوغ "العدالة والتنمية" المحافظ ذي الجذور الإسلامية، اتجهت قياداته لإعادة ربط الأتراك بتراثهم العثماني، الذي لن يثير سخط القوميين من جهة، وفي نفس الوقت يضعف الهيمنة العلمانية، ويعزز الروح الإسلامية المرتبطة بالتراث.

ودخلت القيادة التركية الجديدة في معارك فكرية ومنهجية عدة مع الأتاتوركيين، كان منها معركة الحجاب، وإقرار حق المرأة في ارتدائه باعتباره مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية التي تكفلها الدولة المدنية.

ومن أبرز تلك الميادين التي شهدت صراعا بين التيار المحافظ والتيار العلماني، الدراما التركية، حيث ظهر تيار محافظ مضاد للتيار العلماني المسيطر، وأصبحت الأعمال الدرامية التي تُبرز التاريخ المشرق للدولة العثمانية تناطح المُنتج العلماني.

السلسلة المعروفة بـ"حريم السلطان"، التي كان آخرها مسلسل "السلطانة كوسيم"، كانت أنموذجا للدراما ذات التوجه العلماني التي أساءت لتاريخ الدولة العثمانية، فأظهرت السلاطين العظام أمثال سليمان القانوني في صورة قبيحة، حيث القصر الذي يعجُّ بالبطولات الغرامية والمؤامرات النسائية، وصراع الجواري، فلا هَمَّ للسلطان سوى حريم القصر، وسلّطت هذه الأعمال الفنية الأضواءَ على كل سقطة وعورة في التاريخ العثماني، دون التركيز على الفتوحات وأعمال النهضة.

ومنذ تولي العدالة والتنمية زمام الأمور في تركيا، شهدنا آثار ذلك التيار المحافظ المضاد، فخرجت الدراما التركية علينا بذلك العمل الضخم (فاتح 1453)، الذي يجسد سيرة السلطان محمد الفاتح، وإنجازاته العسكرية والتوسعية خاصة فتح القسطنطينية الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقدمت الدراما التركية المحافظة مؤخرا مسلسل "فلينتا"، الذي يتناول الدسائس والمؤامرات على الدولة العثمانية قبيل سقوط الخلافة.

أما آخر وأبرز هذه الأعمال الدرامية التي غزت البيوت العربية والتركية معا، فهو مسلسل "قيامة أرطغرل"، الذي يتناول قصة أرطغرل بن سليمان شاه، الذي وضع أسس بناء الدولة العثمانية، ليأتي ابنه عثمان من بعده ويؤسسها فعليا.

المسلسل بجزئيه كانت حلقاته محل اهتمام بالغ للمتابعين الأتراك والعرب على السواء، ولاقى نجاحا كبيرا على الصعيدين المحلي والإقليمي، ونستطيع القول إنه مسلسل هادف بامتياز، يعرض القيم العثمانية الأصيلة، ويُركّز على البعد الديني بقوة، وكثيرا ما ترددت عبارات الغزو في سبيل الله، والسير على خطى الرسول، ومرويات عن سيرة النبي وأصحابه.

وعرض المسلسل أمراضَ الأمة الإسلامية من التشرذم والخيانة والعمالة التي تنتابها من آن لآخر، وكأنها إسقاط على واقعنا المعاصر، إضافة إلى تناول قضية الوحدة الإسلامية.

سنتجاوز التكهنات حول تمويل حزب العدالة والتنمية لهذا المسلسل، لكننا لا نستطيع تجاهل الاهتمام البالغ من القيادات التركية بهذا المسلسل.

فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار بصحبة قرينته وعدد من المقربين إليه مواقع تصوير المسلسل، وتم التقاط الصور التذكارية مع أبطاله.

الشيء ذاته، فعله رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، وانتشرت مقاطع متلفزة على التواصل الاجتماعي، تعرض زيارته وهو يقوم بالطرْق على السيوف وهي المهنة التي كان يقوم بها الحداد صانع السيوف في المسلسل.

ما لفت الانتباه أيضا، أن الوفد السعودي الذي زار تركيا فترة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية الأخير في إسطنبول، قد زار كذلك مواقع تصوير المسلسل، وهذا أمر له دلالته.

فالسعودية هي الحليف الأقوى لتركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية، وقيام الوفد السعودي بزيارة مواقع تصوير هذا المسلسل دون غيره، يبعدها عن كونها زيارة عادية للوسط الفني، بل هي إبراز للتوافق وانسجام الرؤى والتوجهات السياسية بين السعودية وبين الحزب التركي الحاكم، ودعم من الحكومة السعودية لتوجهات الحزب.

هذا التيار المحافظ في الدراما التركية الذي ترعاه وتدعمه القيادة التركية يمثل زحفا ناعما لأسلمة الحياة في تركيا ببراعة وذكاء، وتقليم أظافر العلمانية ورفع يدها عن مجالات الحياة التركية بغير صِدام.

أردوغان ورجال الحزب لم يهتموا بإطلاق شعارات إعادة الهوية الإسلامية للشعب التركي، بل عملوا على استرداد تراثه المبني على الفكرة الإسلامية، ولم يدخلوا مع العلمانيين في معارك المصطلحات والعبارات والشعارات، وإنما استغلوا كل المساحات التي تكفلها الدولة المدنية بدستورها العلماني، في تغيير ثقافة الشعب التركي، وربطه بتراثه وتاريخه، وناجزوا العلمانية في عقر دارها ومؤسساتها وبطريقتها الناعمة، دون الدخول في صدام مباشر.

لقد أدركت القيادة التركية مدى تأثير الدراما في تغيير ثقافة الأتراك وتعزيز هويتهم الإسلامية العثمانية، وهو أمر جديرٌ باستنساخه في الوطن العربي، فحتى الآن لا نجد للدراما الهادفة مكانا بين هذا الطوفان الهائل من المنتجات الدرامية العلمانية التي ربت أجيالا بكاملها على الانحلال والخلاعة والخروج على النصوص الشرعية، وعن جوهر الدين الإسلامي.

-----
وقع تعديل العنوان الأصلي للمقال
محر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تركيا، المسلسلات، حريم السلطان، الدراما، الدراما التركية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-05-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رحاب اسعد بيوض التميمي، المولدي الفرجاني، أحمد الحباسي، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بنيعيش، المولدي اليوسفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - شاكر الحوكي ، تونسي، حسن الطرابلسي، د. خالد الطراولي ، مصطفى منيغ، رشيد السيد أحمد، صفاء العربي، رضا الدبّابي، د - صالح المازقي، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي الزغل، د- محمد رحال، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، سامر أبو رمان ، صباح الموسوي ، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، أبو سمية، جاسم الرصيف، محمد عمر غرس الله، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفي زهران، محمد اسعد بيوض التميمي، وائل بنجدو، محمد العيادي، بيلسان قيصر، سفيان عبد الكافي، فهمي شراب، العادل السمعلي، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، سلوى المغربي، صالح النعامي ، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، علي عبد العال، يحيي البوليني، صفاء العراقي، د- محمود علي عريقات، يزيد بن الحسين، منجي باكير، خالد الجاف ، رافع القارصي، د. أحمد محمد سليمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الطرابلسي، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، الناصر الرقيق، عواطف منصور، محمود سلطان، محمد الياسين، حميدة الطيلوش، ضحى عبد الرحمن، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الغني مزوز، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، صلاح المختار، أحمد بوادي، عزيز العرباوي، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، سعود السبعاني، عراق المطيري، محمد شمام ، أنس الشابي، د- جابر قميحة، فتحي العابد، رافد العزاوي، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مجدى داود، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد يحي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد علي العقربي، كريم السليتي، نادية سعد، محرر "بوابتي"، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، كريم فارق، عمر غازي، عبد العزيز كحيل، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، صلاح الحريري، د - عادل رضا، عبد الله زيدان، د - الضاوي خوالدية، حاتم الصولي، د - المنجي الكعبي، سيد السباعي، محمود فاروق سيد شعبان، مراد قميزة، أحمد النعيمي، سلام الشماع، عبد الله الفقير، رمضان حينوني، سامح لطف الله، علي الكاش، طارق خفاجي، د. أحمد بشير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة