البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الدراما التركية بين العلمانيين والمحافظين

كاتب المقال إحسان الفقيه   
 المشاهدات: 3181



نتيجة لسيطرة العلمانية على تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية، كانت الدراما التركية متماشية مع ذلك التوجه العلماني وإحدى أبرز أدواته، ومن ثم كان المُنتج الدرامي قائما على التَّفَسُّخ والإثارة في قوالب اجتماعية من ناحية، ومن ناحية أخرى اعتمد من أجل إقرار العلمانية على تشويه التاريخ العثماني، وإبراز فصوله المختلفة على أنها مراحل من التخلف والرجعية.

نبذ العلمانيون التاريخ العثماني، لأنه قام على الفكرة الإسلامية، ورفْع راية الجهاد وإعلاء الدين، وحتى في فترات ضعف الإمبراطورية العثمانية كانت خلافة إسلامية جامعة يتزعمها السلطان عبد الحميد.

أراد علمانيو تركيا قطع الصلة بين الأتراك وبين تاريخهم لكي يتسنى لهم فصل الدين عن الحياة في تركيا.

وبعد بزوغ "العدالة والتنمية" المحافظ ذي الجذور الإسلامية، اتجهت قياداته لإعادة ربط الأتراك بتراثهم العثماني، الذي لن يثير سخط القوميين من جهة، وفي نفس الوقت يضعف الهيمنة العلمانية، ويعزز الروح الإسلامية المرتبطة بالتراث.

ودخلت القيادة التركية الجديدة في معارك فكرية ومنهجية عدة مع الأتاتوركيين، كان منها معركة الحجاب، وإقرار حق المرأة في ارتدائه باعتباره مظهرا من مظاهر الحرية الشخصية التي تكفلها الدولة المدنية.

ومن أبرز تلك الميادين التي شهدت صراعا بين التيار المحافظ والتيار العلماني، الدراما التركية، حيث ظهر تيار محافظ مضاد للتيار العلماني المسيطر، وأصبحت الأعمال الدرامية التي تُبرز التاريخ المشرق للدولة العثمانية تناطح المُنتج العلماني.

السلسلة المعروفة بـ"حريم السلطان"، التي كان آخرها مسلسل "السلطانة كوسيم"، كانت أنموذجا للدراما ذات التوجه العلماني التي أساءت لتاريخ الدولة العثمانية، فأظهرت السلاطين العظام أمثال سليمان القانوني في صورة قبيحة، حيث القصر الذي يعجُّ بالبطولات الغرامية والمؤامرات النسائية، وصراع الجواري، فلا هَمَّ للسلطان سوى حريم القصر، وسلّطت هذه الأعمال الفنية الأضواءَ على كل سقطة وعورة في التاريخ العثماني، دون التركيز على الفتوحات وأعمال النهضة.

ومنذ تولي العدالة والتنمية زمام الأمور في تركيا، شهدنا آثار ذلك التيار المحافظ المضاد، فخرجت الدراما التركية علينا بذلك العمل الضخم (فاتح 1453)، الذي يجسد سيرة السلطان محمد الفاتح، وإنجازاته العسكرية والتوسعية خاصة فتح القسطنطينية الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقدمت الدراما التركية المحافظة مؤخرا مسلسل "فلينتا"، الذي يتناول الدسائس والمؤامرات على الدولة العثمانية قبيل سقوط الخلافة.

أما آخر وأبرز هذه الأعمال الدرامية التي غزت البيوت العربية والتركية معا، فهو مسلسل "قيامة أرطغرل"، الذي يتناول قصة أرطغرل بن سليمان شاه، الذي وضع أسس بناء الدولة العثمانية، ليأتي ابنه عثمان من بعده ويؤسسها فعليا.

المسلسل بجزئيه كانت حلقاته محل اهتمام بالغ للمتابعين الأتراك والعرب على السواء، ولاقى نجاحا كبيرا على الصعيدين المحلي والإقليمي، ونستطيع القول إنه مسلسل هادف بامتياز، يعرض القيم العثمانية الأصيلة، ويُركّز على البعد الديني بقوة، وكثيرا ما ترددت عبارات الغزو في سبيل الله، والسير على خطى الرسول، ومرويات عن سيرة النبي وأصحابه.

وعرض المسلسل أمراضَ الأمة الإسلامية من التشرذم والخيانة والعمالة التي تنتابها من آن لآخر، وكأنها إسقاط على واقعنا المعاصر، إضافة إلى تناول قضية الوحدة الإسلامية.

سنتجاوز التكهنات حول تمويل حزب العدالة والتنمية لهذا المسلسل، لكننا لا نستطيع تجاهل الاهتمام البالغ من القيادات التركية بهذا المسلسل.

فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار بصحبة قرينته وعدد من المقربين إليه مواقع تصوير المسلسل، وتم التقاط الصور التذكارية مع أبطاله.

الشيء ذاته، فعله رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، وانتشرت مقاطع متلفزة على التواصل الاجتماعي، تعرض زيارته وهو يقوم بالطرْق على السيوف وهي المهنة التي كان يقوم بها الحداد صانع السيوف في المسلسل.

ما لفت الانتباه أيضا، أن الوفد السعودي الذي زار تركيا فترة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية الأخير في إسطنبول، قد زار كذلك مواقع تصوير المسلسل، وهذا أمر له دلالته.

فالسعودية هي الحليف الأقوى لتركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية، وقيام الوفد السعودي بزيارة مواقع تصوير هذا المسلسل دون غيره، يبعدها عن كونها زيارة عادية للوسط الفني، بل هي إبراز للتوافق وانسجام الرؤى والتوجهات السياسية بين السعودية وبين الحزب التركي الحاكم، ودعم من الحكومة السعودية لتوجهات الحزب.

هذا التيار المحافظ في الدراما التركية الذي ترعاه وتدعمه القيادة التركية يمثل زحفا ناعما لأسلمة الحياة في تركيا ببراعة وذكاء، وتقليم أظافر العلمانية ورفع يدها عن مجالات الحياة التركية بغير صِدام.

أردوغان ورجال الحزب لم يهتموا بإطلاق شعارات إعادة الهوية الإسلامية للشعب التركي، بل عملوا على استرداد تراثه المبني على الفكرة الإسلامية، ولم يدخلوا مع العلمانيين في معارك المصطلحات والعبارات والشعارات، وإنما استغلوا كل المساحات التي تكفلها الدولة المدنية بدستورها العلماني، في تغيير ثقافة الشعب التركي، وربطه بتراثه وتاريخه، وناجزوا العلمانية في عقر دارها ومؤسساتها وبطريقتها الناعمة، دون الدخول في صدام مباشر.

لقد أدركت القيادة التركية مدى تأثير الدراما في تغيير ثقافة الأتراك وتعزيز هويتهم الإسلامية العثمانية، وهو أمر جديرٌ باستنساخه في الوطن العربي، فحتى الآن لا نجد للدراما الهادفة مكانا بين هذا الطوفان الهائل من المنتجات الدرامية العلمانية التي ربت أجيالا بكاملها على الانحلال والخلاعة والخروج على النصوص الشرعية، وعن جوهر الدين الإسلامي.

-----
وقع تعديل العنوان الأصلي للمقال
محر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تركيا، المسلسلات، حريم السلطان، الدراما، الدراما التركية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-05-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد الحباسي، حاتم الصولي، رافع القارصي، د. عبد الآله المالكي، نادية سعد، د. مصطفى يوسف اللداوي، إسراء أبو رمان، عبد الله زيدان، فوزي مسعود ، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، يحيي البوليني، علي الكاش، أحمد النعيمي، مراد قميزة، يزيد بن الحسين، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د. مصطفى رجب، صباح الموسوي ، د- هاني ابوالفتوح، محمد يحي، أبو سمية، ياسين أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، د - محمد بنيعيش، د. طارق عبد الحليم، صالح النعامي ، كريم فارق، رضا الدبّابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، د - شاكر الحوكي ، محمد العيادي، مصطفي زهران، د - عادل رضا، أحمد بوادي، سعود السبعاني، ضحى عبد الرحمن، إيمى الأشقر، عراق المطيري، د - مصطفى فهمي، محرر "بوابتي"، صلاح الحريري، محمود سلطان، محمود طرشوبي، سامح لطف الله، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، د- محمود علي عريقات، فتحـي قاره بيبـان، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، رمضان حينوني، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، سفيان عبد الكافي، عبد الرزاق قيراط ، أنس الشابي، طلال قسومي، عبد الغني مزوز، رافد العزاوي، محمد شمام ، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، د- محمد رحال، جاسم الرصيف، صفاء العربي، سلوى المغربي، د. خالد الطراولي ، عمار غيلوفي، منجي باكير، محمد الياسين، علي عبد العال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مجدى داود، فتحي العابد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، الهادي المثلوثي، د - المنجي الكعبي، عزيز العرباوي، تونسي، د- جابر قميحة، سيد السباعي، الهيثم زعفان، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بن موسى الشريف ، خالد الجاف ، سلام الشماع، د. صلاح عودة الله ، د - الضاوي خوالدية، وائل بنجدو، حميدة الطيلوش، كريم السليتي، عبد الله الفقير، سامر أبو رمان ، عمر غازي، ماهر عدنان قنديل، العادل السمعلي، حسن عثمان، خبَّاب بن مروان الحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إياد محمود حسين ، صلاح المختار، أشرف إبراهيم حجاج، محمد عمر غرس الله، المولدي الفرجاني، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد بشير،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة