شــاع في عصرنا اصطلاح "العقلانيين" وصفاً لأصحاب المناهج المنحرفة عن المنهج الصحيح لـفهم الدين وتفسير نصوصه واستخلاص النتائج منها. وهذا مصطلح غير سديد.
أولاً: لأن فـيـــه اعـتـرافـــــــاً ضمنياً بأن العقل يمكن أن يكون مخالفاً للشرع؛ هذا مع أن المستعملين لهذا الاصطلاح يؤمـنــــون بمـوافـقـة صريح المعقول لصحيح المنقول. فلماذا إذن نستعمل اصطلاحاً يتضمن تقريراً لأمر ننكره؟
ثانياً: لأننا لا نجد في كتاب الله ولا فـي سنة رسوله صلـى الله عليـه وسلم أن إنساناً ضل بسبب عقله، وإنما نجد أن الضالين هم الـذيــن لا يعقـلـون ولا يتدبـرون ولا يتفكرون ولا ينظرون، وأن المهتدين هم أصحاب العقول وأولو الألباب: أولئك الـذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب [الزمر: 18].
ثالثاً: لأن هنالك فرقاً بين العقل والهوى؛ فالإنسان يضل بـهــــــواه لا بعقله، ولذلك كان السلف يسمون المعتزلة وأمثالهم أهل الأهواء لا العقلانيين كما يسميهم الآن بعض المعاصرين تقليداً لبعض المستشرقين.
رابعاً: ولأن هـنــالك فرقاً بين الرأي والعقل، فما كل رأي هو على مقتضى العقل حتى لو كان صاحبه مجرداً عن الهوى، وإنما الرأي رأيان: رأي صائب فهو موافق للعقل ضرورة، ورأي غالط فلا يمكن أن يكون من مستلزمات العقل.
خامساً: لأن وصف أمثال هؤلاء بالعقلانيين فيه فتنة لهم؛ فقد يزيد أحدهم غروراً فيذهب يقول متباهياً: أجل نحن العقلانيون، نحن المفكرون، وما أنتم إلا حشوية جامدون مرددون لما لا تفقهون.
سادساً: لأن أئـمــــة أهل السنة من أمثال أبي سعيد الدارمي وابن تيمية لم يكتفوا بالكلام المجمل في أن المذهب الحق هو الموافق للعقل؛ بل بينوا ذلك بياناً مفصلاً شافياً، كما ساقوا البراهين العقلية الدالة على مخالفة أهل الأهواء لمقتضيات العقل، ودللوا على أن ما ادعوا بأنه عقليات إنما هو جهليات، ما أنزل الله بها من سلطان عقلي ولا شرعي.
سابعاً: لأن كل أمر من أمور الدين يمكن أن يُستدل عليه بدليل عقلي!
أكرر: (كل أمر) سواء كان في الاعتقاد أو في العبادات أو في المعاملات، وسواء كان في أصول الدين أو في الفروع الفـقـهـية. وعليه فإن العقلانيين حقاً هم أصحاب المنهج الحق، مذهب أهل السنة والجماعة.
إن الاقتناع بالدليل العقلي يعـتـمـد على أمرين: أولهما: أن يكون المخاطَب عاقلاً، فإذا لم يكن كذلك فلا سبيل إلى مجادلته أو إقناعه، وثانيهما: أن تكون مقدماته صحيحة مؤدية إلى النتيجة المبتغاة. لكن الـمـقــدمـات منها ما هو بيِّن بنفسه يدرك العاقل صحته ببداهة عقله، ومنها ما يعتمد هو نفسه على دليل آخر. وهذا هو الذي يحدد طول دليلك أو قصره مع من تخاطب. قد يسلِّم من تخاطـب بــأول مقدمة من دليلك فيكون الدليل قصيراً، وقد يحتاج إلى أن تدلل له على صحة بعض مـقـدمـاتـــك، إذا كان لا يسلِّم بها فيكون الدليل طويلاً. فمن الأدلة القرآنية القصيرة جداً دليل على وجــــــود الخالق يقوم على مقدمتين بدهيتين لدى كل عاقل، ولا يماري فيهما إلا مكابر. وهما: أنـــه لا شيء يأتي من العدم المحض، ولا شيء يخلق نفسه: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ]الطور: 35[؛ لكن هب إنساناً زعم أن البعث أمر مستحيل كما كان بعض منكريه من العرب يدعون. ستقول له ما قرر القرآن: إن الذي خلقه أول مرة قادر على إعادته؛ لكن هذا الدليل يعتمد على تسليمه بأن الله - تعالى - هو الذي خلقه. فإذا أنكر ذلك احتجت لأن تبرهن له على وجود الخالق. قد تقول: هذه أمثلة بدهية واضحة؛ لكن ما كل مسائل الدين كذلك؛ بل منها ما نسلم به مجرد تسليم!
وأقول: لكن التسليم نفسه هو مقتضى العقل؛ فكيف يكون ذلك؟
وعلى أي شيء تبني تسليمك بأن المغرب ثلاث ركعات مثلاً؟ إنك تبنيه على أن هذا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم . لكنك لو شئت لمددت حجتك فقلت: والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ فكل ما أمر به فهو من أمر الله، والله - تعالى - لا يقرر إلا حقاً، ولا يأمر إلا بخير: وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ]الأنعام: 115[. إن كل عاقل يسمع ما تقول يدرك أن مقدماتك التي ذكرت تؤدي إلى وجوب التسليم بأن المغرب ثلاث ركعات. أقول: إذا كان عاقلاً منصفاً فسيرى هذا حتى لو لم يكن يؤمن بما تؤمن به من مقدمات. وأما إذا أراد أن يسلِّم بما سلمت به فسيسألك الدليلَ على صحة بعض مقدماتك. كأن يقول لك: ما الدليل على أن الرسول قال ما نسبتَ إليه؟ أو: ما الدليل على أن محمداً رسول الله؟ وهكذا. وكل هذه أسئلة عليها أدلة عقلية: إن علمتها ذكرتها لصاحبك، وإن لم تعلمها أحلته على من هو خبير بها.
قد تقول: لكن هب أن صاحبي قال: إنه لا يريد دليلاً يقوم على مثل هذه المقدمات الدينية؛ بل يريد دليلاً مباشراً!
فأقول: إن صاحبك لا يكون إذن عاقلاً. إن النتائج إنما تبنى على المقدمات التي تناسبها، والتي من شأنها أن تؤدي إليها، فإذا كان مسلِّماً بها سلَّم بالنتيجة، وإذا لم يكن مسلِّماً بها كان من حقه أن يطلب الدليل على صحتها. ليس له إلا هذا.
قل لصاحبك هذا: ما الدليل على أن 4 × 5 =20؟ فإذا بدأ يقول لك إن 4 × 5 معناها 4 + 4 + 4 + 4 + 4 فقل له: أنا لا أريد دليلاً مبنياً على الجمع، بل دليلاً مباشراً. سيقول لك: فكرة الضرب مبنية على فكرة الجمع، وإذا كنت لا تعرف الأخيرة ولا تسلم بها فلا يمكن أن أعطيك دليلاً على الأولى. وكذلك الأمر بالنسبة لعدد ركعات المغرب؛ فإن الدليل عليها مبني على التسليم بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى الإيمان بالله.
ذلك هو موقفنا من العقل. فما موقف أصحاب الأهواء؟
لقد أجاب أئمة أهل السنة عن هذا السؤال بكثير من التفصيل فيما يتعلق بأصحاب الأهواء في عصرهم، وبقي علينا نحن أن نفعل الشيء نفسه بالنسبة لمن في عصرنا، ولا نكتفي بوصفهم بالعقلانيين للأسباب التي ذكرتها. وقد أبلى بعض مفكرينا المعاصرين في هذا بلاء حسناً، وكنتُ قد رددتُ في مقال سابق في هذه الزاوية على مفهوم بعضهم الغالط لقاعدة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وربما تعرضتُ في مقالات لاحقة إلى بعض دعاواهم ومبادئهم الأخرى ـ إن شاء الله تعالى ـ وإذا كان لبعض إخواننا القراء من اقتراحات في هذا المجال فأرجو أن لا يبخلوا علينا بها، ولهم منا الشكر، ومن الله الأجر ـ إن شاء الله .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
26-12-2007 / 16:25:58 فوزي
يمكن اجمال العلاقة بين العقل والراي، بالقول:
العلاقة بين العقل والراي يحكمها وجود عامل مجال عمل العقل او التاثير فيه، من عدمه (الواقع ببعض المعاني)
اذا كان العقل يعمل مجردا عن تاثير المجالات ومستغن عن وجودها، كالرياضيات صح قبول نتائج عمله على انها حيادية، وهي ليست رأيا، لانها نتائج مستغنية عن الاضافة للواقع في شرط صحتها
اذا كان العقل يعمل بتواصل مع الواقع، ساعتها لا يمكن القول بحيادية نتائجه، لان عمله لن يكون عقليا بحتا، بل هو خليط بين منهج تجريدي عقلي ومعطيات واقعية، والمشكلة تتاتى من تلك المعطيات التي يمكن ان تاثر في حيادية نتائجه
التاثير يتاتى من خلال اختيار الموضوع الذي ينشط فيه العقل، حيث هو موضوع انتقائي بطبعه مادام الامر يتعلق بموضوع بعينه من ضمن مواضيع اخرى مستثناة، ومن خلال استغلال نتائج عمله، حيث هو استغلال انتقائي بطبعه ايضا مادام الامر يتعلق بتطبيقات في ميدان معين دون غيره من باقي الميادين المستثناة
الى حد هنا نتحدث عن العلوم التجريدية النظرية والعلوم التطبيقية، اذ الاولى يمكن وصفها بالمحايدة اما الثانية فلا يمكن وصفها كذلك
اما النظريات التي تتناول باقي المسائل وهي ما يمكن تسميته تجاوزا العلوم الانسانية، فهي لن تكون محايدة ابدا، وانما تعكس خلفية فكرية على اية حال، بقطع النظر عن اعتراف منتجها بذلك ام لا
الخلفية الفكرية تتشكل اساسا من الواقع او اساسا من عقيدة سماوية، اما الحالة الاولى فهي تتعلق بمجمل نظريات الضلال على مختلف مسمياتها انطلاقا من عبدة الاصنام قديما ووصولا للعلمانيين حديثا وهي توجهات ترتكز على اتباع هوى النفس، اما الحالة الثانية فهي الخلفية الفكرية المنبثقة من ايمان بعقيدة سماوية
وبما ان العقائد السماوية ليست في اخر المطاف الا دعوة للاسلام مادام ان الدين عند الله هو الاسلام، وان ما نزل قبله من شرائع الانبياء مرورا بشريعة موسى وعيسى، كانت مراحل تاريخية ومحددة جغرافيا بمواطن تواجد الاقوام موضوع التنزيل، ثم ان اهل تلك الاديان بدلوا دينهم وحرفوه، كان معنى ذلك ان الاسلام هو العقيدة السماوية الصحيحة الباقية والجديرة باتخاذها حاليا منهاجا في الحياة، وان ماعداها ضلال
26-12-2007 / 14:03:02 ع
العلمانية فكر شيطاني بالأساس!
العقلانية كمفردة هي مشتقة أساسا من كلمة عقل أي ربط و العقلانية هي بمعنى آخر ربط منهج فكري و طريقة استدلال بحجج و تبريرات. و العقلانية في الإسلام أي طريقة الإستدلال الفكري هي مرتبطة في جوهرها بالقرآن و السنة. و القول بعقلانية الإسلام لا يدحض وجود عقلانيات أخرى و هي بطبعها مختلفة عنه في طريقة الإستدلال الفكري فالرياضيات كمثال بها استدلال مجرد و لكن هذا التجريد بذاته لا يكون إلا وفق ميدان أو مجال محدد سابقا! و الحديث عن العقلانية لدى العلمانيين كمفهوم مجرد يجب تطبيقه على الواقع إنما هو نوع من السفسطة لا غير. فالإسلام به تسليم بأن جوهر الأحكام مأخوذ عن القرآن الذي هو كلام الله و به أحكامه في خلقه. فلا وجود خارج ما أوجده الله. و بما أن الله عليم بكل الأشياءو بخبايا الأمور فوجب التسليم بحكمه و بألوهيته و ربوبيته.لذلك فإن محاولة بعض الناس البحث عن استصدار عقلانية للواقع و فكر و نظام خارج النظام الإلاهي إنما ينظر إليه كهرطقة و ابتداع. فالخير هو ما بينه الله خيرا و الشر ما بيًنه شرا إذ أنه هو من قدر كل شيء بمقدار و وزنه بعدل و هو العليم بخبايا الأمور .فلو سقطنا في متاهات هؤلاء العلمانيين و اتخذنا ديننا على هوانا لتمكن كل مجرم من عقلنة اجرامه ولجرَمنا البريء !و أكبر مثال عن الخروج عن العقل بمنهج عقلاني هم السفسطائيون في التاريخ الإغريقي فقد كانوا يقولون:ّ الخير هو ما بدا لي خيرا و الشر هو ما بدا لي شرا...ّو ليس بعد هذا من بلاء يصيب الفكر الإنساني إلا الفكر العلماني اليوم الذي لم نتبين له ليومنا هذا عقلا و لا أرضية تميز الحق من الباطل. سأذكر حادثة صارت معي و كانت بمثال رجة أعادتني إلى البحث في ديني و في محاولة البحث عن معنى العقلانية الحق: فقد كانت لدي زميلات روسيات يدرسن معي و كان من بينهن فتاتان على علاقة ّ مثليةّ و في يوم أقررن بذلك أمامي و دفعني الفضول لأسألهن عن دوافعهن للسقوط في أشياء كهذه و عن وجهة نظرهن إذ أن ذلك كان بالأمر القبيح عندي بشكل عافته نفسي و مع ذلك أردت أن أعرف عن طريقهن مفهوم الحياة لديهن. و كانت إجاباتهن صاعقة إذ ذكرن بأن مفهوم الزواج هو الإنجذاب و التفاهم القائم من طرفين يرى كلاهما أنه يستطيع التعايش مع الآخر وأن يتقاسم أمور حياته معه و أن أهم مافيه هو السعادة التي يحققانها لبعضهما البعض.و قالت أحدهما إن وجدنا في كلينا ما نريد و لم نجد من الجنس الآخر ممن نستطيع التفاهم معه و ممن يحقق لنا الحياة السعيدة و عوضا عن ذلك وجدنا بعضنا البعض و قالت الأخرى في دفاع عن نفسها :لماذا تحرم الجنسية المثلية؟.. أليست خيارًا في الممارسة الجنسية؟ وما ذنب هؤلاء الذين لا يجدون رغبة في جنس معين؟ ولماذا يجبرون على علاقة جنسية مع جنس يشعرون تجاهه بالبرود، وأحيانًا بالقرف والاشمئزاز؟..كان كلامهما في منتهى العقلانية بالمنطق العلماني و لكنه في واقعه هرطقة و بدعة خطيرة تستجيب لهواء النفس لتبرر سقوطها في ما لا يحمد عقباه...و هو تزيين من الشيطان لأسوء الأمور. فالتحريم لا يقوم على المنطق البشري، وإنما يقوم على حكمة وإرادة إلهية، وهذا كان هو الدرس الكوني الأول حين أباح الله لآدم عليه السلام التنعم بكل شيء في الجنة، إلا شجرة واحدة حرّمها عليه، وقد نسي آدم عليه السلام عهده مع الله، وبدافع الفضول والرغبة في التملك والخلود وبوسوسة من الشيطان ذهب وأكل من الشجرة المحرمة، وربما قال له عقله: وما الفرق بين هذه الشجرة وسائر الأشجار؟... ولماذا تحرم عليّ هذه الشجرة؟...هكذا هو الفكر العلماني أو ما يريد العلملنيون تسميته بعقلانيتهم فكر شيطاني يبحث عن إزاحة حكم الإسلام الذي هو حكم الله و يحبك لسفسفته و لوصمه ! و تتكرر قصة آدم عليه السلام مرات عدة في القرآن و كأن الله يريد تذكيرنا في كل مرة كيف أكل آدم من الشجرة فبدت له سوءته، وخرج من الجنة، وعلَّمه الله كلمات ليتوب بها من ذنبه حتى لا تلتصق به الخطيئة وتيئسه من العودة إلى طريق الهداية.. هذا الدرس الكوني الأول يعطي معنى للحلال والحرام يتجاوز المنطق البشري، فالخالق هو الذي يحرم ويحلل لحكمة يعلمها والمخلوقون يقولون: سمعنا وأطعنا.
ولكن هناك بعض المخلوقين يقولون سمعنا وعصينا، والجزاء يترتب في النهاية على هذه القدرة على التعامل مع القوانين الإلهية.
26-12-2007 / 09:04:21 فوزي
يذكرني هذا المقال، بما يزعمه جماعة من العلمانيين العرب ومنهم بعض من التونسيين الذين كادوا يفتنون الناس عن دينهم، من انهم العقلانيون، وعليه فهم يديرون موقعا على الانترنت يطلقون عليه موقع العقلانيين العرب، يفعلون ذلك تنزيها لأنفسهم عن اهواء النفس، واتهاما غير مباشر لمخالفيهم بانهم غيرو عقلانيين
26-12-2007 / 16:25:58 فوزي