د.محمد حاج بكري - تركيا / سورية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3652
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ استلام الأسد للسلطة افتقد الاقتصاد السوري الى أي هوية او رؤية فقد تغيرت المفاهيم الاقتصادية كثيرا ودخلت عوامل جديدة في صميم البناء الاقتصادي لم تكن محسوبة بقدر كاف من قبل واصبح اقتصاد البعد الواحد هشا يهدد استقرار الدول و خططها المستقبلية من هنا نرى ان الاقتصادات التي تتمتع بالنشاط و الحيوية و لها القدرة على التجدد هي اقتصادات بأذرع متعددة و ركائز متنوعة و ليست اقتصادات عرجاء تستند على ركيزة منفردة و للأسف فان الاقتصاد السوري في مجمله هو اقتصاد البعد الواحد في اعتماده شبه الكلي على الريع و هكذا صار اقتصادا مهددا و متذبذبا .
ويدخل الاقتصاد بقوة في التخطيط لمجتمع مستدام متجدد له القدرة على إيجاد وسائل متجددة تناسب كل ظرف سواء كان ظرفا داخليا او خارجيا فالاقتصاد له جذور متشعبة تمتد خارج الاطار المكاني للدول فلا و جود لاقتصاد قائم بذاته دون الاعتماد على التعاون مع الدول الأخرى و تختلف طبيعة التعاون و مستوى التعاون باختلاف سياسات الدول و اهمية الميزان التجاري مع دولة أخرى بحسب اجندات معينة .
و لتنويع مصادر الاقتصاد مستقبلا تحتاج سوريا الى التخطيط المتكامل الذي يربط مقومات الاستدامة مع بعضها في شبكة متداخلة لا يمكن اغفال أية جزئية منها فالاستدامة هي خطة متجددة تحتاج في مصادر ديمومتها الى و جود اقتصاد حيوي مرن و مجتمع نشط متجدد ومنفتح على الأفكار ثم وجود بيئة صحية فيها استدامة الموارد و التصرف الرشيد المتوفر من الطاقة و البحث عن المصادر المتجددة للطاقة دون الاضرار بحقوق الأجيال المقبلة في الوقت عينه دون اغفال حاجات الجيل الحالي وهذا يتطلب موازنة دقيقة والتخطيط السليم ودراسة شاملة للمتوفر واحتمالات التوسع في المستقبل فالنفط مثالا ليس واردا مستداما (طاقة غير متجددة ) والاقتصاد السوري يحتاج الى مرونة في الاعتماد على مصادر متعددة لبناء اقتصاد قوي ونتفق جميعا ان هناك تحديات كثيرة تواجه الاقتصاد السوري ومعظم هذه التحديات كانت نتيجة لضعف الأداء الاقتصادي للاسد فالفساد الذي أصاب خطط سوريا التنموية بالشلل كان في الأساس حربا اقتصادية على الشعب مع غلاف أيديولوجي او عقائدي غير ان لب أي عمل في أي مكان من العالم هو الحالة الاقتصادية والاقتصاد القوي هو الضمان الأكيد لمجتمع مستقر امن .
و لكي نأخذ دورنا في منظومة الاقتصاد العالمي مع تحقيق واقع اقتصادي يوفر للفرد السوري مستوى معيشي لائق فانه علينا ان ندرس متغيرات الاقتصاد العالمي وان نحاول إيجاد متغيراتنا الخاصة التي نتحكم فيها لكي نمتلك ركائز اقتصادنا ومن هنا فان قوة الاقتصاد تستند الى التوغل في قطاعات مختلفة وفي دول و مناشئ متعددة لكي لا يكون اقتصادا معرضا لموقف ما من جهة واحدة وبهذا تتحقق المرونة في الاقتصاد بتنوع المصالح التجارية ومن هذه المصادر انشاء صناديق استثمارية سيادية مرتبطة مباشرة بالبنك المركزي السوري يديرها فريق اقتصادي متخصص ومستقل يعرف نقاط القوة في السوق العالمية ومؤشرات صعود ونزول الأسواق العالمية و يمكن الاستفادة هنا من تجارب مماثلة في دول إقليمية تحيط بنا .
هذا الامر ناتج من رؤية عميقة و وجود تخطيط سليم ودراسة شاملة لسوق الطاقة و صرفياتها و الطلب عليها و المتوفر من الطاقة غير المتجددة و مخاطر نضوبها و بمثل هذه الرؤية تكون هناك صناديق سيادية في الاستثمار خارج اطار حدودها الوطني وذلك لضمان شراكة عالمية وتشابك مصالح لانتاج مجتمع مستقر و امن لان المصالح المشتركة تكون أرضية قوية لتجنب المقاطعات التجارية والتهديدات السياسية التي تؤدي الى حروب اقتصادية قد تتطور الى حروب عسكرية و هذا يشير بوضوح الى وجود قطاع استثماري نشط لم يكن موجود سابقا وهو الاستثمار بالطاقة المتجددة ومثل هذا الاستثمار يؤدي الى ارتفاع سوية الجامعات و مراكز التعليم لتشجيع بحوث الطاقة المتجددة و البحث عن مصادرها و استثمارها تجاريا .
وهناك صناعات جديدة دخلت في مجال الاستثمار لم تكن واردة من قبل في الخطط الاقتصادية ولكن ارتفاع مستوى التنافس التجاري بين الشركات خلق نوعا جديدا من الصناعة وهو صناعة المعارض وهي رائجة ومربحة جدا وتعتمد على تطوير البنى التحتية ونحن نعلم ان الوضع الأمني في سوريا قد يجعل مثل هذه الصناعة فكرة غير واردة في البداية ولكن أرى ان الإشارة الى وجودها وفكرة الاستثمار بها واردة تحت أي ظرف لان علة كل شئ هي الاقتصاد فحتى فقدان الامن هو نتاج لصراعات لا يغيب عنها الاقتصاد و التنافس الاقتصادي بين الدول لضرب مصالح بعضها بخلق أفكار عقائدية بعوائد اقتصادية والتفكير في مثل هذه الصناعة تنتج أفكارا خلاقة لتحسين الواقع الأمني وذلك بتحسين البنى التحتية فبوجود شبكة اتصالات متقدمة تكون بالنتيجة الحالة الأمنية اكثر استقرارا لوجود عوامل متابعة استخباراتيا وبشكل دقيق وبالتالي خلق مجتمع امن مستقر يشجع الاستثمار في صناعة المعارض وهذه الصناعة المربحة تستلزم و جود فنادق و قطاع سياحي متميز وبالتالي ينتج وبصورة حتمية تطوير للبنى التحتية وشبكة الاتصالات والطرق و المطارات ... الخ .
نرى من خلال هذين المثالين الطاقة المتجددة وصناعة المعارض دخول متغيرات جديدة في الاقتصاد و التوجه نحو الاقتصاد المستدام الذي له قدرة التجدد والديمومة وهذا ما نريده في سوريا للنهوض باقتصادها المتهالك لتحريره وتطويره والاقتصاد المستدام يحتاج الى وجود قوانين وتشريعات تدعم القطاع الخاص لحيوية هذا القطاع و وجود تنافس بين شركاته مثل ذلك التنافس يغيب عن الجانب الحكومي والشركات الحكومية لذلك على المشرع السوري ان يجتهد في تطوير القطاع الخاص بتشريعات تضمن تطوير هذ ا الجانب وتشجع العمل به مثل نظام الضمان الاجتماعي وتشجيع رؤوس الأموال وأصحاب الشركات الخاصة من خلال حزمة تشريعات تطلق القروض البنكية والتسهيلات المصرفية وتخلق جوا من الأمان للاستثمار وعلى القطاع الخاص ان يكون مشاركا فعليا في الاقتصاد الوطني وان تكون هناك حالة من التجاذب بين القطاع الحكومي والقطاع لخاص لانتاج نوع من التنافس بينهما وبالتالي تطوير الاقتصاد .
علينا ان نبدأ بالتفكير في الاقتصاد المستدام و البحث عن مصادر الطاقة المتجددة وان نملك الجرأة في خلق مصادر رائدة للاقتصاد قد تكون غائبة عنا رغم قربها وان نشجع المبادرات والأفكار الرائدة في تنويع مصادر الاقتصاد وان يعمل الجميع ضمن مصلحة موحدة سواء القطاع الحكومي ام الخاص فالاقتصاد القوي المرن يخدم الجميع والاقتصاد الهش يهدد الجميع وفي هذا الجانب من الممكن ان تقوم الحكومة المؤقتة بتبني برامج لايجاد مثل هذه الأفكار وانشاء مركز حكومي للدراسات تحت مسمى المركز الوطني للاقتصاد المستدام يكون ضمن مسؤولياته البحث والكشف عن الأفكار الخلاقة واعداد الخطط المستقبلية اللازمة لنهضة سوريا في كافة المجالات وتشجيع بحوث الدارسين الاقتصاديين في الأفكار التي تؤدي الى تنويع الاقتصاد و جعله اقتصادا متجددا باستمرار .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: