د.محمد حاج بكري - سوريا / تركيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3515
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم ينكسر الشعب السوري تحت ضغط الإجرام الأكثر دموية و فتكا بالبشر على مدار أربع سنوات، احتمل السوريون سقوط مئات الآلاف من الشهداء و تدمير ملايين المباني و المساجد و المدارس فوق رؤوسهم و الحياة بلا مياه و لا كهرباء، و واجهوا أشد آلات الإعلام تذييفا و خداعا دون أن يتخلوا للحظة واحدة عن المقاومة أو يفقدوا ثقتهم بها و بذلك حققوا الإنتصار تلو الآخر فالمقاومة ليست هي من ينتصر بالدرجة الأولى بل أهل سوريا بصمودهم و دعمهم للمقاومة التي هي الجيش الحقيقي الممثل للشعب و الذي لا يتواجد و لا ينشط إلا بدعم هذا الشعب .
لقد دفعت كل المدن السورية من حمص إلى حلب إلى دمشق و الرقة و دير الزور و اللاذقية و إدلب و غيرهم على امتداد مساحة الوطن ثمن إجرام هذا المعتوه و شبيحته تدميرا و قتلا و مذابح و اغتصاب و تهجير و قصف بالكيماوي دون أن تهتز ثقتهم بالمقاومة التي حاربت من أجل تحرير سوريا و لم نسمع حتى و لو عن قرية صغيرة تبرمت أو تهربت من دفع التضحيات عبر تاريخ الثورة , بالعكس الجميع صمدوا و قدموا الشهداء و سجلوا في التاريخ أنهم تمكنوا من تحقيق ما تعجز عنه الحكومات و الجيوش الرسمية , فالشعوب تعيد رسم طريق الإنتصار و هيكل قيادتها و بناءها و تعيد صياغة فكر جديد لمستقبل زاهر .
هذه رسالة الشعوب إلى الحكام و المثقفين و إلى الخصوم و الأعداء , الآن يعاد رسم و صناعة تاريخ سوريا بفهم جديد مختلف و يعاد رسم طريق القيادة و مواجهة الخصوم و الأعداء بشكل مختلف عن ذلك الذي ساد لعقود طويلة .
تسجل الشعوب تضحيتها في صفحتها هذه المرة عبر ممثلين جدد لها مختلفين في الفكر و الإخلاص عن هؤلاء الذين حضرو أو أحضروا لإستلام السلطات و تشكيل الدول و الحكومات بعد الإستقلال السابق و لذلك تحتدم المعركة بأعنف مما جرى من قبل إذ أن كل الخصوم و الأعداء يعرفون أن ما يجري هو حالة مختلفة كليا عن معارك الإستقلال القديمة و هذا هو سبب شراسة الإجرام ضد الشعوب و الصمت على جرائم يندى لها الجبين الإنساني .
كانت معارك السنوات الأخيرة في الحقبة الماضية معظمها مفتعل و مخطط لدعم الحكومات الدكتاتورية لتتابع الطريق الذي رسم لها عندما تشكلت بعدما خرجت من إطار الحرب الباردة بفعل المساحة التي أتاحتها التناقضات الدولية الرئيسية لذلك فالأهم في ملاحمنا الحالية أنها لا تجري تحت قيادة هذا الصنف من الحكومات و الحكام ولا ضمن منظومة الوضع الدولي المهيمن المستعمر بل هي ملاحم تصنع البديل للحكومات و القادة و النظم فالشعوب تثبت قدرتها و تتولى القيادة عبر ممثلين حقيقيين لها و ترسم ملامح و عناوين جديدة للإستقلال و مستقبل الوطن .
هي لحظة واحدة تلك التي صنعت مستقبلا متغيرا للمجتمع السوري و دفعته للدخول في مفاهيم الحرية و الكرامة إنها لحظة إنهيار مؤسسة الإستبداد التي صنعت من الفولاذ و لم تراود الشعب السوري فكرة إنهيارها حتى في الأحلام لحظة انفتحت فيها العقول على بعضها و تبدلت فيا القوانين الجغرافية و الثقافية و الإقتصادية و السياسية و هي اللحظة الوحيدة التي ربما عرف بها السوريون معنى أن يفرح الإنسان بشيء بعد أن فارق معنى الفرح و لذلك فإنه أصبح يخلدها في ذاكرته و يصنع منا لافتات في مخيلته التي أنهكها الحزن من القهر الذي ألحقته تلك المؤسسة القهرية به .
إن هذه اللحظة تعني الدخول إلى المستقبل و إلى عالم مكتظ بالتقانات الحديثة و المفاهيم الجديدة لكل الأشياء عالم الإحساس بكيفية صناعة الإنسان بقدره و في اختياره للأنظمة التي تحكمه و في حريته للتعبير عن ما لا يرضيه ضمن أداء الأنظمة السياسية و الإجتماعية و هذا بحد ذاته يعد حافزا على تشييد سور الحفاظ على هذه اللحظة التاريخية مهما آلت أو ستؤول إليه الحياة فأصل الفرحة بتلك اللحظة يظل مشروعا و قواعد التغيير التي سادت بعدها قائمة و لا يوجد ما يبرر محاولات التحبيط و إشاعة التشاؤم .
لذلك فإن القواعد التي ترسخت في سياقنا الإجتماعي الثوري تدفعنا لتخليد ذكرى انهيار الصنم و جمهورية خوفه العتيدة و عدم الإلتفات إليها و لو برفة جفن .
إن الجميع مطالب بالعمل كل من موقعه لتقديم الدعم و تعزيز روح النصر فالخطباء و رجال الدين مطالبون بالدعوة لوحدة الصف و رفع المعنويات و حث المقاتلين وكذلك وسائل الإعلام الثورية بالسعي الدائم لنقل الأحداث و المعارك و الصور الإيجابية بصورة سريعة و مباشرة من أرض المعركة .
اليوم نحن بحاجة إلى ترسيخ مفاهيم الولاء للوطن و هذه مهمتنا جميعا و سوريا حاضرة في داخلنا بقوة فإذا ما حذفنا الأجندات الخارجية من المشهد السياسي لرأينا أن السوريين في خندق واحد
إن وحدة سوريا لا خطر عليها طالما أن وعي الشعب وإدراكه للمخاطر قد أسقط الرهانات قبل أن تولد و هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه و قد آن الأوان لتأسيس سلطة الشعب من خلال التداول السلمي للحكم في ظل دولة الدستور و المؤسسات .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: