د.محمد حاج بكري - سوريا / تركيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3612
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بكل المعايير تعتبر الثورة السورية هي الأطول مدة على الإطلاق على مستوى الثورات في الوطن العربي اذ ان الكم الهائل من التضحيات والعرابين التي قدمها شعب هذه الأرض الصامدة ينم عن عظمته ومقاومته لكل أشكال الإبادة والتغييب
كل ذلك في ظل تنامي الوعي وصعوبة التقوقع في حضيض هذا الوضع انتظارا لعامل الزمن والنبرات البائسة القاتلة التي تمشي بمحاذات الثورة مع عدم الركون للظلم والجبروت وحجم التأمر العربي والدولي مهما تضاعفت الفواتير فبقي الشعب يتنقل من أزمة خانقة في الاقتصاد الى اخرى قاتلة تضييقا ودمارا ووحشية وتشردا وتشريدا ولم ينكسر موسوعة من قوائم المعاناة والشعب يرنو الى هدفه الخلاص الأبدي
النهايات تتدحرج الآن الى مرحلة الاخراج والخلاصات كون المقدرة الايجابية لمناصري الجبروت بدأت بالتعطل وبالمقابل لا تزال الثورة والثوار في اوج عنفوانهم وقدرتهم على التعاطي مع كل اشكال العنف المميت والذي ليس له مابعده حيث ان الحالة التوافقية هذه تتجلى في فقدان النظام التسلطي لوسائل قمع جديدة بعد ان استهلك كل وحشية التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل فضلا عن فقدانه الوسط الحاضن والذي كان حتى وقت قريب يراهن عليه بقوة بل يعمل على تغذيته بالاوهام الطائفية والعنصرية ويقوم بتسويق الحرص عليه من قبل اعداء افتراضيين في مخيلته المريضة ويظهر ذلك واضحا من خلال عدم القدرة على التماسك والسيطرة مع غياب التنظيم الى جانب الركون الى القبيلة والعشيرة
ومع تزايد التأييد الشعبي للثورة السورية انتاب النظام قلق ممض من هذه التحركات وظل يبحث عن مخرج له من هذا الوضع ساعيا الى تأجيل نهايته فعمل على تعطيل ومناهضة الثورة بكل الطرق و الوسائل ولجأ الى اساليب مختلفة من اجل القضاء عليها ومن ضمن اساليبه القذرة سياسة الارضاءات والاغراءات وبيع وشراء الذمم لاصحاب المأرب والنفوس والعقول الضيقة اللاوطنية والمصالح الذاتية
فمسرحية الحوار الوطني التي ابتكرها ويدعي بأنها ستسهم في حل قضايا الوطن هذه الخدعة الكبرى لابد من الحيطة واليقظة من نواياه الحقيقية المتمثلة في دعوته هذه لانه يريد شراء الوقت ليتمكن من الوصول الى صناديق الانتخابات التي أعد طبختها على نار المماطلة المفتوحة والمراوغة المكشوفة والمعلومة لدى كل افراد الشعب السوري واصدقكم القول بان هذا النظام القمعي ليس جديرا بالنقاش لان كل تجاربه المريرة في السلطة تؤكد بأنه غائب عن الرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحل مشاكل البلاد التي يدعي حمايتها وانقاذها ومن منحى اخر يعمل على ادخال عملائه داخل صفوف المعارضة لشق الصفوف ونشر سمومه ويعلم الجميع من ابناء وطننا العزيز ان هذا النظام غير مؤهل للتفاوض ولاحتى الجلوس معه لانه ليس لديه أي ارادة سياسية فاعلة وناجزة كي يكون حريص على مستقبل الوطن والمواطن فجل مايريده المحافظة على بقاءه في السلطة لاطول فترة ممكنة على حساب ارواح ودماء هذا الشعب التي ازهق منها الكثير والكثير، علاوة على ذلك ان غالبية من يتم بيع ضمائرهم يدعون بانهم ثوار وانهم يحملون قضايا المواطن وهم الوطن وهذه هي الخيانة العظمى لطبيعة العمل الثوري
لنأمل من الله عز وجل ان يصمد الجميع من الشرفاء ويتحدوا ويقفوا وقفة رجل واحد دون خوف او خذلان انتصارا لوطنهم واسرهم المشردة وابنائهم المقهورين المحرومين من ادنى مقومات الحياة ورفاقهم الشهداء الذين ذهبت ارواحهم الطاهرة فداء للوطن وللثورة ووفاء للدماء التي سالت ايمانا بالقضية وصمودا مع الشرفاء الذين دفعوا وما زالوا يدفعون اثمانا باهظة في حياتهم واموالهم واولادهم
ان هذه التضحيات التي قدمت من ابناء الوطن بمختلف انتمائاتهم وتوجهاتهم يجب ان لا تضيع سدى فغالبيتهم من الشباب والطلاب والمهمشون ومعظهم يكبحون الان في سجون الظلم والفساد وما زالت الجراح تنزف في سورية والصراعات متجددة كل يوم وفرار لالاف النازحيين يوميا ومن هذا المنطلق اتمنى على قادة الثورة الشرفاء فقط الذين نعول عليهم وجميع المخلصين ان يكونوا مدركين لما تؤول اليه الاوضاع وحريصين على مصلحة الوطن والمواطن فالازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كبيرة وعميقة تحتاج منا جميعا اتخاذ خطوات وطنية صادقة وارادة سياسية حكيمة لا تعرف اللين والمهادنة وعلينا ان نوحد جهودنا لمواجهة التحديات وهذا موجه الى كافة الكتائب والالوية لان الوطن والمواطن في محطة الانتظار وذلك لاخراجهم من هذا الوضع الكارثي فلو بقينا هكذا ستمتد ثورتنا عشرون عاما اخرى ولن نأتي بشيء لاخراجهم من هذا الوضع او تحقيق النصر
ان سوريا اليوم محتاجة لعملية بناء جديدة ولعقول مستنيرة وحرة تستطيع ادارة هذه المرحلة بأسس قوية واطر تخدم مصلحة هذا الشعب الطيب لاننا جربنا كل الانظمة السياسية سابقا وحاليا اليمين واليسار وكلها فشلت في تلبية الطموحات وتحقيق الاهداف فالعقلية السورية باتت تدور في فلك التسلط والاستبداد منذ حكم البعث حتى يومنا هذا ولا بد من ايجاد بديل ناجع يحترم الشعب السوري وينتشله من الظلم ومن السياسات التي قضت على الاخضر واليابس ويبقى السؤال الاهم من هو البديل الحل في ان يكون البديل قادر على تلبية الامال وان لا يكرر ما استخدمه غيره خلال العقود الماضية وان يبتكر اساليب جديدة مبنية على الفهم العميق لجيل اليوم والتحديات التي تواجه البلد
الائتلاف غارق في الوهم وكل حزب سياسي يسعى الى مصلحته الحزبية وتكبير حجمه الوهمي وكل ذلك محسوب على الجماهير دون ان يلبي لها أي طموحات او تطلعات الكل يسعى الى الاسم والشهرة والمال مما شكل فجوة كبيرة بين اعضاء الائتلاف والجماهير والكثير من الاحزاب السياسية حتى اصبحت المعارضة غارقة حتى الثمالة في عيوب الشللية والفساد والمناطقية والتبعية الدولية ويبقى علينا اختيار بديل وطني غير الموجود الان على المسرح السياسي يكون معظمه من الكوادر الشبابية التي لها رؤية مستقبلية يمكن ان تضع الحلول وفق اطر وأسس جديدة لان سورية مقبلة على بناء دولة تحترم حقوق الانسان في الاول وايا كان هذا البديل لا بد من تجاوز الاطر السياسية السابقة
عندما يرقد عزيز علينا مريض طريح الفراش نتألم لمرضه ونحاول ان نخفف ععنه بعض المه ونتابع حالته حتى يعود سليما معافى واذا لم يقدر الله له الشفاء ففارق الحياة نحزن لفراقه اشد الحزن فما بالكم عندما يكون المريض الذي يرقد امامنا هو الوطن نراه امام اعيننا يعاني الامرين ونحن داؤوه ودوائه ومع ذلك لا نفعل شيئا ونتركه يضيع امامنا وتضيع معه حياتنا
الوطن يمرض بسبب سلبياتنا وسوء ادارتنا وانانيتنا وحب الذات والتكالب على نهب خيراته وتبديد امكانياته صراع على الكرسي والمناصب والامتيازات فيما العواصف تهدد مركب الوطن من كل صوب ويحسب بعضنا ان النجاة ستكتب له دون غيره عندما يغرق المركب مع العلم ان غرق المركب لا نجاة لاحد منه
انطلقت سفينة الثورة رافعة اعلامها ترفرف على اجساد شهدائها الابرار الذين قدموا للوطن اغلى ما يقدم ولكن سرعان ما تغيرت نفوس البعض وارتفعت صيحات المصالح الضيقة ممن كانوا في خندق واحد في الامس اصبحوا اليوم الد الاعداء يتربص كل واحد منهم في الاخر وينصب له الفخاخ
كل من يشارك في تخريب البلد يرتكب جريمة بحقه وبحق ابنائه قد لا يعي تاثيرها الان لكنه اذا نظر الى ما ستؤول اليه الامور في النهاية سيبكي كثيرا
انها لحظات مظلمة في تاريخ الثورة ومع ذلك يبقى الامل بان ضمير ابناء الوطن لا بد ان يستيقظ فيعود السوريون الى ثورتهم التي تتسع للجميع ...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: