في أن الصراع ليس حول أصل الحرية، بل هو حول محتواها
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6321
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان سيئ الذكر لا يمنع الكثير من الناس أنشطتهم، فهم يعملون وينتجون ويبدعون الأعمال الفنية ذات المحتوى والتوجهات المعينة التي تعكس منحى تغريبيا، والدليل أن حقبته تعتبر نموذجا لدى الكثير لحد الآن.
فأولئك كانوا يتمتعون بالحرية في عهده، وهم يرون الإلحاق بالغرب ومحاربة الهوية أمرا صائبا، والحرية لدى الكثير منهم أن تعيش كالفرنسي في مظهرك بل وفي قناعاتك وتصوراتك ومفاهيمك للإنسان والكون والحياة وغيرها، أما أن تطالب بما يخالف ذلك فأمر ليس من الحرية، ومن يفعل ذلك يجب أن يحرم من حق الحياة سجنا و اغتصابا و تشريدا و قتلا.
كذلك كان بن علي، في عهده يعمل الناس ويمارسون أنشطتهم وبرع الكثير وتميز في ظله.
ومن قبلهما كان الطغاة، فستالين كان في عهده الاتحاد السوفيتي قوة علمية وإنتاجية، وبرز وقتها الإنتاج الأدبي والفني ذو المحتوى الاشتراكي / الشيوعي.
في الغرب أيضا يعيش الناس في حرية مسموح بها، إلا أن تتعدى الأنشطة قوانينا صاغوها، حماية لمصالحهم السياسية والاقتصادية والعقدية أحيانا.
كل هؤلاء وغيرهم، لم يتحركوا لمنع غيرهم، الا حينما جاوزت أنشطتهم حيزا غير مسموح به، يعني ان المسالة ليست في اصل النشاط الإنساني ولكنها في محتوى ذلك النشاط، والمحتوى المقصود هو انعكاس لتصور ذهني يتغذى من خلفية فكرية أو عقدية
معنى ذالك ان المنع يتم ابتداء تجاه تلك التصورات الفكرية من أن تؤثر في الواقع، وهذا يؤكد أن الصراع ليس في اصل الحرية كقيمة، بل في محتوى الحرية، إذ أن الحرية موجودة في ظل كل الأنظمة وكانت أمرا واقعا وكان الكثير يعيشها، ولكن المنع هو في مقادير ومحتويات الحرية.
ومن هنا ثبت أن الصراع هو أساسا صراع حول المفاهيم والقيم المرجعية وليس صراع حول قيم الحرية في المطلق كما يريد البعض أن يصور الأمر ومنهم جماعة الإسلام الوسطي حينما يسرفون في تمييع المفاهيم.
الصراع ليس حول أصل الحرية، أبدا، لان الحرية ملموسة لدى كل الناس تقريبا، إلا أن بعضهم يعيشها كاملة والآخرون يعيشونها في حدود دنيا، تبعا لاتفاقهم أو اختلافهم مع طبيعة القواعد الضابطة للحرية تلك داخل المجتمع، فدعاة التغريب يرون مثلا مجتمعا متغربا تروج الدولة وتحمي الأنشطة التغريبية الالحاقية فيه، يرونه نموذجا للحرية، بينما يراه أنصار الهوية تضييقا وكبتا لهم.
بمعنى آخر، لو أخذنا عينة في إطار زماني ومكاني، لأمكننا إثبات توفر الحرية لطائفة منهم، وإلا لما كان ممكنا قيام تجمع بشري، حيث السلطة في اقلها هي مجموعة من الناس، وهؤلاء لاشك أنهم هم المنتجون للمفاهيم او على الأقل الراعون لها داخل ذلك الحيز الزماني المكاني..
إذن فالقول بوجوب توفر الحرية هكذا على إطلاقه / إطلاقها، كلام فاسد لأنه مطلب بأمر هو أساسا موجود، ثم هو ليس حقيقة المشكلة المطروحة.
كما أن القول بالتقاء الكل حول قيمة الحرية، كلام غير سليم، لأنه لما كان الخلاف هو حول محتوى الحرية، ولما كان المحتوى يعكس خلفية عقدية، ولما كان المختلفون (ليكن بتونس مثلا) ذوي مرجعيات عقدية مختلفة، فانه يستحيل الالتقاء معهم، وبطل بالتالي إمكانية الاتفاق معهم حول محتوى للحرية، وثبت بعدها فساد قول التقاء الكل حول قيمة الحرية ، إلا ن تكون تلك القواسم التي يشترك فيها كل الناس وذلك جانب على أية حال ليس محل نزاع
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: