علاقة الحامل بالشيء و فتحات المادة (الشيء الجاهز) على العمل التشكيلي
وئام فاتح - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7405
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن تأسيس العمل الفني على خليط متجانس من العناصر و المواد شكّل في تاريخ فن القرن 20 منعرجا حتّم تغيير العديد من المُسلّمات و المواقف من الممارسة التشكيلية و المبادئ و القيم التي تتحكّم بها و قلّص المسافة بين الأجناس و الميادين الفنية.
يرى " ألبرتي" أن اللوحة لم تعد تلك النافذة التي يظهر من خلالها ذلك العالم الموضوعي أو تلك الشاشة التي يعرض فوقها لتفصلنا عنه جاعلة منه عالما بصريا لا يلتمس إلا عن بعد.
ـ وقد ظهرذلك مع التكعيبية:
لجأ التكعيبيون إلى وسائل خاصة تجنبا لإغراءات الألوان و الفرشاة و القماشة المسطحة للّوحة و المظاهر البراقة بُغية التركيز على ما هو غير مألوف و غير منمُق كالمواد المستعملة و النفايات و الأوراق، فلم تقتصر التكعيبية في هذه المرحلة التحليلية على تنفيذ الموضوع من زوايا و رؤى مختلفة و تفكيكه أو تحويله إلى سطوح صغيرة متواصلة و متداخلة مع فضاء اللوحة كلّه. وتجسّدت إلتفاتة هذه الحركة إلى عناصر المحيط في تقنية التلصيق التي كان " لبيكاسو و براك " الفضل في تطوير هذا المنهج وتدعيم الجانب الملمسي و ذلك بإدخال المواد الجديدة كالرمل و الحصى...إلى اللوحة مما قاد التكعيبي للتحوّل كانا قد مهّدا له منذ سنة 1912 وهي مرحلة قائمة على التحليل والتأليف لعناصر مختارة و ذات دلالات.
ففي مرحلة التكعيبية التركيبية كانت تسعى إلى التوفيق بين الداخل و الخارج مضافة إليها قصدية العودة إلى الأشياء و إستعارة دلالة الواقع منها.
يقول بيكاسو :" يجب ألا نبحث بل يجب أن نكتشف. "
بهذا يصبح مفهوم الإتساق يحمل قيما و متطلبات تتجاوز الإطار التقليدي للتقنيات و الأصول الحرفية للعمل الفن.
حيث جلب "فون غوغ" إنتباهنا إلى العادي و التافه و ذلك برسمه للحذاء البالي والكرسي البسيط، وقد فتحت هذه الإختيارات التقنية مجالات جديدة أمام الفعل التشكيلي وقلّصت المسافات الفاصلة بين مختلف ميادين الفن المرئي و قطعت الحدود بين فنّي النحت و التصوير جاعلة ممارسة التصوير في إطار يُضاهي فضاء النحت و ما يتطلبه من أفعال النحت المختلفة. لقد أتاحت هذه التحوّلات إلى إمكانية ممارسة التصوير في أوضاع جديدة أفقية خاصة على عكس ما جرت عليه التقاليد الأكاديمية.
ـ مع الدادئية :
لجأت إلى الإلصاق و التركيب مستخدمة مختلف المواد المعبرة و الغريبة عن الفن بما فيها والمبتذل و العادي جدا كالأسلاك الحديدية و علب الكبريت و الشعارات وصناديق القناني و فضلات الطعام...كي تدخلها إلى سياق العمل أو تجعل منها بعد أن تعزلها عن واقعها الخاص أعمالا فنية قائمة بذاتها. فقد سعت الدادئية إلى إنزال الفن من عليانه و إرتباطه بأرضية الواقع و كان كل من "مارسال دوشان و فرانسيس بيكابيا و ماكس أرنست" من أهم دعاة هذا التيار الجديد.
وقد قام مارسال دوشان بإنتاج ما أسماه الجاهز للصنع Ready Made . ولا ننسى طبعا تصريحه الشهير القائل : إن كل شيء قابل لأن يكون عملا تشكيليا.
ففي حركة الرادي مايد الفنان لم يعد يرسم و يلوّن و يبني حسب القاعدة بل هو مطالب بالبحث و إستغلال ما يوفره الوسط الذي ينتمي إليه و يجمع القطعة الجاهزة و يقدمها للجمهور.
و بإستخدام مثل هذه المواد الغريبة عن التصوير أدخل مارسال دي شون إلى الفن واقع جديد ، الواقع الشاعري حسب تعبير أراغون وطرح للمرة الأولى مسألة واقع العمل الفني الذي أرادت الدادئية من خلاله التعبير عن رفضها للمفهوم الجمالي التقليدي وما يتطلب من تقنية فنية محددة و التركيز على عامل الصدفة و دلالتها الإيجابية و الإهتمام بالطبيعة العفوية لهذه العناصر التي أخذت كما هي.
ولقد أعلن جون كاج "أن الرسم هو إتصال بين الفن و الواقع و أنا أحاول التحرّك داخل الثغرة التي تفصلهما ". كما إعتمد هذا الفنان على قطع اللإسفنج الإصطناعي، حبال،أشياء موجودة،دجاجة، نسور، صور لأشخاص ثم يصنعها في لوحة في شكل قفص و الشيء الأكيد هنا هو أن الحياة قد إخترقت أعماله من جانب إلى آخر. كما تبين ذلك أيضا في العديد من الأعمال النحتية.
وأخيرا نجد حركة البوب آرت التي كان لها نفس التوجه، إذ يقول روشنبرغ:" أنا لا أقوم لا بالفن من أجل الفن و لا بالفن ضد الفن أنا مع الفن ولكن مع الفن الذي ليست له علاقة بالفن ، فالفن مرتبط إرتباطا وثيقا بالحياة."
ويقول كلود فيالا:" أستخدم مواد بالية أو قطع مركبة تلصق دون أن تمدد فوق إطار حيث يختار الفنان تبديل وجه الأشياء من التفاهة و الإبتذال إلى الكيف و الجمال."
بهذا فإن الفن التشكيلي لا يقتصر على مواد و أدوات معينة لا غير بل إنه شامل ومتنوّع ومتغير،كما يقول Tinguely : " إن الفن شامل لأنه يمكن أن يصاغ من حجر أو من زيت من خشب أو من حديد من هواء أو طاقة من ألوان مائية، من قماش أو من وضعية ما، من خيال، من توتر، من قلق، أو فرح من غضب أو من ذكاء، من مادة لاصقة أو من خيط، أو من تناقض..." (1) .
------------------------
"علاقة الحامل بالشيء و فتحات المادة ( الشيء الجاهز ) على العمل التشكيلي"
تقديم الطالبة وئام فاتح من تونس متحصلة على شهادة الماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئية و مرسمة بالسنة الخامسة شهادة الدكتواه في علوم و تقنيات الفنون.
------------------------
(1)
« L’art est total car il peut être fait aussi bien de pierre et d’huile de bord et de fer d’air et d’ énergie de gouache de toile et de situation d’imaginaire et d’obstination, d’ennuie de bouffonnerie, de colère, d’intelligence de colère de fil de fer ou d’opposition », cité in art vivant, n 7 p 20, Histoire Matérielle et immatérielle de l’art moderne ,Florence de Méredien.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: