الرموز الشعبية و مدلولها في الذاكرة الجماعية العربية
حميدة الطيلوش - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 28337
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن الأشكال و الرموز الشعبية نابعة من أصل بيئة الفنان الشعبي كما أن الفكر الشعبي السائد في المجتمع و الظروف المحيطة بالفنان هي التي تشكل إنتاجه الفني.
و السلوك الإنساني رمزي في جوهره لأن الإنسان وحده هو القادر على إبداع الرموز دون غيره من المخلوقات و ينفرد عنها جميعا بالسلوك الرمزي و القدرة على استعمال الرمز، فكل أنماطه من السلوك تتألف من رموز اصطلح عليها الجميع.
و المجتمع بدوره هو الذي يحدد معنى الرمز، و يفقد الرمز معناه و قيمته إذا خرج عن نطاق المجتمع أو الجماعة، فليس في الرمز خصائص ذاتية تحدد بالضرورة ذلك المعنى و تفرضه على المجتمع.
و الرمز التشكيلي الشعبي يتميز بانطلاقة التعبير و البعد عن المقاييس المقننة في الفن الأكاديمي، كما أنه يحكى عن طريق الأشكال و القصص و المعتقدات الدينية و الشعبية، و ألوانه رمزية تعبر عن تلقائية الفنان الشعبي و بيئته البسيطة(1). وتزخر مفردات الفن الشعبي بمجمـوعات هائلة من الرموز ذات الدلالات والعلامات والرسوم والأشكال والنصوص والكتابات ، و التي تحوى العديـد من القيم التشكيلية والتعبيـرية ، و التي يمكن الاستفادة منها في صياغات تشكيلية تتفق مع مفاهيم الحداثة في الفن، وخاصة مجال التصوير، فالمفردات التشكيلية في الفن الشعبي، وارتباطها بالقصص الشعبية والأسـاطير لها عقيدة في الوجدان الشعبي، فالموروث الثقافي تتلاقى فيه الأصالة مع الحداثة في الجمع بين خبرة الفنان والمعرفة بمفهومه الموروث والحفاظ على الهوية ، وأشكال الإبداع الشعبي الأصيل.
لذا تمثل المفردات الشعبية مصدراً هاماً من مصـادر الرؤية لدى الفنان التشكيلي العربي عبر عصور تلك المفردات الميتافيزيقية المطلسمة ، ذات الطابع الرمزي من ناحية والخداعي من ناحية أخرى ، و التي تضرب بجذورها بعيدا.
إن هذه المفردات بدائية فطرية تفتقر إلى حنكة الرسام ، وإلى قدرة الملـون العارف بالنسب ، وقواعد المنظور، ولكنها معبرة موحية لما فيها من فطرة ورمزية، ومن ثم فإن هذه التصورات والرؤى ، وإن كانت الخرافة مصدرها ، إلا أنها كانت بالنسبة للاتجاهات الفنية الحديثة على جانب كبير من الأهمية ، فيما بدا من مظاهر تمثلت في أعمالهم الفنية المستلهمة من طبيعة الرموز الشعبية، فالاتجاهات الفنية الحديثة للصورة المرئية تتجه إلى الاستلهام من التراث القومي والشعبي.
ذلك ما دفع بالباحثين إلى تناول مفردات السحر الشعبي بالدراسة لرغبته الصادقة في التوصل إلى نتائج قد تثرى الجانب التشكيلي من خلال استخلاص الأسس الفنية التي ترتكز عليهـا تلك المفردات.
لذا سعت مجموعة كبيرة من الفنانين إلى اعتماد رموز و علامات تراثية ذات الصدى العميق في دواخل المجتمع العربي و في عاداته ومعتقداته. رموزا طالما سكنت لاوعي العربي و خلفياته الذهنية و العقائدية، توارثها سكان البلدان العربية جيلا عن جيل فانعكست على سطح حياتهم المعيشة لتكون مرآة صادقة عن ذواتهم و دواخلهم وها هي تنعكس بصورة جلية في لوحات هؤلاء الفنانين باعتبار أن هذه الأعمال مرآة صادقة بدورها عن المجتمع العربي في معيشة اليومي، اختلفوا في معالجتها تشكيليا.
والرموز كثيفة و متنوعة تحاكي في شكلها عالم المرئيات و تعانق دلالاتها فضائات الماورائيات تضيف على العمل التشكيلي شحنة تعبيرية تعزز جذور خطابه في أرض عربية صرفة نذكر منها:
-الشمس: وهي مركز الحياة وترمز للقوة وترسم كدائرة كبيرة أو ما يشبه النجم و بداخله نقطة أو وجه و ترسم أحيانا محاطة ببعض الخطوط كدلالة على الإشعاع.
-القمر و الهلال: ويلعب القمر دورا هاما في وجدان المصور الشعبي حيث تناوله بمعاني مختلفة كالحب والشهوة و الأنوثة أما الهلال فكان يستخدم كشكل ضد الحسد.
-النخيل: وهو رمز مقدس ورمز للخصب و الرزق.
-الإبريق: وهو رمز للطهارة والوضوء و يبعد الشر و الحسد وكثيرا ما يرسم على واجهات المنازل.
-الشجرة: وهى رمز للأمومة والرزق و الخصوبة و نجد المصور الشعبي كثيرا ما ينشغل برسم أغصانها و زخرفتها.
-سنابل القمح: وهو رمز للتفائل و الخصب والرزق الوفير.
-الكف: رسم الكف كرمز لإبعاد الحسد و شر العين و لذلك يقرن رسم العين برسم الكف فيرسم الكف مفتوحا في وسطه عين تكتب تحتها كلمة ( يا حافظ ) أو(خمسة خميسة).
-السيف: يرتبط السيف بمعاني البطولة و الفروسية و الشجاعة.
-المتلث و الدائرة و المربع: ترسم هذه الأشكال متداخلة للتعبير عن دلالات سحرية و تعاويذ وطلاسم كما يمثل المربع و الدائرة القدسية والجلال.
الرموز النباتية: مثل النبات و الزهور و هما رمزان للرزق والتفائل والصفاء و رسمها المصور الشعبي بطريقة عشوائية في الأعراس و في رسوم الحج لترمز إلى الفرح و البهجة بقدوم الحجاج و كذلك على المقابر كرمز للرحمة.
الرموز الحيوانية:.
-الأسد: ويحتل مكانة متميزة في وجدان المصور الشعبي وهو رمز للشجاعة
و الإقدام.
-الجمل: يقترن برسم النخلة للتعبير عن البيئة الصحراوية وكثيرا ما يرسم مع شكل الكعبة للتعبير عن عودة الحج.
-الافعى:كثيرا ما يرسمها المصور الشعبي مهزومة في مواجهة شخصياته لأنها تمثل الشر و الكراهية.
-القط الأسود: ويرمز إلى الفأل الحسن وطرد الشيطان و الشرور.
-السمكة: رمز التكاثر، رمز قديم يعني التجدد و الخير و العيش الرغيد وترمز لسعة الرزق وجلب الحظ و الخصوبة. والسمكة رمز للتجديد و الأدلة في الميثولوجيا قاطعة، ففي الأساطير العربية والحضارات السامية وفي المعتقدات الدينية السماوية، غالباً ما يدل هذا المخلوق على الانبعاث.
انه رمز عرف في الأساطير الفرعونية، ونسج في المنسوجات القبطية، ورسم على الخزف الإسلامي.. صور في الرسم الشعبي على الأواني والنسيج والزجاج والورق.
و بالنسبة للعلامات و الرموز فلا تزال وفيرة و متعددة في الفنون الشعبية فالعلامة المستمدة من الموروث (السمكة، خمسة اليد، القاطع و المقطوع...) في حد ذاتها هى شىء من الماضي تناوله الفنانون ضمن مظهرية اللون و الشكل و ضمن لعبة فريدة خاصة بالفنان في حد ذاته، تخترق كل المرجعيات حتى تفرد مساحة لمظهرية فنية مستقلة تكتفي بذاتها بحيث لا تقدم إلى الجمهور مجرد المعرفة بهذا الرمز أو ذاك، مجرد معرفة تاريخية تقوم على الترصيف و العرض.
--------------
(1) علي الشريف، حسين، 1920، ص 100.
-------------- الرموز الشعبية و مدلولها في الذاكرة الجماعية العربية
تقديم الطالبة حميدة الطيلوش من تونس متحصلة على شهادة الماجستير في جماليات و ممارسات الفنون المرئية و باحثة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم و تقنيات الفنون.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: