ابراهيم بن نبهان - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4626
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يمكننا الوصول إلى أهمية الممارسة التشكيلية التي عايشها الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد في حياته الفنية، في ماهية المخاض التشكيلي الفلسفي حول بحثه عن صورة الحقيقة المطلقة و كيفية تجسيدها على فضاء فني بطريقة صوفية تشكيلية. من هنا يمكننا التساؤل عن توازي الممارسة الفنية لآل سعيد مع نضيره السويسري بول كلي والاختلاف القائم في طريقة التعامل مع الأثر الفني.
يمثل البعد ألحروفي المعاصر من أهم المباحث التي جعلت من الحرف مفردة و مادة تشكيلية، أكسبت العمل الفني قيما جمالية و أبعاد روحية رمزية تتخطي الرؤية البصرية لتصل إلي البعد الأخر إن صح قولي هذا، من خلال الأبعاد الصوفية التي يعايش بها الأثر الفني للوصول إلى صورة المطلق أي الوحدة الإلهية من خلال ما يسمى بالبعد الواحد للعلامة و الخط علي حد السواء .
إن شاكر حسن أل سعيد قام بإحداث ممارسة صوفية تشكيلية متجاوز من خلالها الواقع الملموس، لذلك فان اللوحة الحروفية حملت طبيعة مزدوجة ومتداخلة على المستوى البصري زاخرة بالدلالات الرمزية والإشكال التي تبوح بالتشكيل. وقد اختلفت طريقة التعامل مع العلامة من فنان إلى أخر فبقي مقروءا لدى بعض الفنانين و تحول إلي مفردة تشكيلية لدي الأخ. فذهب أل سعيد إلي استعمال الحرف أو العلامة الخطية إلى إدخالها في السطح التشكيلي لتصبح جزءا لا يتجزأ منه. إن رمزية العلامة التي جسدها الفنان يمكن أن تعبر عن الرابط الروحاني الذي يصل إلى صورة الميتافيزيقي وربطه بما هو موجود على ارض الواقع أي محاولته المريرة لفتح المغلق في صورة موضوعية.
تأملات موضوعية، 1984 زيت علي كرتون 120120x صم
يمكن للعقل أن يستوعبها في لحظة تأمل، فمن خلال تجذره الصوفي و سيطرة البعد الديني يحاول أل سعيد أن يكشف عن اللامرئي الموجود ما وراء الحجاب الذهني إلى وتجسيده في صورة المرئي على سطح تشكيلي ذو بعدين حامل بذلك الإبعاد المختلفة للفنان. فينطلق شاكر حسن أل سعيد من تجربة خاصة مع المطلق من خلال استعماله للبعد الفكري الفلسفي و البعد النقدي لانجاز مزاوجة روحانية تشكيلية تصاعدية من الأسفل إلى الأعلى أي انطلاقا من التصوف التشكيلي وصولا إلي صورة المطلق. لقد ذهب الفنان من خلال أعماله الفنية إلى محاولته في الكشف عن الحقيقة و إعطاء الحرف بعد روحاني مستعينا في ذلك بما هو صوفي، فينطلق من الصوفي التشكيلي وصولا إلي الصورة الإلهية إن صح قولي. على عكس نظيره بول كلي الذي ينطلق من التشكيل من خلال الألوان و الأشكال و الخطوط على المساحة المسطحة للوصول إلى روح التصوف و البعد الروحاني في أعماله الفنية. فكانت أعمال بول كلي مبنية على إشارات تكون تجريدية مختزلا فيها ما هو مرئي علي فضاء ثنائي الأبعاد.
بول كلي بالرموز الخفية
لذلك يمكننا القول بان استعماله للكتابة أو لأسلوب الخط بطريقة تكون لا مقروءة يجمع فيها بين الشكل الهندسي و النقطة و الخط ، كما تجمع أعماله الصور الإنسانية التي تنبني على الفضاء الفني بطريقة مغلقة فيها نوع من السرية. فتفضي بذلك بعد خيالي سحري، فقد كشف بول كلي بان الفن العربي الإسلامي زاخر بالأبعاد المختلفة من حيث إنها موزعة بين الحقيقة الموجودة ، و بين الخيال المطلق. وقد ذهب للبحث عن ماهو حاضر وراء الموجود من خلال دراسته لروح الشكل محاولا في ذلك إحالته إلى خط ونقطة على فضاء ذو بعدين. هذا بالإضافة إلي تأثره بالأجواء الروحانية و الصوفية. لقد حاول بول كلي في أعماله أن يمزج بين أسلوبه في التشكيل مع العناصر التشكيلية الروحانية المستوحى من الحرف العربي و الزخرفة الإسلامية فاكتشف فيه جمالية على مستوى الشكل فادخل الحرف بطريقة حديثة داخل الفضاء التشكيلي عبر الطابع الصوفي لمحاولة الكشف عن المطلق .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: