البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"الفن" في خدمة الاستبداد

كاتب المقال د - عبد الكبير حميدي - المغرب    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4122


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لم يجانب الداعية والمفكر الكويتي الدكتور طارق السويدان الصواب قيد أنملة، حين وصف الأزمة المصرية الراهنة ب"الفاضحة"، فقد فضحت السياسيين والمناضلين، والكتاب والمفكرين، والإعلاميين والفنانين، والعلماء والدعاة، والقانونيين والقضاة، والعسكريين والمدنيين، وكشفت عن معادن الرجال، وعن حقيقة الشعارات والادعاءات ، وأبانت – بجلاء – عمن يؤمن بقيم التسامح والتعايش وقبول الآخر، ممن يتخذ من تلك القيم دثارا يستر به عورته، ويخفي عيوبه، ويجعلها مطية إلى صغير أحلامه، وحقير نزواته، فإذا امتحن في مواقفه وادعاءاته سقط في أول امتحان، وتلك سنة من سنن الله في الخلق، لا تتبدل ولا تتحول، يميز الله بها الخبيث من الطيب من الناس.

إن ما يجري اليوم في أرض الكنانة، وما أعقب انقلاب العسكر على الديموقراطية، لهو من أبشع ما يتخيله إنسان في القتامة والسواد، ومن أفظع ما يخطر على البال من توحش وهمجية وانحطاط، حيث المجازر الوحشية، والاعتقالات الجماعية، والملاحقات العشوائية التي تجاوزت كل أعراف وعادات المجتمع المصري، إلى حد مداهمة المنازل واعتقال النساء. وحيث القصف الإعلامي الشرس والرخيص، الذي لا يتورع عن استعمال شتى أنواع الكذب والتضليل، وتزوير الوقائع وطمس الحقائق، ولا يكف عن تخوين معارضي الانقلاب وأنصار الشرعية من المصريين، وتسفيه أحلامهم، واستباحة أعراضهم، ونسبتهم إلى الإرهاب والتطرف، وإلى الجهل والتخلف، مع أنهم هم ضحايا الإرهاب والإجرام، ومع أنهم مواطنون مصريون، وخصوم سياسيون لا أقل ولا أكثر. وحيث التوظيف البشع للقضاء، في تلفيق التهم، وفبركة الملفات، وتكميم الأفواه، وخنق الحريات، وتصفية الخصوم، ومعاقبة المخالفين. بل وصل الظلم السافر والحقد الأسود، إلى درجة استباحة حرمة المساجد والمنازل، فتم إغلاق المساجد، وهدم المنازل، وعزل الأئمة، وارتكب في حق المصريين من الجرائم في أسابيع، ما لم يرتكبه الصهاينة بالفلسطينيين في سنوات.

ومع قتامة ومأساوية المشهد المصري، فإن من حسناته – ولا تخلو مصيبة من حسنات – أنه فضح أكاذيب العلمانيين والليبراليين واللادينيين عموما، وكشف زيف ادعاءاتهم في الديموقراطية وحقوق الإنسان، وأماط اللثام عن ذمامة وبشاعة الوجه الحقيقي الكالح لهؤلاء، وأظهر أنهم شركاء للعسكر في إرهابهم، يشرعنون لهم جرائمهم ويبررونها لهم، ويوفرون لهم الغطاء السياسي والقانوني والأخلاقي.

على أن من أكثر الفئات انحيازا للعسكر، ولعقا لأحذيتهم، ومنافحة عن جرائمهم، فئة من يسمون أنفسهم ب " الفنانين"، إذ كانوا في طليعة المحرضين على الانقلاب، والمخونين للخصوم، المشوهين لصورتهم، الساخرين منهم، والناعتين لهم بأقبح النعوت وأقذع الصفات، ولا أدل على ذلك مما كان يفعله المسمى باسم يوسف، في برنامجه " البرنامج"، طيلة عام من حكم الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، حيث كان لا يدع فرصة لتسفيه الرئيس، والاستهزاء به، والنيل من هيبته، والتصغير من شأنه في أعين الشعب، إلا استغلها بكل خسة ووقاحة وشماتة، راكبا إلى ذلك الصعب والذلول، وهو الذي ابتلع لسانه في عهد العسكر، وتحول إلى أصم أبكم، لا يقدر على شيء، ولا ينبس ببنت شفة.

وأما بعد حصول الانقلاب واستيلاء العسكر على الحكم، فقد سخروا " فنهم" – عفوا عفنهم – للاحتفاء بالانقلاب والتغني بأمجاده، وللسير في جوقة العسكر، والتطبيل والتزمير لهم، مؤدين بذلك دور القيان ضاربات الدفوف في حروب قريش، فغنوا لأيدي العسكر، وقبلوا أرجلهم، ولعقوا أحذيتهم، في أغنية " تسلم الأيادي"، التي تبثها بعض القنوات الصهيونية تضامنا مع شقيقاتها المصرية، فما كان من فناني الشعب إلا أن ردوا عليهم بأغنية " تتشل الأيادي.. إلي بتقتل أولادي".

وبلغت الشماتة والوقاحة أوجها، عندما غنى علي الحجار " إحنا شعب وانتو شعب"، أسقط فيها الجنسية المصرية وحق المواطنة، عن أغلب المصريين من معارضي الانقلاب، وقسم فيها المصريين إلى شعبين: شعب طيب وأصيل، وآخر مدع وخبيث. بل بلغ الحماس والجراءة بالرجل إلى حد تكفير " الشعب المصري المعارض" بالقول " لكم إلهكم .. ولنا إلهنا"، وهكذا يكون الحفاظ على الأمن القومي والوحدة الوطنية، وهكذا يكون توحيد الصفوف وجمع الكلمة، وهكذا يكون " الفن" – عفوا العفن – وإلا فلا.

الغريب في الأمر، أن هؤلاء " الفنانين" الذين انغمسوا في السياسة إلى آذانهم، وسخروا " فنهم" – عفوا عفنهم – في خدمة الفساد والاستبداد، وفي دعم الظلم والظالمين، من أكثر المنادين ب" فصل الدين عن السياسة"، ومن أشد المنكرين على غيرهم " إقحام الدين في السياسة"، ومن حقنا – بل من واجبنا – ههنا أن نسألهم: ولماذا تقحمون أنتم الفن في السياسة؟ ولماذا لا تفصلون الفن عن السياسة؟ أم أن " الفن" أشرف عندكم من الدين وأولى بالاعتبار والاحترام في السياسة؟.

كان أشرف لفناني مصر، إذ لم يستطيعوا الوقوف في صف الحق، ولم تسمح لهم مصالحهم الضيقة بالدفاع عن الشرعية والديموقراطية، أن يلوذوا بالصمت ويكتفوا بإنكار المنكر بالقلب كما فعل كثيرون، لكنهم أبوا إلا أن ينحازوا إلى المنكر، ويقفوا في صف الباطل، رهبة من بطش العسكر ورغبة في أعطياتهم وفتات موائدهم، فانضموا إلى كوكبة المفضوحين، ناسين أن دورهم في الظلم آت لا محالة، فإن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام أخبر أن: ( من أعان ظالما سلطه الله عليه)، وحينها سيقفون على صواب الحكمة القائلة: " أكلت يوم أكل الثور الأبيض".


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الفن، الإستبداد، الثورات العربية، مصر، وسائل الإعلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-09-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، سلام الشماع، كريم السليتي، أبو سمية، يزيد بن الحسين، عمر غازي، إسراء أبو رمان، سفيان عبد الكافي، الهيثم زعفان، محمد أحمد عزوز، د - المنجي الكعبي، محمود فاروق سيد شعبان، صالح النعامي ، د.محمد فتحي عبد العال، رشيد السيد أحمد، د. صلاح عودة الله ، مجدى داود، د - صالح المازقي، سلوى المغربي، د- جابر قميحة، جاسم الرصيف، صلاح المختار، سيد السباعي، حميدة الطيلوش، حسن الطرابلسي، المولدي الفرجاني، يحيي البوليني، أحمد النعيمي، د - الضاوي خوالدية، مصطفي زهران، رافع القارصي، حاتم الصولي، محمد العيادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامر أبو رمان ، أحمد بوادي، صفاء العربي، فهمي شراب، محمود طرشوبي، عبد الغني مزوز، عمار غيلوفي، كريم فارق، د - محمد بنيعيش، فتحي العابد، محمد اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، محمود سلطان، أحمد ملحم، محرر "بوابتي"، بيلسان قيصر، محمد يحي، د. طارق عبد الحليم، عبد العزيز كحيل، عزيز العرباوي، وائل بنجدو، سعود السبعاني، عراق المطيري، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الله الفقير، مصطفى منيغ، طلال قسومي، إيمى الأشقر، علي الكاش، محمد شمام ، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، صلاح الحريري، العادل السمعلي، تونسي، د. عبد الآله المالكي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ماهر عدنان قنديل، ياسين أحمد، طارق خفاجي، صباح الموسوي ، د. خالد الطراولي ، فوزي مسعود ، نادية سعد، د- محمد رحال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - عادل رضا، سامح لطف الله، عواطف منصور، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، د - شاكر الحوكي ، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد الحباسي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد بشير، د - مصطفى فهمي، المولدي اليوسفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، رمضان حينوني، أنس الشابي، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الناصر الرقيق، فتحي الزغل، علي عبد العال، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحـي قاره بيبـان، محمد علي العقربي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد عمر غرس الله، محمد الطرابلسي، د. أحمد محمد سليمان، منجي باكير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة