البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مقدمة فى فقه الإقلاع

كاتب المقال د. محمد مورو   
 المشاهدات: 10428



على حد علمى فإن الأستاذ مالك بن نبى "المفكر الجزائرى المعروف" هو أول من استخدم مصطلح "الإقلاع الحضارى"، ‏وأزعم أننى أول من صك مصطلح "فقه الإقلاع"، وهذا المصطلح لايعبر عن نوع من الفذلكة اللفظية بقدر مايعبر عن ‏وصف حالة معينة وتحديد أبعادها ومن ثم وضع الحلول الصحيحة والملائمة للخروج منها.. وكان ذلك فى كتاب ـ لم ينشر ‏بعد ـ تحت عنوان مقدمات فى فقه الإقلاع.‏

من الناحية العلمية ـ ووفقا لعلم أصول الفقه ـ فإن الاجتهادات الإسلامية تستند أساسا إلى نصوص القرآن الكريم والسنة ‏النبوية المطهرة، وكذلك الواقع الموضوعى.. وبديهى أن النص الدينى ثابت والواقع الموضوعى متغير. ومن هنا فإن ‏الاجتهاد فى أحد تعريفاته هو التعامل مع الواقع الموضوعى ـ المتغير ـ استنادا إلى النص الثابت، وبديهى أيضا أن هناك ‏الكثير من المدارس الفقهية والفكرية والمنهجية، ولكن كلها تدرك أن الفقه ليس أحكاما فى الفراغ، ولكن هذه الأحكام تتغير ‏بتغير الزمان والمكان، وهذه أصبحت مقولة مقررة فى علم أصول الفقه، والإمام الشافعة مثلا غير اجتهاداته مثلا فى مصر ‏عنها فى العراق ـ تغير المكان ـ وابن عمر رضى الله عنهما أفتى فى عام بغير ما أفتى فى العام الذى سبقه فى نفس المسألة ‏ـ تغير الزمان ـ وهكذا فإنه من الناحية العلمية ــ وفقا لعلم أصول الفقه ــ فإن الفتوى تختلف من زمن إلى زمن ومن مكان ‏إلى مكان. كان هذا بالطبع فى إطار ظرف عام حضارى وسياسى وثقافى ثابت وله سمات معينة.‏

أما الظرف العام الآن ــ الحضارى والسياسى والثقافى فهو مختلف كما ونوعا، وإذا كان الاختلاف الكمى يبرر تغيير ‏الفتوى، فإن الاختلاف النوعى يقتضى اعادة النظر فى الأسس والمبادىء العامة وعلم الأصول ذاته وخاصة أننا الآن فى ‏حالة حضارية وسياسية وثقافية لم يسبق لأمتنا أن مرت بها من قبل ـ لا فى زمن النبوة ولا فى زمن السيادة الحضارية ‏الإسلامية على العالم ــ ومن ثم فإن من الصعب القياس على حالات سابقة. هذا بالطبع يقتضى أولا تحديد الحالة الحضارية ‏والسياسية والثقافية التى نحن بصددها ومن ثم بناء منظومة فقهية واجتهاد مكافىء يضعها فى اعتباره.‏

نحن الآن فى حالة هزيمة حضارية ... نحن فى حالة خضوع واختراق سياسى وثقافى وعسكرى واقتصادى أمام الغرب. ‏نحن الآن لسنا فى حالة سيادة حضارية أو حتى تعادل حضارى مع الآخرين ومع الغرب بالتحديد، ومنذ عدة قرون فإن ‏التفوق الحضارى الغربى علينا أمر حقيقى يجب الاعتراف به أولا ثم محاولة الإقلاع منه ثانيا.. بكلمة أخرى فإن الخليفة ‏العباس مثلا كان يقول للسحابة فى السماء أمطرى حيث شئت فسوف يأتينى خراجك.. وهذا غير موجود الآن، بل إن ‏الرئيس الأمريكى مثلا هو من يستطيع أن يقول شيئا شبيها بهذا، المنحنى الحضارى الإسلامى صعد ثم ثبت وكان متفوقا ‏على الآخرين أى كانت هناك حالة سيادة حضارية إسلامية ثم حالة تعادل حضارى، ولكن هذا المنحنى بدأ نزوله منذ عدة ‏قرون فى حين صعد المنحنى الحضارى الغربى ومن ثم أصبحنا فى حالة هزيمة حضارية، والفقه الإسلامى المعروف، ‏والذى أنتجه جهد واجتهاد علماء كبار وعظماء تم كله إما فى حالة الصعود الحضارى والسيادة الحضارية الإسلامية، أو فى ‏حالة التعادل الحضارى والاستقلال الحضارى تجاه الآخرين، وكان هذا الفقه عظيما ومناسبا ومستجيبا ومدركا لظرف ‏الاستقلال الحضارى الذى ظهر فى إطاره، ويعد من أروع وأخصب تجارب الفكر عموما والدينى منه خصوصا، ولكن هذه ‏الحالة الحضارية لم تعد موجودة ـ الآن ـ كما وكيفا، نحن الآن فى حالة هزيمة حضارية، وفى حالة اختراق وهيمنة غربية ‏وأمام تحديات استعمارية وصهيونية ونعانى من كثير من الأمراض الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وفى حالة تفكك ‏وتفسخ يخالف حالة الوحدة تحت راية الخلافة التى كنا عليها ، وفى حالة استبداد سياسى وتهميش وسلبية.. إلخ، وعلينا أن ‏نراعى هذا كله فى تقديم منظومة فقهية ـ جديدة ـ مختلفة كما ونوعا، ومستجيبة للطرف الموضوعى، وآخذة فى اعتبارها ‏الحالة التى نحن بصددها، ونحن نطلق على ذلك مصطلح "فقه الاقلاع"، نحن نريد إيقاف المنحنى النازل أو بلغة ‏الرياضيات تقليل عجلة النزول، ثم تقليل سرعة النزول، ثم إيقاف سرعة النزول، ثم عمل انقلاب فى المنحنى ومن ثم ‏الصعود من جديد، وهذه كلها مراحل لايمكن علميا ولا موضوعيا تجاهلها، والاستناد إلى المناهج القديمة والفقه القديم ـ ‏الذى كان عظيما فى زمنه تؤدى إلى كوارث بل تؤدى إلى خسائر وصدامات وقلاقل وإهدار طاقات بلا داعى، وسوف ‏تكرس الحالة ولن تحلها، وفى الحقيقة فإن هذه النقطة هى سبب فشل كل مشروعات النهضة ومحاولات الاصلاح بل وفشل ‏كل الحركات السياسية ــ ومنها الإسلامية - فى تحقيق أى أهداف إلى الأمام ، لأنها جميعا تجاهلت هذا المتغير النوعى، ‏وبديهى أن من المعروف علميا أن تحقيق هذا الانجاز بمعنى تقليل سرعة النزول ثم إيقافه ثم عمل إنقلاب فى المنحنى ومن ‏ثم الصعود تحتاج إلى طاقة عالية جدا، ليست طاقة كمية فقط ولا حسابية فقط، فمن المعروف مثلا أن الوصول من الصفر ‏إلى واحد يحتاج إلى طاقة أكبر من الارتفاع من 1 إلى 2 أو الارتفاع من -5 إلى -4 مثلا وتسمى طاقة الوضع.‏

نحن إذن نحتاج إلى اجتهادات شديدة المرونة وشديدة التميز وجريئة تكافىء كما ونوعا هذه الحالة اجتهادات تحقق الاقلاع ‏الحضارى المنشود، نحن فى حالة جد مختلفة، حالة الهزيمة الحضارية ـ حالة لم تمر علينا من قبل، نحن فى حالة جديدة ‏تحتاج فقه جديد هو فقه الإقلاع.‏
ومن ناحيتنا فإن الفقه الجديد يجب أن يعمل على مستويين ، مستوى الخطاب الداخلى للأمة لاخراجها من حالة السلبية ‏ومواجهة الاستبداد ومقاومة الغزو الأجنبى، مع عدم القفز على المراحل أو الدخول فى برامج ومطالب متصورين أننا لا ‏زلنا فى العصر العباسى، والاعتماد هنا ليس على الحكومات بل الشعوب، والحرب الشعبية بدلا من الحرب النظامية ‏وسلاح الاستشهاد.. الخ.‏

ونحتاج إلى خطاب خارجى يركز على المرونة وتقديم الجانب المضىء للحضارة الإسلامية باعتبارها حضارية غير ‏عنصرية وتحقق المساواة لكل البشر وتصلح أن تكون جذرا ثقافيا للفقراء والمستضعفين فى ثورتهم ضد الرأسمالية ‏والعولمة، وتحويل الإسلام إلى رأس رمح فى مواجهة المشروع الأمريكى الصهيونى.. وكلها أمور طبعا تحتاج إلى جهد ‏أكثر من عالم وأكثر من جهة علمية وسياسية وفكرية، وهذه دعوة يقدمها فقه الاقلاع للجميع لتقديم أطروحاتهم وأفكارهم ‏واجتهاداتهم بهذا الصدد.‏


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-10-2007   islamicnews.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. صلاح عودة الله ، أ.د. مصطفى رجب، عبد الغني مزوز، محمود سلطان، إسراء أبو رمان، حميدة الطيلوش، جاسم الرصيف، د - المنجي الكعبي، تونسي، أحمد بوادي، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد علي العقربي، أنس الشابي، مراد قميزة، ياسين أحمد، المولدي اليوسفي، الناصر الرقيق، عمر غازي، المولدي الفرجاني، د. خالد الطراولي ، عواطف منصور، عبد العزيز كحيل، عبد الله زيدان، طلال قسومي، رافد العزاوي، عمار غيلوفي، سفيان عبد الكافي، سلام الشماع، فهمي شراب، وائل بنجدو، كريم السليتي، سليمان أحمد أبو ستة، الهيثم زعفان، عراق المطيري، محمد اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، صالح النعامي ، سيد السباعي، الهادي المثلوثي، يزيد بن الحسين، محمد يحي، فوزي مسعود ، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، بيلسان قيصر، محمد الطرابلسي، أبو سمية، د - محمد بن موسى الشريف ، علي الكاش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد النعيمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحـي قاره بيبـان، نادية سعد، رمضان حينوني، د- محمد رحال، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، إياد محمود حسين ، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، محمد العيادي، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الرزاق قيراط ، كريم فارق، محمد عمر غرس الله، سلوى المغربي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد محمد سليمان، د - مصطفى فهمي، رضا الدبّابي، سعود السبعاني، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، منجي باكير، د - الضاوي خوالدية، أشرف إبراهيم حجاج، فتحي العابد، د. عبد الآله المالكي، رافع القارصي، طارق خفاجي، ماهر عدنان قنديل، أحمد ملحم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسني إبراهيم عبد العظيم، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مجدى داود، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، د- جابر قميحة، أحمد الحباسي، رشيد السيد أحمد، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، صلاح الحريري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. أحمد بشير، يحيي البوليني، فتحي الزغل، مصطفي زهران، د. طارق عبد الحليم، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، د - صالح المازقي، علي عبد العال، سامح لطف الله،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة