عائلة هندية مرتهنة لخمسة عشر عاما.. بسبب دين قيمته 150 دولار
آرشي أحمد (*) ترجمة: منصور منصور - الهند
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4401
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم تعد الغابة بحيواناتها تشكل خوفا وتهديدا للإنسان، بعدما بات الإنسان ذاته هو التهديد الأقسى لحياة أخيه الإنسان بل هو الخطر الأكبر الذي يهدد الغابة بحيواناتها!
نعم...هذا ما احتلني عقب قراءتي لرسالة شخص عرف نفسه بالصديق ،تقول الرسالة باختصار:
السيد شمبافي راج و زوجته وابنتيه محتجزون منذ أربع سنوات لقاء دين مقداره 20 ألف روبية( العنوان الكامل في مدينة سهرانه بور بولاية اوتار براديش).
وتساءلت مع نفسي ثم مع زملائي ، إن كان حقا؟! فكيف يحدث هذا في القرن الواحد والعشرين وفي دولة تتمتع بديمقراطية مبهرة في آسيا؟!
بشكل مبدئي توليت القضية وعليّ معالجتها بحكمة. قضيت ليلة قلقة بالأفكار والرفض، خاصة لعدم وجود وسيلة اتصال هاتفي بالعائلة تعطيني صورة واضحة عما حدث... بدأت الرحلة بخروجنا من فزنت كنج فجرا... الرحلة من نيودلهي إلى سهرانه بور ،شاقة، فالمسافة بالسيارة الخاصة تستغرق سبع ساعات تقريبا ولابد لي من العودة إلى نيودلهي قبل حلول الظلام ، فالطريق الوعرة والغير معبدة لمسافات، تسكنه عصابات التسليب ليلا...و في بالي كانت تتصارع صور للكثير من الاحتمالات والمواجهات وقد استعدت لها بعناد ومعي قائمة عناوين لجهات محلية نافذة في الشرطة والقضاء.
وصلنا المدينة التي تشتهر بصناعاتها الخشبية الحرفية عند الظهر،ركنا السيارة عند رصيف شارع منطقة جوانا نكر وصحبت السائق ماهيندر معي لندخل أزقة الطرف الغربي نبحث عن مكان العائلة حسب العنوان المتوفر لدينا.
وجدت المكان دون عناء ، وكان عبارة عن غرفة صغيرة بدت كورشة بدائية للنجارة ، فتحت بابها على الدرب الضيق المهمل دون وجود أي نوع من مظاهر الحجز القسري أو أي شكل من التهديد! وكان الرجل وهو خمسيني نحيل يعمل على شكل خشبي يشبه الوعل...حييته وسألت اذا كان هو السيد راج فرد بالإيجاب.
لم يكن هناك متسعا للجلوس فالخشب يشارك حاجات السكن الأدنى من المتواضعة في احتلال المكان، أدركت اني لن أتلقى دعوة للجلوس لكن ماهيندر تولى الأمر بإعداد بعض من الحاجات كمقعد غطاه بما توفر من قماش فجلست وأنا اعرف نفسي بأني أعمل في الصحافة وفي منظمة مدنية!
كانت السيدة راج تعد الطعام عند زاوية الملحق اتخذت كمكان خصص للطبخ..الفتاة الكبرى بدت في الثانية عشر أو أكثر قليلا انكبت على وضع أسلاك النحاس في شروخ لوح خشبي سداسي الشكل ثم تطرقه بمطرقة خشبية ، وكانت الفتاة الأخرى دون العاشرة تحتضن الخشب وتصقل فيه بمبرد صغير تبادلت الفتاتان النظرات و سرقتا النظر لي ولملابسي غير التقليدية بحياء... حييتهما فأطرقتا على عملهما.
بدا السيد راج متعاونا لدرجة الاستسلام، بسيطا،ولا يحمل أي خلفية مدنية حتى أني بذلت جهدا لتعريفه ما هي الصحافة وما هي الصحف وما معنى منظمة مدنية !وكذلك كان الحال للعائلة كلها ولما حاولت الاستعانة بالفتاتين أدركت أنهما أميتان؟!
بدأت بسؤال الرجل حول العمل و أسعار المنحوتات، فرد بأنه عامل ولا يعرف في الأسعار، وهتف بإحدى ابنتيه لتذهب وتطلب رب العمل، فلم أدعها تذهب وجلست معهم نتجاذب الحديث!
رفض الرجل فكرة الاحتجاز أو العمل تحت التهديد!وسألني مرتين إن كنت أعمل لدى الحكومة!! فأجبته بالنفي ، وتدخل ماهيندر ليشرح له ببساطته القروية عملنا!
القصة:
السيد راج كان قد استدان سبعة آلاف روبية هندية قبل حولي خمسة عشر عاما ليتزوج، وقد تنقل بدينه بين عدد من الملاك وأرباب العمل وهاهو يستقر منذ أكثر من أربع سنوات في هذا المكان، وقد تراكم دينه ليصبح اليوم عشرون ألف روبية رغم انه يسدد كل يوم عشرون روبية تستقطع من أجرتهم اليومية وهي تمثل الفائدة على أصل الدين!
اليوم يتقاضى السيد راج أجرا يوميا قدره مائة روبية من خلال عمله وعمل ابنتيه، يستلم منها ثمانون روبية ($1.70) بالكاد تكفيه للطعام مع تقشف قاس في المتطلبات كالصابون والسكر والشاي والغاز بينما يوفر له رب عمله السكن والكهرباء والماء.
لما قلت له بعد حسبة قليلة انه سدد فوائد بأكثر من مائة ألف روبية ابتسم وهو يهز رأسه بعادية وكأنه لم يصدق!
أخبرته باني مستعدة لمعاونتهم بتسديد ديونهم والتحرر من قيود المديونية ، سكت الرجل بينما تدخلت زوجته معترضة لتقول بإحباط ان تركهم لهذا العمل سيفقدهم المكان وفرصة العمل ثم قالت بحيرة: أين نذهب!
ذهبت إحدى الفتيات لتنادى رب العمل، دقائق وجاءت معه،وكان شابا مهنيا وبدا مهذبا وهو يرحب بي ويطلب الانتقال لزيارة معرضه القريب لمشاهدة الكثير من المصنوعات اليدوية..تكلمنا عن ديون السيد راج فلم يمانع من تسديد الدين،ولم تمض ساعة حتى احضر سند المديونية ..أعطيته المال وسلمني الوثيقة العتيقة التي كتبت في 15- 6- 1997.بمبلغ أربعة عشر ألف روبية! أي أنهم أضافوا ضعف المبلغ مباشرة كفوائد على أصل الدين!!
قلت للسيد مارهولتا ان المبلغ المثبت في سند المديونية أربعة عشر إلف روبية بينما اخذ هو الآن عشرون ألف روبية وكان يستقطع 20 روبية يوميا من أجرة السيد راج، ابتسم ورد ان الروبية الهندية كانت بقيمة أخرى قبل خمسة عشر عاما مستشهدا بسلسلة من فروقات الأسعار للسلع الاستهلاكية! والتفت إلى السيد راج الذي أومأ برأسه مؤيد لكل ما كان يقول السيد مارهولتا!
في كل حال انني سعدت لهذه المفاوضة السلسة وقدمت الوثيقة للسيد راج الذي نظر لها ثم أعادها لرب عمله!!
رد رب العمل انه لم يعد يحتاجها ، وللسيد راج الحرية بالعمل معه أو مع غيره ، فرفض السيد راح الابتعاد عن هذا العمل، بل انه رد حول الوثيقة ببرود :وماذا افعل بها أنا!
أخذت الوثيقة وقلت للسيد راج انه لم يعد مدينا لأحد ومزقت الوثيقة
قال السيد راج متسائلا: لماذا فعلت ذلك! وهل نذهب معك!
قلت له من اليوم فصاعدا سوف تأخذ أجرك كاملا من السيد مارهولتا، سوف تأخذ يوميا مائة روبية كاملة! ويمكنك ترك العمل متى تشاء!
كررت بأنه وعائلته أحرار ، ودعته وخرجت مع ماهيندر إلى حيث ركنا سيارتنا، كان لدى متسعا من الوقت...هاتفت زملائي بمعهد اكيودي وأخبرتهم بإيجاز عما حدث فهنئوني على نجاحي السريع!
بقيت في شبه صدمة وأنا أتجول في أسواق المدينة ..لاحت لي فكرة، فقمت بشراء أعداد من مجلات متنوعة ثم اشتريت جهاز تلفزيون وصحن لا قط وطلبت من البائع إرسال احد رجاله معي لتركيبه!
وكان لابد لي من شراء منضدة صغيرة للتلفزيون أيضا، وساعة منضدية رخيصة وجميلة الشكل بقطط متحركة، حملنا الحاجات وعدنا إلى مسكن وعمل عائلة السيد راج !
أعطيتهم المجلات المصورة ووضعنا لهم التلفزيون ، فشاهدت الفرحة في وجوههم ووجوه البنات بالتحديد، عند ظهور البث الملون، شرح لهم العامل كيفية التشغيل والإطفاء والبحث عن المحطات والخ
قلت له ليصنع صندوق صغير يضع فيه يوميا ال 20 روبية..لأنني سوف أعود وأخذها يوما..وإذا لم اعد بعد سنة أو سنتين فهو حرا في التصرف بما داخل الصندوق!
في بالي دارت الكثير من الأفكار بعمل مستقل لهذه العائلة.. القضية تحتاج إلى الوقت والصبر والإرشاد أكثر مما تحتاج إلى القليل من المال!
من يدري ماذا يحمل لنا المستقبل من أقدار!
لم انتظر أي نوع من الشكر..ولم أحصل سوى على ابتسامات البنات ونظرات السيد راج الحائرة وهمهمة السيدة راج التي لم افهما..عدت من حيث جئت مطوية بالصمت، وفرحتي لما قمت به تصاحبها رغبة بالبكاء!
-------------------
*من ملفات معهد اكيودي لمكافحة الخوف
www.aqdi.org
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
3-01-2013 / 07:56:18 تونسي