فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9152
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مثلت حادثة فتاة الليل فرصة لمحترفي البكاء أن يضمنوا تواصل نشاطهم الفريد، هذه الكائنات التي اقتطعت تذاكر التسيير الحصري للأزمات والكوارث والتمعش منها بحيث لا يحلو لها العيش إلا بين الخراب ولا تطمئن نفوسها إلا في عالم الكآبة والقتامة، وهي بعد ذلك لا تفتأ جاهدة في تلويث جوارها بدواعي النحيب والشؤم ولا تنقطع عن عدواها إلا حين يتلوث المحيط بأقدار من عفنها.
لعله يحسن التوضيح منذ البداية أن الردود على هذه الحادثة يجب النظر إليها من خلال إرجاعها لدائرتين من الأسباب المحركة لردود الأفعال، أولهما دائرة المساعي الحثيثة لتعطيل الثورة من خلال توليد الأزمات، وثاني الدائرتين أن منبع هذه المساعي أساسا هي إيديولوجية ثقافية، إذ أن أصل الأمر هو تخوف أعداء الثورة أصحاب الثقافة الغربية أولئك الذين كانوا متحالفين مع النظامين السابقين، خوفهم من أن يصل تحرر التونسيين حد المطالبة بالتخلص من النمط الثقافي والمجتمعي الذي أجبروا عليه منذ الاستقلال، وهو النمط الذي يبيح التسيب الأسري والتفكك الاجتماعي والإعلاء من قيم الفسق وتقديم كل تلك الممارسات في إطار موهوم موسوم بالتحرر والتقدم، وهذا ما يفسر كون عموم الرافضين للثورة هم حملة مشعل الثقافة الغربية والفرنسية تحديدا، فهم يدافعون عن مصالح ذاتية وعن نمط مجتمعي موبوء نشؤوا فيه وهم لا يملكون الخلاص منه، وهم يرون التحرر الثقافي من النموذج الغربي نذيرا بالموت لهم تحديدا وهذا ما يفسر استماتة هؤلاء في تحركاتهم.
أما عن الحادثة موضوعنا، فإنه لو كان الحال غير حالنا لكانت حادثة فتاة متسيبة تداول عليها فردان من بعد أن وطئها قبلهما صعلوك آخر، لكانت أمرا يسجل على أنه واقعة زنا اشترك فيها أربعة أطراف يستحقون كلهم العقاب، مع عقاب اشد للساقطة إذ خرجت ليلا مع غير محرم سعيا وراء الزنا.
وأما الحال في تونس فإن الأمور تطورت بتدخل الغربان من أبناء فرنسا، فكان أن حرفوا الوقائع واقتطعوا أجزائها بما يخدم أهدافهم، ووصل نشاطهم حد الدعوات بتسيير المظاهرات المساندة لفتاة الليل والمطالبة بصيغ قانونية لحماية الزانيات المتسيبات، واعتبار التهتك العام نوعا من الحرية الشخصية التي يجب التنصيص عليها في الدستور.
ولسبب ما فإن دعاة التسيب لكأنهم يريدون أن يقنعونا أن فتاة الليل هذه ذات عفة وطهر يكاد يقارب ذاك الذي لدى السيدة فاطمة الزهراء، ولسبب ما فإن هؤلاء لكأنهم يريدون أن يقنعونا أن فتاة الليل هذه إنما خرجت في الليل للتهجد وأنها كانت تقيم الليل فباغتها هؤلاء المجرمون، وأنها كانت مع زوجها أو أخيها وليس خليلها.
أنا لست متأكدا أن الفتاة التي تسعى للزنا وتقيم العلاقات المحرمة وتخرج ليلا لذلك، تستحق أكثر من بصقة تتقاسمها بالتساوي هي وأسرتها التي لم تحسن تنشئتها، ولكني متأكد أن من يدافع عن الزانيات تحت مختلف المسميات إنما يمثل خطرا أكبر على المجتمع من التي ترتكب الفاحشة ذاتها، وهذا مغزى التحذير من خطورة حملة مشعل الثقافة الغربية.
وأنا أتفهم كون مجمل من يثيرون ضجة بزعم الدفاع عن فتاة الليل إنما هم ينطلقون من دافع ذاتي قبل كل شيء يستحثهم للذود عن نمط حياتهم الخاص المنفلت من كل ضوابط وهو النمط الذي يعيشه أغلبهم واقعا في بؤرهم الموبوءة وعوالمهم الخاصة.
وهم حين دفاعهم عن الزنا والزانيات إنما يدافعون عن أنفسهم بطريقة ضمنية، وهم حينما يدافعون عن نمط الحياة المتسيب الذي يريدون فرضه على التونسيين إنما يدافعون عن النمط المجتمعي والثقافي المهلهل الذي يعيشه أغلبهم.
ولكن سيكون من الصعب على دعاة التسيب أن يقنعوا التونسيين مثلا أن الفتاة السوية الجديرة بالاحترام تقبل أن تخرج ليلا مع أحدهم ممن ليس بمحرم، وسيكون من الأصعب عليهم أن يقنعونا أن الزانية التي يقبض عليها متلبسة يمكن أن تكون امرأة تستحق أن تسير من اجلها المظاهرات، إلا أن تكون مظاهرات مطالبة بتشديد العقاب عليها لكي تكون عبرة لغيرها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: