عصابات محاربي الهوية لا زالت تحكم تونس
تعيين إقبال الغربي على رأس إذاعة الزيتونة
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 15673
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رغم أن الثورة التونسية أطاحت بمجمل هياكل النظام البائد، فإن المنظومة الفكرية والثقافية التي بناها بن علي بالتحالف مع شراذم المنبتين فكريا دعاة الإلحاق الثقافي، استعصت على الانهيار وواصلت بقائها بعد الثورة متحدية كل التونسيين، ولعل المستوى الثقافي والفكري لمنظومة بن علي هو المستوى الوحيد تقريبا الذي لم يكد يلمسه أي تغيير.
ومن المفارقات أن أصحاب هذه الوجوه الكالحة الذين طالما تواطوؤوا مع بن علي وساهموا في تكريس تسلطه على التونسيين، وبنوا الشرعية الثقافية والفكرية لنظامه من خلال تحريفهم للإسلام والتلاعب به لتمرير عمليات الاقتلاع المنهجي التي كان ينفذها النظام البائد ضد الهوية العربية الإسلامية، هؤلاء أصبحوا بعد الثورة رموزا تتصارع وسائل الإعلام لاستضافتهم، لكي يتحدثوا ويفتوا في كل شيء، بل ويعلى من شأنهم فيكلفون بالمناصب الهامة بعد الثورة، رغم أنهم مجرمون في حق التونسيين وفي حق الهوية من لغة ودين، كان يفترض أن يقع الحجز عليهم بعيد الثورة ويحالوا للمحاكمات مثلما وقع مع عبدالله قلال وعبد الوهاب بن عبد الله، لان هؤلاء أجرموا في حق هوية البلاد التي تلاعبوا بها، وهو جرم اكبر من سرقة المال أو الفساد السياسي التي سجن من اجلها مساعدو بن علي السياسيون.
وآخر عمليات الالتفاف على الثورة هو تعيين الدكتورة إقبال الغربي على رأس إذاعة القرآن الكريم إذاعة الزيتونة، وهو أمر يمثل بكل المقاييس إهانة للتونسيين، ودليل على أن جند بن علي من الجرأة بحيث يتصرفون بكامل الحرية حد السخرية من التونسيين، آمنين ردود فعلهم، وهي مرحلة تمثل أعلى درجات الإحساس بالقوة والمنعة.
إقبال الغربي إحدى الرموز الفكرية لليسار الانتهازي، وهي الجماعة التي تولى كبرها عبد المجيد الشرفي بقسم الحضارة بكلية منوبة، حيث برزت العديد من الوجوه التي استغلت عقود القحط العقدي وحالة عداء النظام لهوية البلاد، لتعيث فسادا في المنظومة الجامعية، ساخرة من هوية البلاد لغة ودينا بالتشكيك والسخرية، من خلال الرسائل الجامعية المشبوهة، ثم ينطلق أولئك الأتباع فور تخرجهم ليعينوا في المناصب الحساسة ويرتقوا سريعا سلم المناصب ليعبثوا بدورهم بهوية البلاد بما استحفظوا عليه من مسؤوليات.
وإقبال هذه معروفة بانتماءاتها اليسارية حينما كانت طالبة وبالتحديد انتمائها لفصيل الوطنيين الديمقراطيين (الوطد)، وهي مقربة من وزير الشؤون الدينية الحالي الذي بدوره لا يعرف كيف عين مسئولا على أمور الدين. ومكنها اللوبي اليساري الانتهازي من خلال تحالفه مع النظام البائد، من شهادة التأهيل في العلوم الإسلامية –لأنها أساسا ليست ذات اختصاص بأمور الإسلام فهي مختصة في علم النفس-، ثم سرعان ما أسندت إليها مسؤوليات صلب جامعة الزيتونة، ومن هناك انطلقت في مهمتها الدعائية ضمن فريق النظام البائد في خطة تجفيف المنابع أي ضرب الهوية، من خلال أساليب التشويه للإسلام تارة والتحريف أخرى، فهي معروفة بدعواتها للتحرر الجنسي، وتسخر من الحجاب الشرعي وتعتبره دليلا على الكبت الجنسي، وترى أن الحدود الشرعية لا إنسانية (1).
إقبال هذه، يريد جند بن علي الذين لازالوا حاكمين بأمرهم في تونس بعد الثورة، أن تتولى أمر إذاعة القران الكريم، التي يبدو أنها أقضت مضاجعهم، وهو الشيء الذي لم يتجرأ بن علي ذاته على فعله.
عدم تتبع عصابات الإلحاق الثقافي، يشعرهم بالقوة
يجب القول أن عملية التعيين الجريئة هذه، ومن قبلها فرض أفلام فرنسية مشبوهة على المنظومة التعليمية، تمثل كلها عينات على سطوة هؤلاء، ولكنها أكثر من ذلك تؤشر على عجز التونسيين عن الانتباه لخطورة عصابات الفساد الثقافي التي كانت تمثل ذراع بن علي.
التونسيون انتبهوا للفساد المالي والفساد السياسي والفساد القضائي والفساد الأمني، ولكنهم لم يعطوا اهتماما للفساد الثقافي، وهو أمر خطير.
لماذا لم تكوّن لجان تحقيق في أمر بعض الشهادات الجامعية المشبوهة التي أسندت بكلية الحضارة بمنوبة، من حيث مواضيع تلك الشهادات التي تدور كلها في التشكيك في الهوية عموما، ثم في الضعف العلمي لبعض تلك الرسائل.
لماذا لا تكوّن لجان تحقيق في سبب تحول وزارة الثقافة لممول لأفلام تحارب هوية البلاد، وكيف غضت هذه الوزارة الطرف عن تحول دور الثقافة لبؤر لبعض الأطراف وأصحابهم دون غيرهم من الناس، يعرضون فيها إنتاجات هزيلة تتمحور جلها في التشكيك في هوية البلاد من لغة ودين.
لماذا لا تكوّن لجان تحقيق حول غض الطرف عن تلقي المنتجين التونسيين للتمويلات الأجنبية في أعمالهم الثقافية من أفلام وغيرها، وارتباطاتهم بالسفارات الأجنبية، وتحول كل ذلك لعمليات إلحاق ثقافي بفرنسا.
لماذا لا يفتح تحقيق حول موافقة وزارة التعليم، على تدريس بعض المدارس والمعاهد التونسية للبرامج الفرنسية ، بل وفرضها تلك البرامج على من يرفض تلقيها من التلاميذ التونسيين، وهو ما يمثل عملية إلحاق ذهني للنشئ التونسيين بفرنسا، في أبهى مظاهرها.
لماذا لا يفتح تحقيق حول سبب إنشاء إذاعات عمومية ناطقة بالفرنسية وموجهة للتونسيين، بحيث يستعمل المال العمومي لتكريس التبعية الثقافية لفرنسا تحديدا، وهو أمر لا يكاد يوجد إلا في تونس، إذ تستعمل الإذاعات المحلية الناطقة بلغة أجنبية عادة لتمرير الثقافة المحلية وتكون موجهة للأخر، وليس كما يقع لدينا تستعمل تلك الإذاعة الموجهة للتونسيين لتكريس الثقافة واللغة الفرنسية على حساب لغتنا وثقافتنا.
لماذا لا يفتح تحقيق حول أسباب السماح بضرب اللغة العربية بوسائل الإعلام المحلية وخاصة منها المرئية والمسموعة، بحيث يسمح باستعمال اللغة الفرنسية والدارجة عوض العربية.
ولان أي من هذه المسائل الثقافية الهامة لم تتناول بالبحث من طرف التونسيين، فان عصابات الإلحاق الثقافي بقيت طليقة واستشعرت القوة، ولذلك فهي تتحرك كما تشاء وتفعل ماتريد.
8-02-2012 / 12:40:36 مبروك