من أراد أن يعرف أعداء الحداثة في تاريخنا الحديث من هم؟ يكفيه أن يقرأ أدبيات من نصبوا أنفسهم ناطقين باسمها وممارساتهم أيَّ صنفيْهم أخذتَ لأنهما قد اتحدا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وخضوعهم لرب واحد يمول خلاياهم المسماة مجتمعا مدنيا أو البروتاز العميلة استبدالا لحركية المجتمع المسلم الذاتية بمن ربتهم جوندليزا رايس ومولتهم المصالح الأجنبية لقلب قيم المجتمع والحضارة:
صنف الوضعانيين التابعين للعلمانية اليعقوبية التي تزايد حتى على روباس بيار الذي اضطر بمنطق الجدوى السياسية إلى وضع دين الكائن الأسمى إدراكا منه لامتناع الثورة السياسية من دون سند روحي.
وصنف اليسار التابع للحزب الشيوعي الفرنسي(حتى بعد ضموره إلى حد الصفر) الحزب الذي بقي ستالينيا حتى بعد سقوط ستالين أي إنه كان أكثر ملكية من ملوك الكرملين إلى أن تبلرلوا فصار يزايدون حتى رامسفيلد في الدعوة للتدخل الأجنبي في الشأن العربي.
لذلك فهم جميعا ودون استثناء وخاصة بعد حلفهم مع الأنظمة العسكرية العربية التي مولت استخدامهم في الدعاية لها وفي تزيين أنظمتها لدى مستخدمهم جميعا أعني المصالح الاستعمارية أعداء الحداثة نظريا وعمليا:
فنظريا كل من يقرأ أدبياتهم يدرك أنهم يتصورون الحداثة:
1- حربا على الدين
2-وفصلا له عن السياسة.
وهم يزعمون التخصص في النقد الديني نفيا للمتعاليات وردا لكل الأديان إلى أساطير الأولين. فإذا قرأت رؤاهم حول علاقة الدين بالسياسة تجدهم متخلفين حتى على النقد الماركسي الذي يسمو عليهم على الأقل بالاعتراف بأنه لا يعيب على الدين القيم التي يدعو إليها (إذ هو يسعى إليها هو بدوره: المساواة والأخوة والتحقق الأسمى للكيان الإنساني) بل هو لا يعيب عليه إلا تحويله إلى أفيون يحول دو السعي الفعلي لتحقيق هذا القيم ويؤجلها إلى يوم الدين.
أما إذا نظرت إلى تخريفهم حول فلسفة الدين والنقد الديني فإن أرقى مفكريهم في تونس ومصر يمثلون التعين المطلق للدجل من الطراز الأول لأنهم يكذبون حتى في ما يوهمون غيرهم بأنهم من أهل الاختصاص فيه من الشروط الدنيا لمثل هذه البحوث. ولست بحاجة أن أسمي فالأسماء معروفة وهي قد عبرت عن غبائها وجهلها بمعنى العلم وبمعنى أخلاق العلماء في آخر تصريحات صدرت عن بعضها في الإعلام المأجور وفي آخر مناورات قام بها بعضها الآخر في الهيئة السفلى خدمة للمريب من الأجندات.
وعمليا كل من يكشف عن ممارستهم يفهم أنهم يشترطون في العمل السياسي التحلل من كل القيم الخلقية والروحية متجاوزين حتى المكيافيلية بحيث إن جل رؤساء أحزابهم تجدهم خريجي أجهزة الأمن الخادم للمافيات الحاكمة وهم إذ يتكلمون على الديموقراطية فقصدهم ليس حكم الشعب لنفسه بل وصايتهم عليه حتى يبقوا على ما يحصرون فيه مفهوم الحرية أعني تسيب البطن حتى بإجاعة الشعوب والفرج حتى بالاعتداء على بنات الناس في المؤسسات التعليمية.
إن الأحزاب التي كانت من أدوات المافية السالفة المغلوبة قد قبلت أن تواصل خدمة المافية الخالفة الغالبة بدليل أنها تستخدم نفس الجماعات اليسارية خريجة الداخلية استعمالها لبعض المندسين في التيارات الدينية بعد الثورة لهرسلة من تتصورهم منافسيها الحقيقيين بعد أن عادوا للساحة السياسية. لكن هذه السياسة لم تعد تنطلي على الشعب التونسي الذي ثار من أجل الهدفين المضاعفين التاليين:
إتمام الشروط الفعلية للاستقلال أعني حرية الإرادة السياسية والقدرة الاقتصادية.
إتمام الشروط الرمزية للاستقلال أعني حرية الإرادة التربوية والقدرة الثقافية
وكل الشباب بات يدرك أن شرط هذه الشروط الأربعة هو الحرية الروحية التي تجعل القيم النظرية والعملية والجمالية نابعة من الذات أعني القيم التي كونت هذه الأمة فعينت كيانها في التاريخ بأحيازه المقومة لذاته أحيازه التي يتجاهلها المتكلمون باسم الحداثة لفرط سذاجة فكرهم وسطحية تحليلاتهم أعني الأمرين اللذين يفسران انعدام وزنهم وحاجتهم إلى العكازين المرضيين المنافيين لكل حداثة وديموقراطية أعني الاستبداد والفساد لدى حامييهم الداخلي (الفاسد من الأجهزة الأمنية والعسكرية) والخارجي (مافية الاستغلال الاقتصادي والاستلاب الثقافي).
وجهلهم المدقع هذا بمحددات الفعل السياسي السوي الذي يمكن أن يؤسس لحداثة أصيلة وسطحية فكرهم الساعي إلى فهم علل الوزن السياسي للحركات التي يريدون محاربتها بالاعتماد على حامييهم هي التي تحدد كيان أي شعب فتجعله متناغما مع من يدير الفعل السياسي المناسب لتاريخه والمحقق لطموحاته برضاه ومن ثم الغني عن الاستبداد والفساد وغير المحتاج حماية من قبل الأجهزة الفاسدة والمستبدة وحماتهم من قوى الاستغلال الاستعماري. فهذه المحددات هي الأحياز الكيانية التي لا تخلو منها حضارة وأمة:
فهي التي تحوز المكان الذي يسمى دار الإسلام فتعين حدوده وضمنها الوطن العربي وفيهما يجد جل الشباب التونسي نفسه في امتداد هو محله أو منزله الطبيعي.
وهي التي تحوز الزمان الذي يسمى تاريخ الحضارة الإسلامية فتعين حدوده وضمنها تاريخ الشعب العربي عامة والشعب التونسي خاصة وفيهما يجد جل الشباب التونسي نفسه في مدة سكنه فيه.
وهي التي تحوز سلم المنازل والأدوار الاجتماعية فتعين درجاته وفيها يجد التونسي أواصره الاجتماعية والقيمية فتحدد أخلاقه العامة ومن ثم اللحمة التي تربط الجميع بالأخوة.
وهي التي تحوز الدورة المادية فتعين حدودها وتجعل ما يجري في أي بلد عربي من المعاملات والتكامل بين وظائفها لهما ما يماثلهما في ما يجري في بلده بحيث هو لا يشعر بالغربة عند الانتقال من بلد إلى بلد عربي بل هو يشعر بأن بين أهله وعشيرته.
وهي أخيرا التي تحوز الدورة الرمزية فتعين حدودها وتجعل رؤى العالم وفهم الوجود مشتركة بين كل الشباب العربي ولعل أكبر الأدلة على صحة هذه الوحدة الرمزية هو انتشار الثورة التي بدأت في تونس وعمت كل الأقطار العربية رغم أن بعضها لم يصل بعد إلى مرحلة الانفجاز الذي حصل في بعضها الآخر. لكنه آت لا ريب في ذلك.
لذلك فليناوروا ما عنت لهم المناورة وليتآمروا مع كل متآمر. والمهم أن يدركوا أنهم عليه أن يختاروا بين حلين لا ثالث لهما:
فإما أن يرضوا بوزنهم الحقيقي فيعيشوا في سلام مع بقية مكونات المجتمع إن أرادوا الانتساب إليه حقا تسليما منهم بأن الثورة قد قضت نهائيا على إمكانية استعمال العكازتين أعني دكتاتورية المافية وحماية الاستعمار.
أو أن يفعلوا ما فعل الحركيون في الجزائر بعد خروج فرنسا منهم فيرحلوا بسلام. وإني واثق من أن مصيرهم لن يكون أفضل مما حصل للحركيين: ستجمعهم فرنسا في معازل أو جيتوات إلى يوم الدين.
وهبهم نجحوا فزيفوا الانتخابات. وهبهم وجدوا عسكريا غبيا يلعب لعبة الزين. وهب الاستعمار الفرنسي يعيد الخطأ الذي حرم فرنسا من صداقة الشعوب التي كانت مستعمرات لها. هب ذلك كله حاصلا. لكن لن يجدي نفعا. سيؤخر بعض الوقت ثمرات الثورة. وقد يغير طبيعتها من سلمية إلى حربية. والبادئ أظلم. لكن التاريخ لن يعود إلى الوراء.
أما الأحزاب التي فرخت عن التجمع فإنها إذا لم تصف حساباتها في ما بينها لكي ينحاز الصالح منها إلى قيم الحزب الذي قام بمهمة تحرير تونس من الاستعمار ضد انحرافاته التي آلت به إلى أن يرثه مافية بن علي المغلوبة وإلى أن تحاول مافيته الغالبة حاليا أن تعيد حكاية السابع من نوفمبر المشؤومة فإن مصيرها لن يختلف كثيرا عن اليسار الغبي: ذلك أن من أفسد الحزب الذي حرر تونس هم من استخدمهم بعض زعمائه لاستبعاد أكثرهم إخلاصا للأمة ولقيمها. وهم جميعا من اليسار سواء أخذوا مباشرة من أحزابهم كالحال مع ابن علي أو عن طريق اتحاد الشغل أو اتحاد الطلبة كالحال مع بورقيبة.
وكل من قام بذلك فامتاز عن مافية ابن علي وفاسد اليسار المتخرج من الداخلية والتزم بقيم الحزب الذي حرر البلاد من الاستعمار فإنه من أبناء تونس الخلص. وهم حتما موجودون في الحزب الدستوري التونسي. إنهم هم الذين أدعو إلى المصالحة بينهم وبين الثورة حتى يقوى صف الثورة ولا تخسر أي من المخلصين لهذا الوطن. أما المعارضة الكرتونية وحتى من كنا نتصوره منها صامدا أمام إغراءات النظام البائد فإنهم قد سقطوا جميعا في أول امتحان منذ يوم الثالث عشر من جانفي وخاصة في المظاهرة التي نددت بأبطال القصبة الثالثة أعني من يدعون تكوين قطبا حداثيا بفكر قروسطي يريد أن يحكم الشعب بالوصاية المافياوية من خلال تمويل أرباب "الأفاريات الدخلانية والبرانية" لحملاتهم الكسكروتية والإعلانية .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: