عقلية اليسار الفرنكفوني لاتزال تتحكم في المشهد بتونس بعد الثورة
نادية الزاير – بناء نيوز - تونس المشاهدات: 7172
ما من فتاة محجبة في تونس إلا وعانت الأمرين في عهد المخلوع بسبب تمسكها بحجابها ودينها، وأينما ذهبت تعامل كغريبة في بلدها الاسلامي، تتابعها كلمات السخرية والاستهزاء والقدح وتتسلل الى أذنها لتجرح قلبا آلمته الغربة وان كانت غربتهن في بلدهن.
مشاهد النبذ والاقصاء عديدة إما بسبب بوليس يستوقفها في الشارع ويهينها ويسمعها من الكلام البذيء ما تكره بل ربما يمد يده الآثمة ليخلع تاج عفافها، أو برفضها عند التقدم لإجراء مقابلة عمل لا لشيء الا لكونها محجبة، أو بمنعها من الدخول إلى مؤسسة عمومية وخاصة الحكومية منها، وكأنها تحمل " تهمة في سجلها المدني هي الحجاب"و كأنها من "دين آخر" أو نوع بشري آخر أوهي وكما كان يسميها الحزب الحاكم وردده العديد من أتباعه " ظاهرة شاذة ودخيلة على عاداتنا وتقاليدنا التونسية ".
ليس هذا وحسب بل ان بعض المثقفين على غرار سلوى الشرفي وألفة يوسف وصلوا الى حد تحريف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنص على الحجاب واعتلوا المنابر لترويج هذه الأفكار التي صار الكل يرددها كالببغاء ويعتمدها كمرجع" مقدّس" ومبرر لكل التجاوزات والانتهاكات في حق المحجبات.
ولسائل ان يسأل إذا كان هذا من الماضي فما الداعي الى التذكير به الآن ؟
للأسف يا ليته كان ماضيا فحسب، يا ليته كان ماضيا ولّىّ بعد الثورة التي ظننا أنها ستحررنا من كل أشكال الاضطهاد السابقة ولكن أكثر من حالة تشهد على تواصل هذه العقلية إلى اليوم وإن كانت بأساليب غير معلنة كما كانت في عهد المخلوع.
سواء أعوان الأمن الذين كانوا يهينون المحجبات أو المسؤولين في المؤسسات العمومية أو غيرهم الكل كان يبرر أفعاله المشينة بقوله أنه " عبد مأمور" وعليه تطبيق المناشير التي روجها بن علي والتي تمنع ما أسماه "اللباس الطائفي" ولكن لو كان ذلك صحيح فما بال البعض باق على نفس النهج الى الآن وبنفس العقلية ونفس نزعة الكره والتحامل على المحجبات.
هذا السؤال ذاته خامر جميلة الرياحي التي التحقت بعملها الجديد كعاملة تنظيف في مؤسسة عمومية مباشرة بعد شهر واحد من الثورة، حينما ذهبت لمقابلة المسؤول وهي ترتدي حجابها من دون خوف او ارتباك ظنّا منها أنّ زمن الخوف الذي كانت تهان فيه بسبب حجابها ولى دون رجعة، ولكنها فوجئت به وهو يقول لها " إن أردت التحجب فحري بك البقاء في منزلك وإن أردت العمل فعليك أن تخلعيه".
لم تصدق جميلة ما سمعت ولكن نظرا لحاجتها الماسة للعمل قامت بنزعه واختممت حديثها عن هذا الموقف بقولها " أدركت حينها أنهم لم يكونوا يتصرفوا على ذلك النحو خوفا من بن علي أو بأمر منه بل سولت لهم أنفسهم وعقولهم المريضة فعل ذلك وما يزالوا ..."
لم تكن جميلة هي وحدها من اكتشف هذه الحقيقة المؤلمة بل منذ يومين فقط اتصلت شركة تابعة لمجموعة شركات معروفة بالبحيرة بمجموعة من خريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل يزاولون تكوينا في اللغة الانقليزية تحت ما يسمى بمنظومة 21/21، تمكنت الشركة من الحصول على ملفاتهم عن طريق مكتب التشغيل وهم سبعة أشخاص من بينهم أربع محجبات وشابين وفتاة غير محجبة وبمجرد انتقالهم لإجراء اختبار شفاهي للحصول على الوظائف الشاغرة وإذ بهم يفاجؤون بالسكرتيرة ترتبك عند رؤيتها للمحجبات و تتجه نحو رئيسها في العمل الذي استخدم دهائه لطرد المحجبات بطريقة غير مباشرة حيث قال لهم " نحن في حاجة فقط إلى فتاة وشابين".
وعلقت فاطمة وهي إحدى الفتيات المحجبات اللاّتي تعرضن لهذا الموقف قائلة "رغم مراوغته حتى لا ينفضح رفضه لنا بسبب الحجاب، إلا أن الرسالة وصلت إلى جميع الحاضرين بدون استثناء وفي الحقيقة شعرت بالظلم لأني علقت آمالا كبيرة على مرحلة ما بعد الثورة ظنّا مني أني سأعامل وأقيّم حسب كفاءتي في العمل وليس لنفس الاعتبارات التي منعتنا الحق في الشغل خلال العهد البائد."
النخب والحجاب ؟!!
موقف آخر مشابه تعرضت له زميلة صحفية محجبة خرجت بعد الثورة للتظاهر مع نقابة الصحفيين للمطالبة بحقها في العمل وهي تحمل لافتة كتب عليها "لا لإقصاء المحجبات " أمام مبنى إذاعة موزاييك وطرحت سؤالا مباشر على مدير الإذاعة قائلة "اذا تقدمت صحفية محجبة للعمل هل تمنحها نفس فرصة العمل كغيرها؟"
وقبل أن يتمكن مدير الإذاعة من الرد تلقت الإجابة من الصحفيين الشبان أعضاء النقابة الذين هاجموها برفضهم لطرح السؤال من الأساس كما ذكروها بأنها في مظاهرة تقوم بها النقابة في صلب نظام مدني ولا يجوز لها قول " بسم الله الرحمان الرحيم" أو "شالوم " .
هؤلاء هم أنفسهم من طالبوا بحرية التعبير وحرية الإعلام والديمقراطية وقبول الآخر منعوها حقها في التعبير وممارسة حريتها كإعلامية محجبة ولم يستطيعوا التخلص من رواسب العقلية السابقة وقبولها كما قبلتهم هي وانضمت اليهم ايمانا منها أن الاختلاف لا يفسد للودّ قضية.
وإن كانت هذه الحالات ليست سوى مجرّد أمثلة للبرهنة على الحقيقة فحسب فإن ما رسخ في بعض العقول من فكر معاد للحجاب، وخاصة لدى بعض النخب التى تدعي الحداثة والتقدمية والتنوير .. يؤكد أن المخلوع رحل ولكن الممارسات التى تقصي طرفا معينا لم ترحل، وان العداء للهوية لم يكن مسالة شخصية تتعلق براس النظام بل كان خيارا لفئة من التونسيين الذين تمترسوا ببن علي لاستهداف هذه الهوية، وهو ما يؤكد ان من زينوا للمخلوع افعاله لايزالوا يواصلون السير على نفس النهج الذي رسموه معا.
--------------
وقع التصرف في العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: