د - محمد بنيعيش - المغرب
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6519 benyaich_tetouan@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أولا:زئبقية المناسبات والمفارقات في الواقع المعاصر
من التمويهات التي قد يستغل بها الشيعة المعاصرون مشاعر الجماهير المنفعلة للتوهيم بمصداقية مذهبيتهم وأولويته في الريادة العامة للأمة الإسلامية هو ما طفا على أحداث الساحة العامة من سياسات وحروب ومزاعم انتصارات...
فمن ضمن هذه الأحداث قد نجد التركيز على مظاهر قوة إيران الفارسية وأبواقها الإعلامية النافخة فيها بشكل بلوني ،ومن جهة أخرى التذرع بالانتصار المزعوم والساحق الفائق لحزب الله اللبناني الشيعي على القوات الصهيونية ومخططاتها.
إذ هنا قد تبدو معالم الزئبقية والانتهازية لتمرير مذهب الشيعة بحمولاته المتناقضة والمتخلخلة إلى وعي الجماهير العامة والغائبة ثقافيا وفكريا كليا عن علم الملل والنحل وأصول الدين والعقائد.
فهذه المزاعم كما نرى هي مجرد ديماغوجية واستدراجات ضاربة على أوتار الانفعال النفسي المتطابق تماما مع المنهج الشيعي برمته والمبني على إثارة المشاعر وتهييجها بالنحيب والثارات من خلال أحداث واضطرابات اجتماعية وسياسية وتاريخية.
ونحن هنا قد لا نرفض بالكلية هذا الأسلوب من التحريك الجماهيري نحو التوحد والتعبئة الشاملة وما إلى ذلك ،وخاصة إذا كان هذا العمل قد يخدم المصلحة الوطنية ويشحن الطاقات الشابة والشائبة معا من أجل رفع شعار المقاومة ودعمها ماديا ومعنويا ونفسيا وسلوكيا...وذلك لأن لكل بلد رؤيته وأسلوبه ومناهجه في ترسيخ هذه الوحدة وضمان استمرارها من أجل الصالح العام.
فهذا العلم قد نقره مبدئيا إذا كان مجرد مظاهر عادية للاجتماع البشري وتكاتفه من أجل البناء والبقاء وحماية الثغور وتثبيت أولياء الأمور...لكن الرفض قد يأتي حينما يصبح هذا التجييش مبنيا على عقائد دينية ثابتة ومستغلة بشكل مبتور من طرف هذا الطرف أو ذاك مع نية مبيتة للتصدير السياسي بالعنف والكيد نحو الآخر،وهنا مكمن الخطر.
لأن خسارة حرب أو صفقة تجارية أو مباراة رياضية ليست من الضرر بقدر خسارة عقيدة وارتباط مصيري بالحق أو خسارة الانتساب الديني الصحيح والضامن للسعادة الأبدية أو على العكس من ذلك الآيل عند انقطاع الصلة به إلى الشقاوة السرمدية الخالدة والعياذة بالله ،وخاصة حينما تهدر الأصول وينقطع الاتصال ويتعذر الوصول،كما يقول المثل في طريق المسافرين محذرا:أن تتأخر في الوصول خير من أن لا تصل !
في حوار مع طلبتي حول موضوع التشيع - كمقرر جامعي في الفرق والمذاهب- أثار بعضهم هذه المسألة كانجراف نحو أحداث العصر كتبكيت وتنكيت حينما طرحت مسألة المقارنة بين عقائد ومنهج أهل السنة في مقابلتها بالتشيع وأوجهه.
فكان جواب أحدهم أو كثير منهم هو :ماذا قدم لنا أهل السنة في عصرنا هذا سوى الكلام والخلافات والتنازلات...بينما الآن نرى حزب الله اللبناني الشيعي قد أعطى درسا للصهاينة وأفقدهم ثقتهم بجيشهم الذي لا يقهر حسب شعاراتهم،في حين وعلى نفس الوتيرة نرى أن إيران الفارسية الشيعية قد أصبحت دولة تكنولوجية وعسكرية قوية وهي الآن بصدد صنع القنبلة النووية(والقرينة الكحلة )التي قد تهدد به الغرب برمته...
هذا السؤال قد جاء في لهجة تبجح ونشوة بالانتصار الفكري المستند على الواقع الذي لا يماري فيه اثنان حسب زعم السائلين المغرر بهم...
لم أمهل نفسي لحظة للتفكير العميق من أجل صياغة الجواب المناسب لعمق السؤال،وذلك لأن الواقع قد لا يحتاج إلى تعقيد مقدمات ودوران مع النتائج وإنما أجبته بعفوية وتلقائية صادمة قائلا:
ما علاقة التشيع أو التسنن كمذهب ديني بهذه المظاهر السياسية والعسكرية والتكنولوجية التي ذكرت.
وأين هم أهل السنة كملتزمين لها عقيدة وسلوكا ،وخاصة من طرف رجال السياسة وأصحاب القرار ! ونفس الشيء بالنسبة إلى من يدعون أنهم شيعة؟.ثم استطردت قائلا: فهل كل مقاومات العالم التي قد انتصرت على أشرس القوى الامبريالية سواء في القديم أو الحديث قد كانت شيعية شرطا؟.ماهي علاقة المقاومة الفيتنامية وهزيمتها لأمريكا بالتشيع وغيره من المذاهب العقدية،أو ليست قد مرغت الولايات المتحدة في الوحل وعقدت جيشها ما زال يعاني من أمراضها إلى يومنا هذا مع ضعف عدد القتلى والخسائر الفادحة التي تكبدتها ولم تندمل جراحها بعد؟فهل المقاومة اللبنانية الشيعية زعما قد تقارن إنجازاتها بما فعل الفيتناميون بأمريكا وحلفائها؟كلا و هيهات وشتان !
هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كانت إيران قد تمتلك النووي أو النتروجيني أو البلاء الأكحل !فهل لأنها شيعية المذهب أم لأنها دولة لها ثرواتها البترولية وجامعاتها العلمية العريقة وتاريخها وموقعها الاستراتيجي والجغرافي الهام قبل الشاه وبعده؟
كما هل كوريا الشمالية بالمقابل والتي هي أقل إمكانيات مادية من إيران وأكثر عرضة للحصار، والتي قد سبقتها في باب التسلح واكتساب النووي والصواريخ العابرة للقارات، قد كانت شيعية يوما ما؟
بل هي شيوعية متطرفة في مذهبها ونظامها ولا علاقة للشيوعية بالشيعة إلا من باب تطابق الحروف ، اللهم إلا إذا أراد الشيعة أن يضربوا كعادتهم على أوتار الرمزيات والزئبقيات الكيميائية للتنجيم بالأعداد والحروف وإسقاطها على الواقع الذي قد يكذب مزاعمهم جملة وتفصيلا،تماما كما يفعلون في التعامل مع كلمات القرآن الكريم الذي وردت فيه كلمة "هذا من شيعته"لكي يؤسسوا عليها تعسفا مزاعم أن المذهب الشيعي قد يجد أصوله اصطلاحا في القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية،وهذا ما تكذبه اللغة والسياق وواقع مذهبهم، كما قد يتبرأ منه التاريخ براءة الذئب من دم يوسف.
فلماذا إذن لم يقولوا بأن الشيوعية قريبة من التشيع بحسب إسقاطهم هذا، تماما كما يفعلون في موضوع المتعة وربطها تكلفا وتعسفا بالزواج الشرعي المتفق عليه.
كإضافة أخرى في هذا الباب لكشف تهافت هذه الزئبقية المعاصرة للشيعة و التي قد لا تنفصل منها عن الماضي ومستنداته أقول:
هل فعلا إيران هي دولة قوية بالمستوى الذي تتحدى به الغرب والصهاينة ومن في صفهم أن أنها مجرد ادعاءات وخطابات منبرية وإعلامية للتعويض عن الخلل الداخلي الذي تعاني منه والتي قد بدت بوادره تطفو على السطح بشكل عنيف بعيد الانتخابات الأخيرة؟وأيضا للتعويض عن الوجه القبيح الذي ظهرت به بعد إبرام الصفقة مع الولايات المتحدة حول احتلال العراق والتمهيد بل المساهمة فيه والتي قد ظهرت بعده مكشوفة القناع إلى أبعد اتساع !!!...
ما هي المعارك والانتصارات التي قدمتها لصالح الأمة سوى ما قامت به من هجوم على العراق واستدراجه للمواجهة في حرب الخليج الأولى والتواطؤ مع الغرب على إسقاط نظام الشهيد صدام حسين رحمه الله تعالى بعد حرب الخليج الثانية؟
أوليس فتح المجال لأمريكا كي تستعمر العراق الشقيق والتنسيق معها بكل الوسائل الاستخباراتية وتوظيف الطائفية دليلا قاطعا على انحطاط المبادئ ونوعية المذهب المتبنى في هذه الدولة؟فأين ذهبت شعرات الشيطان الأكبر ورفعه زيفا وزعما لمقاومته بينما قد استدعته إيران الشيعية لغاية حدودها ومغازلته بشكل مفضوح ناهيك عن فضيحة إيران جيتهIran-gate في الماضي على عهد الخميني !!!؟بل قد مكنته من وطء العتبات المقدسة عند الشيعة وتهديم الأضرحة والعبث بأماكن العبادة لكل من الشيعة والسنة معا.فأين هو التشيع والفداء والثأر والنحيب والملاطم على تهديم المزارات الشيعية بيد أمريكية وتفجيرات مصطنعة كائدة؟
طبعا من باع جاره فقد باع داره ومن سرق جاره فقد تسرق داره، طالما لم ينافح ه أو يرد صولة الغريب عنه،وإيران قد توغلت في هذا المطب عن طواعية ولعبت على أوتار شيعة العراق المغرر بهم والذين قد كانوا حاقدين على صدام حسين شخصيا كمل حقدوا عبر التاريخ على العباسيين والأمويين والخلفاء الراشدين على رأسهم أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهم،ومن هنا فقد تخلوا عن حرية بلدهم لصالح أوهام التحرير بواسطة إيران الفارسية وأمريكا الرومية فكانوا كما يقول الشاعر:
وذاهب بالضرغام ليصطاد به تصيده الضرغام فيمن تصيدا
وإذا ما خلى الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا
حتى إذا ما انجلى عنك الغبار تبين هل فرس تحتك أم حمار
ثانيا:زئبقية التعويض والانتهازية السياسية
وهكذا فلقد أوقعت إيران الشيعة برمتهم، بالرغم من أنهم أحرار في اختيار مذهبهم،في معرة لا يحسدون عليها،وأصبحوا يوصمون بالخيانة والتخلي عن المبادئ القومية والوطنية لصالح أوهام الآيات الإيرانية والخمينية والوعود الشيطانية الأمريكية، بالرغم أيضا من أنهم ليسوا كلهم خونة ولا ضد التعايش ولا وحدة الأمة.
فكيف يتصور مثلا عقلا وشرعا أن يصدر إمام الشيعة في العراق السيستاني أوامره أو فتواه بأن لا يتعرضوا للقوات الأمريكية وهي بصدد اقتحام حرمات بلدهم وانتهاك أعراضهم ومقدساتهم؟أوليس هذا هو الحمق بعينيه ومسلك الخشبية كما وصفوا به تاريخيا من طرف الشعبي حيث صاغها ابن حزم بقوله:"لم أر أحمق من الشيعة"وخاصة من هذا مسلكه؟.
فهل سمعتم في تاريخ أمريكا وحلفائها أنها كانت يوما ما محررة للشعوب بمجانية وتطوع وهي بعد لم تنشف آلياتها الحربية من دماء الشهداء في العراق وتجويع شعبه حصارا ظالما لما يزيد على ثلاث عشرة سنة،وكذلك ما تفعله بواسطة العدو الصهيوني في فلسطين وباقي الدول سواء كانت إسلامية أو غيرها؟
لا شك أن إيران قد اكتسبت قوتها المنفوخ فيها دهاء وتواطؤا مع الغرب نفسه لإرعاب العرب بعد سقوط نظام صدام أكثر مما هو عليه الواقع وذلك على حساب حصار العراق الأبي من خلال تصيدها فرصة انشغال الغرب نفسه ومعهم كثير من أقزام حكام دول عربية بتكسير قوة العراق التي كانت واعدة وصاعدة.هذه القوة للتذكير قد كانت سابقة إيران وغيرها من دول الجوار في مجال التقدم التكنولوجي والصناعة الحربية والنتاج الحضاري لبلاد الرافدين والتي كان من أبرز مؤشراتها المفاعل النووي الذي دمرته الصهيونية غدرا وكذا إطلاق القمر الصناعي العابد وصواريخ العباس ناهيك عن تأميم شامل للبترول الذي أسال لعاب الغرب،وتكوين العلماء في شتى التخصصات ومحاربة الأمية بنسبة مائة بالمائة كأهم مظهر حضاري للعراق والأمة الإسلامية قاطبة.
كما أن الفرصة قد واتت إيران بامتياز وانتهاز حينما واكب حصار العراق انهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي والذي نتج عنه بيع الأسلحة وتهريبها بالجملة وبأثمنة زهيدة مع ارتفاع مهول لأثمان البترول بالتوازي مع ذلك،وهذا كله قد ساعد على تطوير ترسانتها العسكرية ليس لضرب الغرب أو الصهاينة كما يزعمون وإنما لإعادة الكرة ضد العراق والانتقام من صدام حسين الذي كان قد لقنها درسا تاريخيا في الصمود والتحدي والردع الذي كانت نتائجه واضحة لصالح الدول العربية عموما والخليجية خصوصا في الثمانينات.
من هنا فلسد ثغرة هذه الزئبقية الإيرانية الباهتة فقد وظف حزب الله اللبناني كورقة لتغطية هذا الافتضاح الشيعي في مواجهة المستعمر الأمريكي بالعراق،فكانت في نفس الوقت عملتان متناقضتان لوجه واحد:شيعة تساوم وشيعة تبدو كأنها تقاوم،ومن ثم صيغت الحرب المعلنة مع الصهاينة كمزايدة ومراهنة على المطلوب المسلوب ،دمر معها لبنان بأسره واستدرجت معه غزة ولم يحرك حزب الله عندها ولو رصاصة أو همزة،كما لم يحرر من تراب لبنان ولا فلسطين حبة رمل اللهم إلا ما أطلق من صواريخ من بين شعاب الكهوف قد لا يقارن ألبتة من حيث حجم الدمار بما فعله الصهاينة باللبنانيين ولا الفلسطينيين جميعا،ثم من بعدها تمت المساومة وتوقفت المقاومة لحين إصدار أوامر جديدة من طرف إيران وعبر سوريا الحبيسة بالجولان وشعارات التحرير باللسان.كما قد شلت الصواريخ الشيعية حينما كان يباد شعب غزة من ذوي مذهبية سنية على مرأى ومسمع من العالم،وهذا ما كشف لنا بأن حزب الله قد كان وما يزال له هدف قصير ونفس عسير في توسيع مفهوم المقاومة والتحرير ومذهبية ذاتية سياسوية لا علاقة لها بوحدة الأمة وحسها المشترك ودمائها المحرمة التي يجب أن يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.
من هنا فلم يكن التشيع ومزاعم تحدي المظالم وغريزة الانتقام للشهداء سوى شعارات جوفاء وضيق مذهبي وعنصرية مبثوتة في جسم الأمة المريض في عصرنا هذا،مما قد زاده بهذه الزئبقيات الشيعية المسيسة مرضا وتشرذما وتفتتا إلى أقصى درجة من التلبيس والتخسيس.
فمهما كان ما قدمته المقاومة اللبنانية من تضحيات وردعت به الصهاينة مع فرضية أنها قد كانت جادة في هذه المواجهة فإن كل هذا لا علاقة له بالمذهب الشيعي ومصداقية أو عدم مصداقية مبادئه وأصوله وذلك لأنه لا يمكن اختزال العقائد والعمل الديني برمته في مجرد معركة حربية أو صناعة تكنولوجية ربما قد تكون مجرد سيناريو لأهداف غير المعلن عنها ،وذلك لأن هذه الأعمال وظواهرها قد تعتبر مشتركة بين جميع الناس المهضومة حقوقهم أو المرفهة دولهم ،سواء كانت متدينة أو غير متدينة ،إذ المظاهر الدنيوية وامتلاك طاقاتها ليست دليلا على امتلاك الحقيقة وصحة العقيدة،وهو ما قد أكده القرآن الكريم بقوله تعالى:"كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا"و"لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما".
ثالثا:زئبقية تزييف التاريخ والدعوة إلى الأصالة
كما أن من الزئبقيات الفرعية بعد هذه الأحداث المصطنعة في الشرق وخاصة بعد احتلال العراق الشقيق هو التمهيد لتسريب المذهب الشيعي المفورس والصفوي الإثنا عشري داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي عموما حيث يوجد أهل السنة من جهة المبدأ والتاريخ بأكثرية،وهذا ما قد بدأ يضرب على أوتاره بعض المغرضين والمأجورين في التشكيك حول طبيعة التمذهب الأصلي في تلك المناطق وخاصة بشمال أفريقيا والمغرب العربي وبالأخص المغرب (الأقصى) حيث كان تأسيس أول دولة مستقلة عن الخلافة العباسية على يد الشرفاء الأدارسة بحيث كان"إدريس بن عبد الله بن الحسن ممن هرب من وقعة فخ،فسار إلى مصر ومنها اتجه إلى بلاد المغرب الأقصى فالتف عليه برابرة أوربة فكون هناك أول خلافة للعلويين وهي دولة الأدارسة".
ولقد استمرت هذه الدولة بعد وفاة المولى إدريس الأول من خلال تولي ابنه إدريس الثاني وتوزع الشرفاء الأدارسة في بلاد المغرب من منطلق روحي سني معظم لآل البيت جميعا ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يرد أن أحدا من المغاربة في عهد الأدارسة قد نصب نفسه لسب الصحابة أو أمهات المؤمنين،وأتحدى في هذا كل شيعي يزعم بأن المغاربة قد تشيعوا بالمفهوم المعلن عند الإثنى عشرية أو الإسماعيلية أو الزيدية. وغيرهم،بل كانت علاقة الأدارسة بالمغاربة ذات عرى روحية وتعلق بحب النبي صلى الله عليه وسلم وانتصارا للمظلومين من أهل البيت ضدا على العباسيين والأمويين،ولم يجرؤوا أبدا على نيلهم من أبي بكر الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا باقي الصحابة رضوان الله عليهم أو الطعن في الأحاديث الواردة عنهم والمروية في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.بحيث أن هذه العلاقة الطيبة التي تأسست عليها الدولة الإدريسية قد أنتجت فيما بعد عملا وسلوكا روحيا لدى المغاربة وهو ما تمثل في الحضور المكثف للتصوف السني في هذه المنطقة والذي مازال يمثل الحصانة المذهبية للمغاربة إلى يومنا هذا كما صاغه ابن عاشر في منظومته:
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
بحيث قد اعتبر المولى إدريس الأول والثاني كلاهما وليا وليس إماما إثناعشريا أو معصوما أو مهديا منتظرا ،ولهذا فحينما يزار من طرف المغاربة فقد تكون نيتهم فيه أنه ولي من أولياء الله الكبار،بل قد يعتبر من أهم مظاهر الاستمداد الروحي لدى الصوفية وتسلسل الوراثة لديهم من خلاله.
وعند هذه المسألة فقد ينسج شيعة عصرنا أوهاما يكذبها التاريخ والواقع بأن الأدارسة قد كانوا ومعهم الشعب المغربي شيعة بالمفهوم الصفوي أو الإثنا عشري وغيره ممن ينالون من مقام الصحابة ويرفضون الأحاديث الصحيحة الواردة في البخاري ومسلم وغيرهما،ولهذا فبحسب زعمهم ينبغي أن يعود المغاربة إلى أصلهم الشيعي ،وهذا كله تضليل وكذب وتمويه زئبقي لا غير.
فليس كل من ينتمي إلى أهل البيت أو حتى من هو من أهل البيت الأدارسة- كعبد ربه كاتب هذه السطور- ينبغي أن يكون شيعيا كما أنه ليس كل شيعي هو من أهل البيت.
ولهذا فالمذهب الذي قد ساد في المغرب العربي ومصر أيضا(رغم فترة شذوذ الدولة العبيدية والفاطميين الذين كانوا ضد الأدارسة،بل قد تأسست دولتهم على أنقاضها وبتناقض مع مبادئها وتحت غطاء ادعاء النسبة إلى أهل البيت وليس بالأصالة والاقتناع المبدئي لدى الشعوب كما يذكر المؤرخون) منذ حكم الأمويين وعلى امتداد دولة العباسيين قد كان هو المذهب السني بفقهائه ومحدثيه ومتكلميه وصوفييه وخاصة هؤلاء الأخيرين الذين قد كانوا أشد ابتعادا عن الطروحات الشيعية وزئبقياتها،وهو التوجه العام الذي قد استمر واستقر إلى يومنا هذا حتى عهد الدولة العلوية التي سهر ملوكها على حماية المذهب السني ولم يتركوا للشيعة وليجة للاستيطان في هذا البلد منذ ما يزيد على ثلاثة قرون.
بحيث لو كان للعلويين أدنى نزعة شيعية كما يزعم مغرضوا و مأجوروا الشيعة المعاصرة لأقروا المذهب من غير تحفظ حيث كانت لهم وما زالت بيدهم السلطة والقدرة على تغيير المذاهب وفرضها تدريجيا أو إلزاما طارئا بحسب توجههم السياسي ومقتضيات الحكم ومراعاة مصلحة النظام والشعب معا.
لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا وعيا وذوقا،وبهذا فقد أغلقوا الباب في وجه كل زئبقيات الشيعة والتي كان من أبرز إجراءاتهم ما قامت به الدولة المغربية بقيادة الملك محمد السادس من إنذار سياسي للدولة الإيرانية الفارسية الصفوية الشيعية "هذا ليس بعشك فادرجي".
وهذا الموقف قد كان ذكيا وواعدا في باب السياسة واللعبة المذهبية،ولا ينبغي تفسيره بأنه اضطهاد مذهبي أو قمع لحرية العقيدة والرأي،ولكنه قد كان إدراكا ووعيا بزئبقية الشيعة التي لم يكن لهم مطمع على امتداد التاريخ سوى الاستيلاء على الحكومات القائمة وتفتيت أصولها .كيف لا ومسألة الإمامة قد تعتبر من أهم عقائدهم ومرتكز مذهبهم !!!
ومن حق كل حاكم أن يذود عن حماه وأن يضرب على يدي أعدائه طالما هم يتطاولون على نظامه ويتجاوزون الخطوط الحمراء لحدوده بالسعي إلى هدمه من أساسه،خاصة وأن الشيعة لا يقبلون بالتعايش السياسي أبدا إلا تقية لأنهم مجرورون بزئبقية الإمام واعتباره المرجعية المنتظرة لا غير سواء كان حاضرا أو غائبا كبير السن أو صغيره على نمط الإمام الثاني عشر المختفي والذي دخل السرداب ولم يخرج منه بعد وهم ينتظرون خروجه من بعد عدة قرون من هذا الاختفاء،كحماقة ودجل لا مثيل له في عالم المذاهب والنحل.
فلو كان التشيع مجرد مذهب عقدي لكان الأمر هينا معهم ولكانت مناقشتهم قائمة على الحجاج والإقناع والتعايش معا،لكنهم ،من جانب واحد ،قد يستعملون التقية والنفاق الاجتماعي لتحقيق أهدافهم السياسية الموبوءة ،حتى إذا وصلوا إلى الحكم لم يبقوا ولم يذروا لمخالفيهم أثرا بعد عين،وهذا ما قد يفسر به لماذا كان الأمويون ومعهم العباسيون يضطهدون من غير هوادة هذا النمط من التشيع حيث وجد، لغاية أن حدث لديهم تجاوز وتطرف في الملاحقة كان من ضحيتها سيد شهداء الأمة سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما.
والسبب في هذا كله هو التخلي الذي مارسه الشيعة في حقه بعدما عاهدوه على النصرة والمقاومة حتى النهاية فكان النكوص منهم منذ البداية.
والدليل على هذا الفرار من التعايش عند الشيعة قائم وباختصار تاريخي وذلك حينما استولى البويهيون من أهل الديلم على بغداد فقد أذاقوا الخليفة العباسي المطيع لله (سنة334) الأمرين كما يقول محمد الخضري بك في كتابه الدولة العباسية:"فقد كان أهل بغداد قبل الدولة البويهية على مذهب أهل السنة والجماعة يحترمون جميع الصحابة ويفضلون الشيخين أبا بكر وعمر على سائرهم ولا يقدحون في معاوية ولا غيره من سلف المسلمين فلما جاءت هذه الدولة وهي متشيعة غالية:نما مذهب الشيعة ببغداد ووجد له من قوة الحكومة أنصارا فقد كتب على مساجد بغداد سنة 351هـ ما صورته(لعن الله معاوية بن أبي سفيان ولعن من غصب فاطمة رضي الله عنها " فدكا " ومن منع من أن يدفن الحسن عند قبر جده ومن نفى أبا ذر الغفاري ومن أخرج العباس من الشورى) والخليفة كان محكوما عليه لا يقدر على المنع وأما معز الدولة فبأمره كان ذلك فلما كان الليل حكه بعض الناس فأراد معز الدولة إعادته فأشار عليه وزيره أبو محمد المهلبي بأن يكتب مكان ما محي لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحدا في اللعن إلا معاوية ففعل ذلك."الدولة العباسي:محمد الخضري بك،المكتبة العصرية بيروت ص322.
كما سيحدث نفس الأمر بل أدهى وأخطر منه في مصر حيث تأسيس الدولة الفاطمية في فترة انهيار الدولة العباسية والتي قد ظهر فيها العجب العجاب وتذكرة أولي الألباب في باب العنصرية المذهبية والاضطهاد الديني كان من أبرزها عهد الحاكم بأمر الله الذي تحول إلى الحاكم بأمره لا أطيل بسرد ما اتفق عليه المؤرخون ويريد أن يلمعه المأجورون المعاصرون رغم ظلاميته وشذوذه الشهير،لكن أبرز نقطة تخص المسألة المذهبية والتعايش الديني هو تلك الإبادة التي مارسها الفاطميون ضد مذهب أهل السنة وخاصة المذهب الشافعي سواء منه القديم والحديث ،حيث قد محي كلية من مصر إلى يومنا هذا بفعل اضطهاد الفاطميين له ومنع فقهائه من الفتوى والقضاء به في كل أقطار مصر والتي كانت وما زالت بلدا سنيا وأرض الكنانة ومزار الأولياء والصلحاء من الصوفية منهم ذو النون المصري وهي أكثر قربا من المغرب في هذا الباب من حيث تعظيمهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على قدم المساواة والاستمداد الروحي.
فأين ذهب المذهب الشافعي إذن ولم يعد له أثر في مصر التي كانت موطنه الأصلي؟ فلقد كتب الله له البقاء في أكبر ذولة إسلامية أسيوية وهي إندونيسيا وماليزيا وغيرهما.
يقول أحمد أمين عن طبيعة الدولة الفاطمية بمصر:"وقد أتيحت الفرصة للشيعة أن يحكموا.ومن أبرز ذلك الدولة الفاطمية في المغرب ومصر والشام وبقاؤها في الحكم مدة طويلة...وأداروا البلاد على نظام يشبه النظام الفارسي القديم وشجعوا العلم والأدب والفن تشجيعا كبيرا كما أسسوا دور الكتب الكثيرة ،ولا تزال أبنيتهم مضرب المثل في عظم العمارة الإسلامية ،وكذلك ما وصل إلينا من تحفهم الدقيقة ،ولكن طالما كان الشيعيون ينعتون على العباسيين ترفهم وإفراطهم في الملاهي والملذات وتعصبهم الشديد،فلما ملكوا هم،وملك زملاؤهم بنو بويه العراق وما حولها لم نجد في الحكم فرقا كبيرا،فالإسراف في الترف هو الإسراف في الترف والظلم أحيانا هو الظلم،والتعصب هنا كالتعصب هناك.فإن تعصب الأمويون والعباسيون فهاجموا.فقد تعصب العلويون والبويهيون والإسماعليون فانتقموا ختى صح قول القائل:
فلا تحسبن هندا لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند
نعم إن هنا وهناك في هذا الجانب أو ذاك بعض رؤساء اشتهروا بالعدل والتقوى،ولكن بجانبهم آخرون هنا وهناك اشتهروا بالظلم،ولم ينفع صاحب الزمان المختفي المعصوم في أن يرد الظالم عن ظلمه.لقد كان سيف الدولة بن حمدان الشيعي نهابا وهابا،فكان يولي قاضيا فيقول القاضي:"من هلك فلسيف الدولة ما ملك".
ومن هنا فلم يكن التشيع ليرسخ في بلدان سنية أصلا من مثل المغرب ومصر وغيرها ،بل حتى إيران نفسها هي معرضة لتغير مذهبي شعبي والعودة إلى السنية التي كانت عليها قبل عهد الصفويين وذلك لما عليه التشيع من زئبقيات لا تعرف استقرارا أو ثباتا وكما يقول المثل المغربي( الطْبل إذا قلَّقْ اعرَف أنه غادي يْكَمَّل)أي أن صاحب الطبل لما يسرع في ضرباته وكثرة حركاته فإنه يكون إيذانا بنهايته.
وعن هذا التغير التاريخي السريع يقول أحمد أمين أيضا:"ولذلك مع حكم الدولة الفاطمية المصريين طويلا لم يستطيعوا أن يشيعوا المصريين تماما ،فاستطاع صلاح الدين أن يردهم إلى السنية بسهولة !!!"(أحمد أمين :ظهر الإسلام ،دار الكتاب العربي،ج4ص138-139 ).
وعلى العكس من موقف الشيعة الانتهازي والزئبقي هذا فقد ورد في التاريخ أن المأمون قد كاد أن يتخلى عن الحكم لصالح علي بن موسى الرضا كما يحكي أحمد أمين نقلا عن الفخري:"فكر المأمون وفكر ثم طلع برأي غريب وأحدث عملا لم يقم به أحد قبله من بني أمية وبني العباس ،ذلك أنه فكر في حال الخلافة بعده واعتبر أحوال أهل البيتين –البيت العلوي والبيت العباسي-فلم ير فيهما أصلح ولا أفضل ولا أورع ولا أدين من علي بن موسى الرضا..."وعند ذلك أمر بلباس الخضرة عوض السواد شعار العباسيين بل صاهره بتزويج بنته له.
في حين أن جعفر الصادق قد كان يعيش في بغداد ويحترمه أهل السنة والخلفاء العباسيون جميعا وذلك لأنه لم يكن له مطمع سياسي ولا يحمل هذه الأحقاد والزئبقيات التي يتمظهر بها كثير من الشيعة في عصرنا لإثارة الفرقة والشتات بين الأمة.
إذن وباختصار شديد فزئبقية اللعب على التاريخ وتحويره وتزييفه قد تبدو مكشوفة وكاشفة لمزاعم الشيعة وخاصة في المغرب - ومصر أيضا – الذي يأبى إلا أن يبقى محبا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وجدانا وعاطفة ومحبا لصحابته بنفس المستوى عقيدة وشريعة مروية عنهم عدولا عن عدول.
وتبقى لدينا الزئبقية التالية بعد هذا وليست الأخيرة ،وهي أنه لما يفحم بعض المأجورين من شيعة عصرنا بهذه الأدلة وينهون عن سب الصحابة والطعن في مصادر السنة النبوية الشريفة فقد يهربون إلى هذه المظاهر البالية من أحداث العصر والصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وغير المنطلية حيلتها على أولي العزم من أهل الفكر والتدبر المذهبي والعقدي وحتى السياسي الرصين،وذلك بزعمهم بعد ترتيب السيناريو بأن شيعة عصرنا هم الأقوى حجة ومكانة والأبهى حلة بهذه المواقف السياسية الماكرة لا غير.
فنقول لهم إذا كنتم لا ترضون أن تناقشوا حول سوء أدبكم مع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته أو حول مسائل الإرث والوصية والإمامة والتقية وتعتبرونها متجاوزة فإنكم إذن لستم بشيعة كما نقرأ لهم ونعرف عنهم وإنما أنتم قوم آخرون وشواذ جدد لا أصول لكم ولا فصول عنكم وإنما كما عبر علي سامي النشار ب:لكل عصر تشيعه،وهذه زئبقية معقدة ولا مزيد...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: