فى التعديلات المرتقبة على القوانين: إملاءات واستجابات
سيدة محمود محمد - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7349
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يمكن لمن كان لديه ذرة من عقل أوبصيرة أن ينكر حقيقة واضحة وضوح الشمس وهى أن الساحة القانونية فى بلادنا العربية والإسلامية تشهد سيلاً غير عادي من تغيير التشريعات، بل وتلاحق التعديلات على التشريع الواحد بصورة تجعل الحليم حيران؛ فما يكاد يصدر تشريع حتى يلحقه تعديل، ثم ثانٍ وثالث و..... بمايجعلنا نترحم على فترات تاريخية كان إعداد القوانين فيها يشهد درجة من الإتقان وتلبية حاجات المجتمع تجعله يبقى لعشرات السنين دونما أي حاجة إلى تعديل؛ وذلك لثبات المرجعية التي يستمد منها هذا التشريع.
والمتابع لتفصيلات الأمور لايعتريه أدنى شك فى الدور الذى لعبته المؤتمرات الدولية الكبرى التي أقامتها الأمم المتحدة؛ لهذا الشأن في القاهرة وبكين وعمان والمغرب فلا يمكننا النظر إلى موجة تغيير قوانين الأحوال الشخصية التي اجتاحت عدد من الدول الإسلامية – نحو: المغرب ، الجزائر، الأردن ، اليمن ، إقليم كردستان العراق ، تشاد ، وأخيرا مشروعات القوانين الجديدة التى يتم دراستها في سوريا والسودان و البحرين وعلى التوازى مصر- بمعزل عن النشاط الواسع والضغوط الدولية التي مورست خلال السنوات الأخيرة لفرض أنماط الحياة الغربية على مجتمعاتنا ، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة.
وقد بحت الأصوات من اطلاق صيحات التحذير حول عواقب التوقيع على اتفاقيات دولية تتصادم مع ثوابتنا الشرعية وخصوصياتنا الحضارية فكانت الإجابة الهزيلة التى لاتسمن ولاتغنى من جوع بأنهلا داع للخوف من القضايا المثارة في الاتفاقيات الدولية ومصطلحاتها المشبوهة فالاتفاقيات غالبا ما تأتى في صورة مبادئ عامة وأن للدول الأطراف حرية وضع القواعد التشريعية المتضمنة للتفصيلات إذ أن الدول الأطراف لها خصوصيات ثقافية أو اجتماعية لا تستطيع معها الالتزام بقواعد تفصيلية بعينها.
ولكن حدث ما كنا نخشاه فما تم على أرض الواقع كان مغايرا لهذا ،فالهيئة الدولية شجعت الحكومات فى بادئ الأمر على التوقيع والإنضمام الى اتفاقيات حقوقية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مع الإحتفاظ بحق الإعتراض و التحفظ على ما ترفضه الحكومات ،وبعد أن وقعت الحكومات وصدقت برلمانات الشعوب ،بدأت الخطوة التالية للهيئة الدولية الموقرة وهى ممارسة الضغوط كى ترفع الحكومات تحفظاتها ولم تنس بالطبع الإستعانة بالطابور الخامس بالداخل الحليف لها والذي يتبنى أيضاً أجندة الجهات المانحة الدولية كى ينال حصته من كعكة التمويل الخارجي (1) الأمر الذى أفرز وضعا يلزم الحكومات بإتخاذ سلسلة من التدابير القانونية والسياسات لتطبيق الاتفاقيات و وفقاً للمعايير الدولية .
إذن الأمر ليس فقط مجرد توقيع دول وتصديقها على مجموعة من النصوص ،وانما الأخطر من ذلك هو مابعد التصديق أى مرحلة الرقابة على تنفيذ هذه النصوص ،فالإتفاقية السا بق ذكرها مثلا أوكلت بالرقابة على تنفيذ أحكامها -بموجب المادة 18 منها - إلى لجنة منبثقة من مركز المرأة بالأمم المتحدة أطلق عليها اسم"لجنة السيداو " والتى من صلاحياتها استلام تقارير أولية ودورية من الدول الأطراف على المستوى الرسمى وغير الرسمى والتى يطلق عليه (تقارير الظل) تحوى معلومات عن البلد الطرف فى الإتفاقية ،والتدابير الت يتم اتخاذها على كافة المستويات بدءا من مستوى الدستور إلى القانون إلى أعمال المحاكم الوطنية إلى مستوى تصرفات السلطة العامة إلى مستوى الأفراد لتنفيذ ماورد بالإتفاقية وحسب المعايير الدولية وعدم الإعتداد بما قد تتذرع به الحكومات من قوانين وطنية أو عادات عرفية أو تشريعات دينية ، ومن حق اللجنة الدولية التعليق على هذه التقارير واصدار توصيات بشأن ما تراه مناسبا.
فأصدرت اللجنة مثلا فى جلستها الرابعة والعشرين لعام 2001ردا على تقرير مصرالرسمى مجموعة من الملاحظات (2) :
"إعادة صياغة كل ما يتعلق بالمادة 11 من الدستور المصري التي يقول نصها :تعمل الدولة على تمكين المرأة من التوفيق بين واجباتها نحو أسرتها وواجباتها في العمل، حيث أن هذه المادة بهذا الشكل تؤكد أن الدور الرئيسي للمرأة يتركز على دورها كأم وربة أسرة".فالإتفاقية تنظر الى الأمومة ورعاية الأسرة بأنه ترسيخ لربط الدور بلمرأة مطلقة عليه (الدور النمطى)وما تريده هو تقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة وفى المجتمع وعدم ربط الدور بالطبيعة البيولوجية وذلك كى تتحقق المساواة التامة التماثلية .
وبالفعل جاءت التعديلات الدستورية فى مارس سنة 2007 وتم إدخال المواطنة ضمن مواد الدستور، والذي عُدَّ مرجعية أساسية للمنظمات النسوية المصرية في مطالباتها بالمساواة التامة بالرجل في كافة القضايا من إرث ...إلخ، اعتماداً على مبدأ المواطنة هذا.
كما طالبت اللجنة الدولية ب:
"حث الحكومة على مراجعة قانون الجنسية حيث إنه لا يعطي حقوقا قانونية لأبناء السيدة التي تتزوج من أجنبي، بينما يحصل الرجل على هذا الحق "ليصدر القانون رقم 154 لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية وإعطائها لجميع أبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبى
كما طالبت اللجنة الدولية ب:
تعديل القانون المتعلق بسن الزواج ومنع ظاهرة الزواج المبكر." فجاء قانون الطفل الصادر عام 2008 ووحَّد سن الزواج بالنسبة للذكر والأنثى، وجعل سن الثامنة عشرة هو الحد الأدنى لأهلية الزواج لكليهما؛ عملاً بمبدأ المساواة الوارد في الدستور وتنفيذًا للاتفاقيات الدولية المعنية بالطفل، وغيرها من الوثائق الدولية ذات الصلة النافذة في مصر كما ورد في ديباجة القانون والمادة الأولى والثالثة منه، كما طالبت اللجنة الدولية ب:
"تحتاج اللجنة في تقرير مصر القادم إلى مزيد من المعلومات عن الجهود التي يتم بذلها للقضاء على ظاهرة ختان الإناث، وكذلك معلومات عن قرار وزير الصحة الخاص بحظره." لتأت تعديلات على قانون الطفل المصرى الأخير حول هذا الموضوع والبقية تأتى...
ونموذج اخر كى تتضح الصورة وهو تعليق اللجنة علي تقرير الاردن عام 2000 (3)
"تدعو اللجنة الحكومة الى اجراء تعديل دستوري لادراج المساواة على اساس الجنس في المادة 6 من الدستور
- و تعرب اللجنة عن قلقها من ان القانون الاردني يحرم المراه من السفر وحدها وتعرب ايضا عن قلقها من ان القانون الاردني يعترف بممارسه تعدد الزوجات.
- وعلى وجه الخصوص، تشعر اللجنة بالقلق لان المادة 340 من قانون العقوبات تعذر الرجل الذي يقتل او يجرح زوجته او الاقرباء له من الاناث و اللاتي وقعن في فعل الزنا."
-
وكذلك تعليق اللجنة علي تقرير الجزائر عام 2005 (4) تعرب اللجنة عن قلقها ان التعديلات المقترح ادخالها على قانون الاسرة لا تشمل الغاء تعدد الزوجات."
وهكذا يبدو جليا في توصيات لجنة سيداو بالأمم المتحدة حول التقارير المقدمة من الحكومات حول تطبيق اتفاقية سيداو، مدى الضغوط التي تمارس عليها لرفع تحفظاتها عن الاتفاقية -وفي هذا تجاوز خطير لصلاحيات اللجنة، وتعدَ سافر على سيادة الدول- إذ أن فيه متابعة لكل مايدورفي حياة الأفراد ووصاية عليهم بما لا يليق بمنظمة دولية يجدر بها أن تحترم إرادات الشعوب، لا أن تصير أداة لإجبارالشعوب على التخلي عن قيمها النابعة من ثقافاتها الأصيلة، لتتبع جميعها ثقافة واحدة متناقضة تماما مع ما تؤمن به،وهذا ما بدا واضحا وضوح الشمس ودون أى مواربة أيضا فى موقف الدول الغربية من تحفظات دولة كالإمارات على سبيل المثال حيث أعربوا صراحة عن أنه لايعتد بالإعتراض على أساسى الشريعة أو القوانين الوطنية ،بل والأبعد من ذلك اعلانهم نفاذ وسريان الإتفاقية دون أن تستفيد الإمارات من تحفظها فتقول فرنسا على سبيل المثال: تعتبر حكومة الجمهورية الفرنسية أن الإمارات العربية المتحدة باستبعادها تطبيق هذه الأحكام، أوبإخضاعها لمبادئ الشريعة، تبدي تحفظات ذات نطاق واسع مما يبطل مفعول أحكام الاتفاقية. وترى حكومة الجمهورية الفرنسية أن هذه التحفظات تنافي موضوع الاتفاقية وغرضها وتبدي اعتراضها عليها،وتقولالبرتغال أن هذه التحفظات، التي تتألف من إشارات إلى أحكام الشريعة وإلى التشريعات الوطنية، تثير شكوكا جدية إزاء التزام الدولة المتحفظة بموضوع الاتفاقية وغرضه اوإزاء مدى قبولها للالتزامات التي تفرضها الاتفاقية،وأن تكون الدول على استعداد لإجراء أي تغييرات تشريعية ضرورية لامتثال التزاماتها، وعلى نفس الشاكلة هولندا مع التذ ييل بهذا الإعلان"لا يحول هذا الاعتراض دون بدء نفاذ الاتفاقية بين الإمارات العربية المتحدة ومملكةهولندا، دون أن تستفيد الإمارات العربية المتحدة من تحفظها. (5)
فى النهاية نطلق صرخة أخيرة لحكوماتنا تمسكوا بتحفظاتكم يرحمكم الله فقد بدأ الحصاد المر لعواقب وتداعيات الإمتثا ل التام لإملااءات منظمة دولية يفترض أنها أسست لتحقيق الأمن والسلم الدوليين ،فإذا بها تصير أداة للهيمنة والسيطرة ،سيطرة الغالب على المغلوب ليس سياسيا عبر التلويح بمجلس الأمن والمحكمة الدولية فقط بل واقتصاديا عبر صندوق النقد الدولى وغيره من المؤسسات الدولية لتتجرأ على الجانب الإجتماعى وثقافات الشعوب لترسم لهم نمط حياتهم بأدق التفاصيل و عليهم أن يدعوا ما درجوا عليه من عادات وقوانين وشرائع حتى وان كانت سماوية فا التبشير الآن بالدين النسوى الجديد فالنسوية هى الحل .
------------------
الإحالات:
(1) - فى عام 1967 أجازت الأمم المتحدة إعلانًا خاصًّا بالقضاء على التمييز ضد المرأة، دعا إلى تغيير المفاهيم وإلغاء العادات السائدة التى تفرق بين الرجل والمرأة، مع زيادة مساحة الدور المعطى للمنظمات غير الحكومية، حيث اعترف الإعلان صراحةً بأن المنظمات النسائية غير الحكومية هى القادرة على إحداث هذا التغيير، عن طريق تحدي الأعراف والقيم الدينية والثقافية السائدة.
(2)- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – أ.د. زينب رضوان – عضو المجلس القومي للمرأة ، عضو مجلس الشعب - محسن عوض – حقوق الإنسان والإعلام – دراسات ومناقشات الدورة التدريبية للسادة معدي البرامج للإذاعة والتليفزيون – القاهرة أكتوبر 2002 –برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP الطبعة الثانية 2003 – مشروع دعم القدرات في مجال حقوق الإنسان – ص 319 حتى 330
(3) - http://www.arabhumanrights.org/committees/reports.asp?id=4
(4) - نفس المرجع السابق.
(5) - لمزيد من التفاصيل انظر:
نيويورك, الإعلانات والتحفظات والاعتراضات وإشعارات سحب التحفظات فيما يتعلق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة,الإجتماع الرابع عشر ٢٠٠٦ حزيران/٢٣يونيه ال بند ٦ من جدول الأعمال المؤقت
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: