البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثقافة المغتربة

كاتب المقال د. كمال حبيب   
 المشاهدات: 6936



الاغتراب؛ أي الشعور بالاختلاف عن الجماعة على المستوى النفسي بشكل رئيسي؛ ومن ثَم عدم القدرة على التكيف معها وعدم الانتماء الحقيقي إليها.

وأسوأ اغتراب هو ذلك الذي يشعر فيه الإنسان أو المؤسسة بأن ثقافة الغير أفضل من ثقافة قومه وأهله، ويعيش ذلك الذي يواجه تلك المحنة نوعًا من الانفصام النكد الذي يؤرق عيشه ويعكر صفو تفكيره، إنه ذلك الذي يُطلق عليه "اللامنتمي"؛ لأنه في الواقع ينسلخ عن قومه وثقافتهم وتاريخهم ونمط حياتهم ونظام شرائعهم، ليلتحق بثقافة جماعة أو أمة أخرى؛ فإذا بها تحاذر منه، ولا تقبله بشكل تام في داخلها، وكأنه انسلخ عن هوية قومه دون أن يحقق اندماجًا في هوية من يريد الاستتباع لهم.

وتتعمق أزمته حين يتحول كمخلب قط في يد الجماعة التي يبغي اللحاق بها ليدمر ثقافة قومه الذين جاء منهم.
واجه العلمانيون في العالم الإسلامي الذين انبهروا بحضارة الغرب مطلع القرن الماضي تلك الأزمة، والتي عبَّر عنها الدكتور "محمد محمد حسين" في كتابه الهام "حصوننا مهددة من الداخل"، وأشار إلى تلك الأزمة "أبو فهر محمود شاكر" في رسالته "في الطريق إلى ثقافتنا"، وعبَّر عنها في كتابه الضخم والمهم "أباطيل وأسمار".

والعجيب في أمر العلماني أنه ذرائعي وبراجماتي، فهو يذهب إلى السلطة ليتحالف معها من أجل أن يقوم بمهمته في تغيير هوية أبناء أمته وثقافتهم، وحدث ما يمكن أن نصفه بنوع من تراضي وظيفي بينهم وبين الساسة العلمانيين أيضًا؛ بحيث تركت الدولة لهم المجال الثقافي "ليبرطعوا" فيه وينشطوا في فضائه، مستفيدين من المكانة والدعم السياسي والمالي من جانب الدولة.

وأذكر مثلًا؛ أن عبد الناصر قال لليساريين والماركسيين في عصره: لكم الثقافة أما السياسة فلي، اعملوا ما تريدون فيها أما السياسة فإن تطاولتم على مقامها فسوف أقطع رقابكم ولكم الويل والسجن.

وأصبح قيادات الإعلام والثقافة، والصحف والتلفزيون، وقصور الثقافة وهيئات الكتب، ومراكز الترجمة والمجلات الثقافية، ومراكز الفنون والسينما وغيرها مما لا يمكن حصره مفتوحة على مصراعيها للعلمانيين، يرتعون فيها ويتمتعون بالمخصصات المالية لها، وهو من أموال دافعي الضرائب، من أهلهم الذين يتآمرون عليهم لتغيير ثقافتهم والتحدث بلسان العدو من الغرب واليهود، وكل من "لَفَّ لَفَّهُم" وسار على منهجهم.

فمثلًا مجلة "إبداع"؛ هي مجلة تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة المصرية، وهذه الوزارة والهيئة إنفاقها والصرف عليها من أموال المصريين، ويرأس مجلس إدارتها أحد هؤلاء العلمانيين، وهو "أحمد عبد المعطي حجازي"، نشرت قصيدة بعنوان "شرفة ليلى مراد" للشاعر اليساري حلمي سالم، تمس الذات الإلهية وتمس مقام رب العالمين.

ورفع أحد المحامين قضية لإيقاف المجلة بسبب عدوانها على مقام الله سبحانه وتعالى، وجاء في حكم المحكمة الذي قضى بوقف المجلة: "من غير المتصور عقلًا أن يكون هذا العمل قد نُشر عبثًا دون أن يمر على القائمين على هذه الأعمال؛ الأمر الذي يؤكد أن بعض أولئك لديهم القناعة والاستعداد لنشر مثل هذا الإسفاف المتطاول على رب العزة والجلالة". وليس أمر "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري "حيدر حيدر" عنا ببعيد.
الغريب أن أهل تلك الثقافة الخائنة من شعراء وفنانين وبيروقراط، يمارسون الخيانة والتحدي لثقافة الناس بالذهاب إليهم في عقر دارهم؛ لتقديم أعمال فنية تأخذ بيد الناس إلى العلمنة والتحديث بعيدًا عن الإسلام والدين، فقد ذهبت قافلة ثقافية إلى مناطق بدوية في سيوة وسيدي براني ورأس الحكمة، محمية بقوات الأمن؛ لتقديم ما يسمونه عروضًا فنية، تقوم فيها "الغوازي" ـ على حد قول الخبر المنشور ـ بالرقص عارية أمام الجماهير.

كما كانت المغنية ترتدي لباسًا عاريًا؛ وهو ما جعل الجمهور البسيط يقوم بالهياج والثورة على القافلة ورجمها بالطوب والحجارة، وكان المشهد يدعو للرثاء؛ الدكتور أحمد مجاهد مدير قصور الثقافة والوفد الصحفي المرافق له يتسللون لواذًا خوفًا من الجماهير الغاضبة في حراسة قوات الأمن، بينما كان المشايخ وعلماء الإسلام في المساجد حذروا من القافلة ومثقفيها؛ لأنهم يقترفون ثقافة الحرام بالمعنى الشرعي.

الجماهير تقذف القافلة الثقافية بالحجارة فتحتمي بالأمن، هنا الثقافة وجهًا لوجه في مواجهة سخط الجماهير، وهذه هي محنة ثقافة الضرار التي تذهب في غلوائها حد اقتحام البيوت على الناس؛ من أجل تحدي هويتهم وعقيدتهم ونمط حياتهم؛ فإذا بها تصبح عدوًّا للناس وللجمهور، يحميها الأمن والسلطة منهم.

والغريب أن المنطق العلماني يقول بحرية ثقافة الخيانة والردة، ولا يقول بضرورة احترام عقائد الناس وهويتهم ودينهم، ففي قرية الشورانية في قلب سوهاج اخترق البهائيون المرتدون البلد، وجاهروا بالردة في وسط جمهور مسلم؛ فهاج الناس وحرقوا بيوتهم، فتلك جريمة شرف للتخلص من عار أولئك، وهنا لابد من تفهم مشاعر الناس وتقديرها، فحين لا يجد الناس أمامهم سوى أن يحموا دينهم بأنفسهم، فليفعلوا وهذا حقهم، بل هو واجب عليهم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تغريب، ثقافة، علمانية، غزو فكري، غزو إعلامي، غزو ثقافي، ليبيرالية، تنويريون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-04-2009   shareah.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحي العابد، عبد الله زيدان، أنس الشابي، مصطفي زهران، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، محمد العيادي، محمود سلطان، رشيد السيد أحمد، د- محمود علي عريقات، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، د - شاكر الحوكي ، د. طارق عبد الحليم، عبد الله الفقير، حميدة الطيلوش، حسن الطرابلسي، تونسي، وائل بنجدو، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمار غيلوفي، يحيي البوليني، ماهر عدنان قنديل، صلاح المختار، إياد محمود حسين ، إيمى الأشقر، د. أحمد بشير، الهادي المثلوثي، بيلسان قيصر، محمد عمر غرس الله، أشرف إبراهيم حجاج، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، د - محمد بنيعيش، سعود السبعاني، عراق المطيري، رافد العزاوي، طلال قسومي، د- جابر قميحة، فهمي شراب، صالح النعامي ، الناصر الرقيق، د - مصطفى فهمي، سلام الشماع، طارق خفاجي، خالد الجاف ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد شمام ، د. صلاح عودة الله ، سلوى المغربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، عبد الغني مزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، محمد أحمد عزوز، أبو سمية، محمد الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، مراد قميزة، رافع القارصي، محمد الياسين، عزيز العرباوي، أحمد ملحم، سفيان عبد الكافي، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، نادية سعد، علي عبد العال، العادل السمعلي، أحمد بوادي، حاتم الصولي، عواطف منصور، صلاح الحريري، الهيثم زعفان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، منجي باكير، مصطفى منيغ، عمر غازي، عبد العزيز كحيل، محمود طرشوبي، د - عادل رضا، محمد يحي، فوزي مسعود ، أحمد النعيمي، أحمد الحباسي، محمد علي العقربي، حسن عثمان، يزيد بن الحسين، كريم السليتي، مجدى داود، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العراقي، فتحـي قاره بيبـان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، رحاب اسعد بيوض التميمي، جاسم الرصيف، د - المنجي الكعبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. عبد الآله المالكي، المولدي الفرجاني، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، د- هاني ابوالفتوح، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، المولدي اليوسفي، ياسين أحمد، كريم فارق، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمد رحال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة