على غير المعتاد وخارج نطاق المألوف، ظهرت قناة الأقصى الفضائية تسابق الزمن لتقول كلمتها بالنيابة عن أتباعها والراضين عن نهجها في التعامل مع الصراع الطويل والمرير مع الكيان الصهيوني المحتل.
فضائية الأقصى أنموذج غير مسبوق من زوايا وجهات عدة، تجعل المتابع، لا يملك إلا أن يسطر ملاحظات خاصة تليق بشرف توجهات القناة، وبأصالة مشروعها الجهادي المقاوم، كأحد أهم أدوات الدفاع المشروع عن الأرض والعرض والمقدسات.
فيما يمكن تسطيره من ملاحظات حول أداء هذه القناة الفضائية وطبيعة خطابها الحماسي، المشتق أصلا من اسم القائمين عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يمكن القول إنها تتخذ من لغة الخطاب الحماسي المتقد، خطا ثابتا في الفكر والتصور والمعتقد، وهذا ما نراه في شتى البرامج والصور التي تعرضها القناة.
خطاب المرأة الفلسطينية، كما خطاب الرجل الفلسطيني، أثناء الحرب التي انقضت مؤخرا، يبدو غير مألوف، خارج تلك المساحة المباركة من الأرض. فاللغة الواضحة والنبرة الصحيحة، والفصيحة، والصوت الواضح والمعبر، والنّفس الطويل في التعامل مع المشاكل والأزمات الكبرى، وتفويض الأمر إلى الله، تلك مفردات غدت من المسلمات في طرح رجال ونساء فلسطين الأحرار، ممن رفضوا الركوع لغير خالقهم ومولاهم.
مفردات اللغة اليومية لأهل غزة وسائر فلسطين، التي تنقلها باحترام وإكبار قناة الأقصى الفضائية، لا تكاد تجد لها شبيها أو مثيلا خارج تلك البقعة المباركة من أرض العرب والمسلمين.
إنها لغة استبسالية، فيها من الصبر والاحتساب، ما هو كالجبال أو أعظم، وفيها من الاعتزاز بالإسلام ما يكفي لطرد الشياطين من رؤوس الحالمين حول أوهام نجاح التغريب في بلاد المسلمين!!
إنها لغة قوية، أخذ أهلها من الإسلام بحظ وافر، فأصبحوا بتلك العفوية الصادقة وذلك الصدق الذي يؤكده حالهم مثلا لما يمكن أن ينبته الإيمان من أزهار الصبر في قلوب الصالحين.
من تابع تغطية قناة الأقصى الفضائية لأحداث ما بعد الحرب على غزة في داخل أرض فلسطين، يذهل لحجم الصبر والاحتساب والرضى بقضاء الله وقدره المعبر عنه في كلمات أهل غزة، وهم يعاودون بناء مساجدهم التي طالها القصف والتدمير!!
كلماتهم الصادقة وغضبهم على هدم بيوت الله، كان برهانا حيا على أن هؤلاء الناس يتربع الدين في قلوبهم، ويسمو على كل غاية.
كان من بين المتحدثين الذين ظهروا في البرنامج التسجيلي الذي بثته فضائية الأقصى رجل في أواخر العقد الخامس اشتد به الغضب لله لا لنفسه ولا لأهل بيته ولا لما يملك من حطام فان، فقال: "تريد إسرائيل أن تضرب في الحجارة، فلتضرب. تريد أن تهدم البيوت، فلتفعل. لكن بيوت الله أغلى من أن نقبل بهدمها لأنها الأهم والأثمن، فلتذهب البيوت ولتبق المساجد".
إن كلماته الصادقة والمؤثرة أبلغ من ألف درس في تعظيم المساجد، وعن نفسي لم أسمع يوما شخصا يتحدث عن حبه للمساجد بمثل الطريقة التي تحدث بها هذا الرجل المشغول بدينه قبل كل شيء. كانت لغة الرجل الفلسطيني الذي يحمل الحجارة بيده ليعيد بناء المسجد أكبر وأعظم الدروس في تعظيم بيوت الله.
فأين هم الجالسون على الأرائك المتدثرون بلحاف الكسل، وهم ينأون عن إعمار بيوت الله، بالرغم من كونهم في مأمن من عدو مكشّر عن أنيابه السوداء من هذا الذي يفدي بيوت الله بنفسه، وببيته، وبأبنائه، فالمهم لديه أن لا يهدم جدار في مسجد، أما الحجارة ـ والمعنى هنا مطلق البنيان عدا المساجد ـ فحتى لو دمرت وقصف،ت لن يكون ذلك بحجم مرارة تهديم مسجد يذكر فيه اسم الله والكلام لذلك العابد المتعلق قلبه بدور العبادة.
هذه اللقطة التي عرضتها فضائية الأقصى، وتبعتها لقطات حية للتسابق بين الرجال والأطفال والشيوخ لأجل إعادة بناء بيوت الله المدمرة في غزة، تكفي لإزالة الوساوس والأوهام والظنون عن تراجع مكانة هذا الدين في القلوب، طالما هناك رجال همهم عمارة بيوت الله مهما غلا الثمن وكبرت التضحيات!!
وهكذا تتوالى الصور والبرامج من فضائية الأقصى التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس لتواصل تقديم حال المجتمع الفلسطيني المرابط في تلك الأرض المباركة ممن ارتفع سقف طموحهم، ولم يرضوا عن عبادة الله ورضوانه بديلا.
فضائية الأقصى جادة في إعادة تقديم أهل فلسطين لملايين العرب والمسلمين كطلائع للعودة المباركة إلى المنهج الإسلامي في التصور والسلوك من خلال بثها الموجه والشديد الوضوح الذي يكشف قيمة الدين ومكانته السامية لدى افراد المجتمع الفلسطيني في غزة والذين لم يكونوا اقل من مستوى أفراد المقاومة في حبهم للشهادة وشموخهم بها وكأنها صولجان العز الذي لو سقط من فوق هاماتهم فسوف تكو الخسارة الفادحة!
تظهر ملاحظة أخرى على أداء فضائية الأقصى عبر سلسلة الأناشيد الحماسية التي لا تكف القناة عن بثها على مدار اليوم والليلة، واللافت أن أناشيد فضائية الأقصى تظهر منشديها في هيئة أعادت هيبة الإنشاد الإسلامي الذي شابه الكثير من الضعف في السنوات الأخيرة حتى بلغ التمادي ببعض المنشدين المصنفين على أنهم في قائمة الإنشاد الإسلامي على التنافس في وضع المكياج وتجميل الشكل بل تمادى البعض وظهر أمام الجمهور حافا حواجبه كأنثى شغلها الاعتناء بالتزين واللباس عن بناء عقلها وفكرها الحي!!
هكذا وببساطة متناهية، أعادت فضائية الأقصى الإنشاد الإسلامي إلى مكانته السامية، وأعطته دوره الفاعل كشريك في خلق حالة من التفاعل والالتحام ما بين الفكرة المنهجية والعمل المنجز والشعر الملحن على إيقاع اللحظة الماثلة وبلغة الواقع، وما يتطلبه من لغة تساهم في رفع الروح المعنوية، وترسيخ المفاهيم الصحيحة في المقاومة والفداء!!
ببساطة ووضوح، شقت فضائية الأقصى، رغم إمكانياتها المادية البسيطة، طريقها للجماهير التي أرهقها الكلام البارد، وأزعجها الطرح الجامد فأتت روح شابة لا تشيخ، وإن طال عليها الدهر، ولا تبلى وإن تباعدت الأيام وكثرت عليها السهام وزادت حولها الدسائس والفتن. تلك روح فتية لا يزيدها الزمن إلا شبابا، ولا تزيدها الصعاب الاثباتا ولا الأحزان الارغبة في مواصلة رحلة استرجاع الحقوق المسلوبة.
روح وثابة لا تشيخ، وهمة متقدة لا تبلى أو تخبو ونفس طويل وصبر زادته الأعوام قوة وشموخا، فماذا بعد كل تلك الموارد يمكن أن يهزم شعبا هذا اختياره وقوة هذه إرادتها، وقوما هذا دأبهم وتلك حرفتهم وقد أصبح الصبر والمقاومة صبغتهم وخيارهم المفضل في كل الأحوال والظروف
ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، وهذا مبدأ راسخ في الإسلام فهمه المرابطون في تلك الأرض المباركة فهانت عليهم الجراح والخطوب وابتسموا للموت حتى خجل منهم وهو يحصدهم واقفين، ويأتي عليهم شامخين وينزل بهم راكعين لله ساجدين.
أي دروس باردة في التضحية والفداء في سبيل الحق الواجب يلقيها أستاذ في التربية الإسلامية، ما درس إلا لوظيفة ينالها، ولراتب يقبضه نهاية كل شهر، يمكن أن يشكل فارقا في ميزان التأثير والتغيير في مجتمعاتنا، مقابل اللغة الملتهبة حماسا وإيمانا التي يرددها رجال غزة وشبابها وأطفالها عبر الفضائيات العربية وبرامج النقل الحية في الطرقات والضواحي والمستشفيات؟!!
وأي مقال لا روح فيه ولا قوة تأخذ منه ولا طاقة تستمد من سطوره، يمكن أن يؤثر، مقابل الردود المدوية للحرب الغادرة على أهل غزة، والتي يرددها المظلومون باستبسال يخجل منه سواهم ممن باع فان بعزيز، واشترى بدينه عرض من الدنيا رخيص؟!!
هيهات لآلاف المقالات التي تتعرض لطبيعة الحرب الظالمة على أهل فلسطين أن تصف بطولة أولئك الناس الذين ولدوا كبارا، وعاشوا رجالا ونساء لله قانتين، ورحلوا شهداء يرجون رحمة الله، ويتطلعون لما عنده من ثواب للصابرين!!
وبشر الصابرين ببشارات ليس أقلها أن يكونوا رموزا في زمن الغدر والخيانة وان يكونوا قمما بين أقزام تاجروا بقضيتهم، وهم الشرفاء الذين يستحقون الوقوف إلى جانبهم حتى يستردوا حقوقهم المشروعة وأرضهم المحاصرة برا وبحرا وجوا.
لله كم لهؤلاء الصابرين المرابطين علينا من حقوق، وكم لهم من أياد بيضاء، وكم سبقونا إلى الخير وفازوا بشرف الثبات وسط المحنة، والصبر يوم الزحف ففازوا وخسر الهالعون المرجفون الذين يحسبون كل صيحة عليهم قلوبهم تسقط من هول كلمة الحق ونفوسهم أضعف أمام شهوات الدنيا من أن تفهم روح التحدي وثمن النصر وهيهات هيهات لمن لم يعرف الله أن يعرف نفسه، أو يتفهم طريق الخروج من المحن والفتن والشدائد!!
تاقت نفوس المجاهدين للجنة ففازوا وربح البيع، وضاعت نفوس وسط الفتنة فغرقوا في بحار الشهوات.
أحسب أن وجود قناة الأقصى شكل فارقا بين الحلم واليقظة والقول الفعل والصدق والزعم الكاذب، فمن قال إن ثمن التحرير يأتي عبر دهاليز المصالحة مع من لطخوا أيديهم بدماء الأبرياء، هو واهم كبير ومغفل، يحتاج لتنبيه من حماس؟!!
إن إصرار قناة الأقصى الفضائية على استخدام اللغة الحماسية الشديدة الوضوح، تضع النقاط على الحروف، وتجيب على أكبر سؤال يدور في كثير من العقول: هل بقي في زمن الاستسلام المتعدد الألوان، مكان للعزة والكرامة والشموخ؟!!
الجواب نعم كاملة تامة شافية لمن يبحث عن السلام الحقيقي لا السلام الزائف والمصطنع، المصنّع في البيت الأبيض المظهر، الداكن المخبر، الذي يأبى أن ينصف المظلوم من الظالم الجبان!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: