الحوار و التسامح في لغة المنهزمين "النخبة العلمانية و الليبرالية نموذجاً "
د. فهد بن عبد الله المطلق المشاهدات: 7771
مما لا جدال فيه أن لغة الحوار و التسامح من القيم الحضارية لأي أيديولوجية أو فكر بغض النظر عن ثوابت هذه الأيديولوجية ومما لا شك فيه أيضا أن كل إنسان يحمل فكراً أيديولوجيا منضبطاً بضابط العدل و المساواة لابد و أن يدعو إلى لغة الحوار و التسامح وهذا أمر إيجابي...لكن هناك سؤال يطرح نفسه عن طبيعة القالب الذي يحتضن هذا الحوار و التسامح بين الحضارات؟!!
دعني عزيزي القارئ و القارئة الكريمان أوضح مثالا على ما أقصده وهو مشاريع السلام المطروحة بين الشعب الفلسطيني و الشعب الإسرائيلي في فلسطين، فعلى مر تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ظهرت أصوات عقلاء بين الطرفين تنادى بلغة الحوار و التسامح و لكن ما الذي حدث؟!!
إن المستقرئ لتاريخ هذا الصراع يجد مفارقة عجيبة و هي أن لغة الحوار و التسامح تطرح من الجانب الإسرائيلي من خلال قلة من سياسييهم ممن لا يملكون حلاً ولا ربطاً بل إن أصواتهم القليلة تضيع في خضم الأصوات المتلاطمة و التي تدعو للغة القوة و الاحتقار و الازدراء و الاستعمار.
بينما الجانب الفلسطيني من خلال قيادته المنفذة تدعو إلى لغة الحوار و التسامح بل خطت خطوات عملية بالتنازل عن كثير من ثوابت المشروع الفلسطيني و في الحقيقة عندما يكون السلام و لغة الحوار و التسامح من طرف واحد يقابله العنجهية و الاستكبار و التعالي و الغطرسة من الجانب الإسرائيلي فإن لغة الحوار و التسامح تكون انهزامية بل تمريغا للكرامة و مقدرات الشعب الفلسطيني في وحل الذل و المهانة و قد يقول قائل إذن ما هو الحل؟!!
نقول للقيادات الفلسطينية و التي تحاول فرض لغة الحوار و التسامح بأسلوب رخيص أن الشعب الفلسطيني لم يفوضكم على هذا التسامح الذليل ولذا نقول لهم دعوا الأجيال القادمة تقول كلمتها في لغة الحوار و التسامح من خلال الندية لا الانهزامية و النظرة الدونية من قبل العقلية اليهودية الإسرائيلية المتغطرسة.
و لقد سقت هذا المثال لإيضاح ما أصبوا إليه من قول
و من الملاحظ أن لغة الحوار و التسامح والتي بدأت تعلو من بعض مثقفي هذه الأمة يعتبر صوتا إيجابيا و لكن كما ذكرت سابقاً ما هي طبيعة القالب الذي تصاغ فيه هذه الدعوة؟!!
هل هو قالب الانهزامية أم قالب الكرامة و هل هو قالب التنازل عن ثوابت الانتماء الحضاري؟
هل لابد من فرض لغة الحوار و التسامح على هذه الأمة حتى لو أدى ذلك إلى الذل و الهوان و الانبطاح و تحمل صفعات و ركلات قادة و مثقفي الفكر الغربي بتطبيق مقولتهم النصرانية: إذا ضربك على خدك الأيمن فأدر له خـدك الأيسر!!
الحقيقة أن هناك أصوات كثيرة من عقلاء و مفكري هذه الأمة من يدعو إلى لغة الحوار و التسامح و هذا أمر مطلوب و لا غبار عليه و لكن هل الطرف الآخر من قادة و مفكري الغرب لديهم القابلية و القناعة في لغة الحوار و التسامح؟
قد يوجد ثلة قليلة منهم ممن يدعو إلى ذلك و لكن صوت هذه الثلة القليلة يضيع في خضم الغوغائية من قادة و مفكري الغرب.
و قد يقول قائل هل هناك أدلة توضح رفض القادة و المفكرين الغربيين لحوار التسامح و التعايش بين الحضارات
و في الحقيقة إن الأمثلة أكثر من أن تحصى على هذا الرفض من قبل النخبة و القادة الغربيين وسأذكر بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر.
و منها إعلان حرب صليبية على هذه الأمة على لسان قادتها السياسيين و مفكريها بل و علماء الدين من خلال كنائسهم و يمثل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية و هذا أمر يعرفه القاصي و الداني.
ومن ذلك الاستهزاء و التهكم و محاربة و تشويه ثوابت حضارتنا عبر إعلامهم الغربي و من ذلك محاربة رموز هذه الثوابت و مثال ذلك استهزاء بعض الدول الغربية بأهم رمز من رموز حضارتنا و هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بل إن هناك دولا غربية تعمل على حماية هذا التوجه تحت دعاوى الحرية و الديمقراطية.
ومن الصور الأخرى محاربة الحجاب كرمز من رموز حضارتنا كما هو حاصل في فرنسا و ألمانيا و غيرهما و حتى لا أطيل على القارئ و القارئة الكريمين أريد أن أختم هذه الأمثلة من أمثلة الدعوة للحوار و التسامح الغربي بما حدث من خلال رمز من رموز الحضارة الغربية عبر برنامجه المتلفز و المذاع على أكثر من ثلاثة مائة و خمسين محطة أمريكية عندما يقول في كلمته التي تنم عن حقد صليبي و همجي و بربري و غير حضاري حيث قال هذا المعتوه للمسلمين كلمة تهجم فيها هجوما ساقطا على الإسلام ورموزه وقد تقبل الشعب الأمريكي الصليبي هذه المقولة من غير استنكار من قبل الحكومة أو الشعب الأمريكي إلا باستثناء ثلة قليلة من عقلاء القوم و التي ضاعت في خضم الأصوات الغوغائية الأمريكية صاحبة الحرية و الديمقراطية و المساواة و العدل!
فأوجه خطابي هذا إلى النخبة العلمانية و الليبرالية و التنويريين و العصرانيين لأقول لهم نحن لسنا بحاجة لهذه اللغة الحوارية التسامحية الغارقة في وحل الذل و الهوان و الاستكبار لذا دعوا لغة الحوار و التسامح لمن لا يتنازل عن مبادئه ليفرضها على الساسة و المفكرين الغربيين من خلال الندية لا الدونية في الطرح و الحوار حيث لن تجنى الأمة من هذا الطرح الانهزامى إلا الشوك و الحنظل.
وأوجه ندائي هذا إلى النخبة من العلمانيين و اللبراليين العرب المهيمنين على الإعلام العربي أن يدعوا أسيادهم إلى شئ من العقل في لغة الحوار و التسامح لكي تتولد قناعات لدى الساسة و المفكرين الغربيين في هذا الشأن فيكون الحوار على أساس الندية و الاحترام المتبادل..
فإن لم تفعلوا فحق لكم أن تدعو عبر منابركم الإعلامية إلى لغة الحوار والتسامح مع الآخر.. ولكن قبل ذلك لا بد أن تدركوا أن صنيعكم هو نوع من العمالة و النخاسة السياسية و الثقافية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: