في خضم المعركة بين التيار الإسلامي وغيره من التيارات التي تجاهد بكل العزم حتى تبعد الإسلام عن ساحة الحياة حيث شكلت قضية المرأة أحد أهم حلقات هذه المعركة ..كان اهتمام الإسلاميين بدعوة النساء للالتزام بالإسلام في السلوك واللباس والانحياز الفكري غالبة على ساحة الأولويات الإسلامية ..تلا ذلك الاهتمام بكشف الشبهات والرد عليها ..تلك الشبهات المملة المكررة عن ظلم الإسلام للمرأة وقضايا القوامة والميراث والشهادة ونحو ذلك مما لا يرغبون حقيقة في فهم جوهره ..وأخيرا جاء الاهتمام والتصدي للمؤتمرات المشبوهة والقوانين التي يريد العلمانيين أن ينجحوا من خلالها في إحداث فجوة واسعة في بناء المجتمع المسلم .
لكن السؤال الملح هو.. هل يا ترى ألهانا التصدي لكشف الشبهات عن بناء قوتنا الداخلية وتأمين بعدنا الاستراتيجي؟ أعني هل اهتممنا بنفس القدر بالنساء اللاتي التزمن بالفعل واللاتي رفعن راية الإسلام عن اقتناع وحب؟ هل تم وضع خطط وبرامج فعالة من أجل أن يصبحن فعلا نموذجا للمرأة المسلمة؟..امرأة في شجاعة سمية وصلابة أسماء وصبر فاطمة ورجاحة عقل أم سليم، ولسن مجرد صور لها سمت الإسلام ولكنها تعاني في فقهها له، ولم تستوعب الخطوط العامة لفلسفته وقيمه هذا من ناحية..أما الناحية الأخرى التي هي بحاجة حقيقية لبذل الجهد التربوي والاجتماعي لحلها فهي المشكلات العملية التي تقف عقبات في طريق الملتزمات.
على طريق الزواج
إن أقصى ما تعانيه الفتاة الملتزمة هو البحث عن زوج صالح يتقي الله فيها والكثير من الفتيات الملتزمات لديهن استعداد كبير للتنازل عن الكثير من الطموحات المادية التي تبحث عنها الفتيات الأخريات وعلى الرغم من ذلك لا يحظين بزوج مناسب وتمر بهن السنوات وهن يعانين معاناة حقيقية صامتة ولعل أحد الأسباب التي تحول دون زواجهن أنه لا توجد آلية محددة ومفعلة للتعارف ومن ثم الخطبة والزواج. فهناك شباب ملتزم يعاني من الظروف الاقتصادية السيئة ولا يعرف أن هناك من تقبل بظروفه هذه، وهناك فتيات على درجة عالية من الثقافة ولا يتقدم لها إلا شباب متوسط الثقافة فتكون بين خيارين أحلاهما مر .
أما المشكلة الحقيقية عند كثير من الفتيات الملتزمات فهي مشكلة الأهل الذين لا يريدون الملتزم، أو الأهل الذين لا يريدون التنازل عن شيء من التطلعات المادية حتى لو بقيت ابنتهم دون زواج طيلة العمر.
وأخيرا تأتي مشكلة الكثير من الشباب الملتزم الذي يريد الارتباط بالجميلة بل والجميلة جدا، وفقا لكراسة الشروط التقليدية المتعارف عليها في المجتمع، مما يحطم نفسية الكثير من الملتزمات اللاتي لا يتمتعن بهذا القدر الكبير من الجمال.
الزواج والدعوة
من المشكلات الحادة في طريق المرأة الداعية التي تتزوج بإنسان ملتزم في ذاته ولكنه لا يحمل هم الدعوة –وهو أمر يحدث كثيرا نتيجة للأسباب التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة- أنه يمنعها من ممارسة دورها الدعوي، تارة باستخدام طريقة الأمر المباشر، وأخرى بحجة أن البيت أولى بجهدها.
أعرف صديقة كانت إذا أرادت الذهاب لمعهد إعداد الدعاة يبحث زوجها عن أي عمل منزلي لم ينته ويعطيها محاضرة عن ضرورة الاهتمام بالبيت، في حين أنه ألح عليها كي تعمل معلمة من أجل تأمين دخل إضافي، وغض البصر تماما عن أي جانب نقص في الأمور المنزلية.
وهذا زوج آخر يمنع زوجته من الدعوة من أجل الهواجس الأمنية، رغم أنها تعطي دروسًا للأطفال والنساء في أمور شرعية بعيدة كل البعد عن متاهات السياسة.
وكم تكون حسرة الداعيات كبيرة عندما يقارن حالهن بحال النساء اللاتي يتزوجن من رجال همهم الأول الدعوة إلى الله عز وجل، فهذا الداعية يطلب من زوجته ألا تضيع عمرها في المطبخ فيطلب منها إعداد أطباق سهلة بسيطة كي تجد الوقت الكافي للقراءة وحفظ القرآن، وهذا الداعية يدفع زوجته لإلقاء الدروس على النساء مصطحبة رضيعها بل ويقوم الزوج شخصيا بإعداد المادة لزوجته وتشجيعها حتى تتجاوز رهبة التحدث إلى جمع من النساء، يحدث ذلك في وقت تحرم فيه الدعوة النسائية من داعيات مؤهلات لديهن الخبرة الواسعة في هذا المجال.
وللأبناء قضية
إذا كانت الدعوة قضية قد تكون اختيارية، فإن تربية الأبناء هي قضية على أقصى درجة من الأهمية عند أي امرأة ملتزمة، فهي دائما ما تتمثل مقولة إن المرأة التي تهز المهد بيمينها تستطيع أن تهز العالم بيسارها، وكما تطلق على أبنائها أسماء الصحابة فهي تضع نصب أعينها أن تقوم بتربية جيل فريد يمحو الهزيمة عن ساحة أمته التي أثخنتها الجراح، ولو استمعنا لأي فتاة ملتزمة في بداية زواجها ومساحة الأحلام الوردية التي تعلقها على الأبناء ثم استمعنا لها بعد عدد من السنوات وهي تحكي عن مشكلات الأطفال والمراهقين لأدركنا مدى المأزق التربوي الذي يواجه المرأة الملتزمة، وذلك لأن هناك ظروفًا بالغة الدقة والتعقيد تحيط بالعملية التربوية، فهناك شركاء عديدون يتقاسمون تنشئة الأبناء، فليست الأم وحدها ولا الوالدين فحسب هم من يقومون بعملية التربية فالمدرسة وجماعة الرفاق و الأصدقاء وشبكة الإنترنت وقنوات الدش وغير ذلك يسهم في تربية الطفل وتكوينه وإكسابه القيم الخاصة به والتي قد تختلف قليلا أو كثيرا عما كان يطمح إليه الوالدان ..وهذا يتطلب أما غير تقليدية بالمرة تبحث عن طرق غير تقليدية لتربية أطفالها ..ولاشك أن دعم هذه الأم وتقديم الخبرات اللازمة لها كي تتجاوز العقبات الكثيرة التي قد تقف في طريقها من أهم واجبات الإعلام الإسلامي.