البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حركة تاريخية لاستبدال النخب في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 675



اليوم الخامس من رمضان (لحظة كتابة المقال)، يبدو كل شيء هادئا من الخارج، الناس يتدبرون أمرهم لكن الأسئلة عن الأسعار في الأسواق تُسمع بكثرة. ساعة واحدة من الملاحظة المدربة تكشف مشاهد الوقوف أمام صناديق الغلال ثم الاكتفاء بشراء الخضر. أما القصابون فيشكون من غلاء سلعتهم كأنهم أبرياء من رفع السعر، يشاهد الناس اللحم من بعيد ويولون. لكن رغم ذلك تفاجئ الملاحظ صور ثراء غير متوقعة تملأ الشارع، كافتتاح محل لبيع الحلويات أو الظهور بسيارة جديدة (لا يزال اقتناء سيارة يشكل علامة ترق اجتماعي) أو مرمة بناء منزل خاص بالمرمر الايطالي.

من أين يتدبر المتدبرون حالهم؟ وأين توقعاتنا الحالمة بأن الأزمة الاقتصادية ستسقط الانقلاب؟ في مراجعاتنا للموقف من الانقلاب ومن معارضيه نقول إن التعويل على الأزمة مثل التعويل على السفارات، كان وهْما كسولا أو جبانا. هل يبدو الانقلاب متقدما على معارضيه؟ وأكثر فهما لطبيعة المجتمع الذي يحكمه؟

المعارضة الطفولية

لا أستصغر الأسماء المعارضة للانقلاب فلي فيها أصدقاء فضلا على أنها تقبع الآن خلف القضبان وهو موقع الشرف الوحيد في اللحظة التونسية الراهنة، لكن الملاحظ أن هناك خيطا فكريا ونضاليا متوارثا من تقاليد معارضة بن علي، هو الاكتفاء بالنضال الحقوقي في الداخل والتعويل على إسناد الأصدقاء الديمقراطيين في الخارج.

لقد تحركت المعارضة في الداخل بشجاعة طعنت في شرعية الانقلاب وأفقدته الكثير من مشروعيته، لكن تحركاتها كانت عبر مسار متقطع لم يربك عمليا خطط الانقلاب فمضى في مشروعه. في تلك التحركات المتناثرة قرأ الانقلاب ضعف المعارضة، وقرأ الناس أيضا هذا الضعف فلم يعوّلوا ومالوا إلى تدبير أمورهم بوسائلهم وحيلهم وقد رسخ في أذهانهم أن الانقلاب باق.

ماذا كان على المعارضة أن تفعل؟ هذا السؤال ليس للمزايدة (على الأقل احتراما لمن خلف القضبان)، لكننا نروم قراءة الأحداث بأقل القليل من العواطف. بعد عشرين شهرا من الانقلاب الصريح نرى أن الوعي بالانقلاب لم يكن كاملا ولذلك تأخرت الاتفاقات على خطة معارضته، ونتيجة لذلك أمكن له توجيه ضربة قوية لمختلف القيادات؛ بانت نتيجتها مباشرة في صمت الشارع.

لنقلها بلا مواربة: الموقف الصريح في معارضته كان موقف حزب النهضة ومن سارع إلى الالتحاق به ودعمه وطوّره خاصة "مواطنون ضد الانقلاب"، أما الذين عارضوا بجوار هذا الموقف دون الانضمام إليه أو بمحاولة تعديله فقد أوهنوا المعارضة وشتتوا عوض أن يجمعوا، وهو ما سهّل ضربهم. هذا وجه من وجوه المعارضة الطفولية وقد جُرب زمن بن علي ولم يُنتج شيئا.

انتظار المعجزات

ليس هذا هو الوجه الوحيد للنضال الطفولي للمعارضة، لقد كان التواصل المستمر مع السفارات تحت عنوان التشاور أو التعبير عن الانشغال إحدى لحظات ضعف المعارضة، ويستوي في هذا الجميع. شواهد التاريخ كانت دوما حاضرة في تونس عن عدم رغبة الدولة الغربية في تغيير النظام القائم بقطع النظر عن الأشخاص. انتظرت معارضة بن علي ربع قرن أن يردع البرلمان الأوروبي سياسات بن علي القمعية، وكانت البيانات الحقوقية تصل تونس أكثر من المطر، ولكن الدعم الحقيقي بالمال والحماية كان لرأس النظام ولسياساته.

معارضة الانقلاب تتغاضى عن خيبة الشعوب من الديمقراطيات الغربية التي لم تتخل عن خططها الاستعمارية، فهي تسند أشد الانظمة قمعا وتجامل معارضيها ببيانات أخوية، ولم تتغير الخطة بعد الربيع العربي. وكان على المعارضة أن تتخلى عن وهم نصرة يأتيها من هناك، لكنها لا تزال تقع في نفس الخطأ أو لعلها تتعمده لأنه يوهمها بدور، ومن يدرينا ما هو شعور معارض صغير مجهول يجلس إلى سفير الولايات المتحدة الذي يظهر له الاهتمام؟ ربما كان هدفه من المعارضة أن يجلس جلسة من تلك الجلسات ويضعها في سيرته الذاتية لطلب الجرين كارت.

الوهم الثاني الكبير هو انتظار ثورة الشارع، وبشكل أكثر دقة التحاق الشارع الاجتماعي بالمعارضة السياسية. هذا الشارع غاب ولم يحضر ولا نراه يلتحق بالمعارضة، وهذه المعارضة تبني وهْما وتنتظر سرابا، والأسباب متعددة.

إن التشويه الذي ألحقه الإعلام بالطبقة السياسة غير قابل للجبر، لقد أقام حاجزا عاليا بين كل متحدث من النخب وبين الشارع الاجتماعي، ولكن لا يمكن تعليق كل القطيعة على الإعلام.

لقد كانت مناورة القصبة (أو الثورة) عملية خداع كبيرة نبهت قطاعات واسعة من الشباب والنشطاء إلى خطورة العمل مع الطبقة السياسية التونسية في العاصمة خاصة. لقد ضحكت تلك النخبة على الشارع الثائر، وقد ترك ذلك جرحا عميقا من عدم الثقة لن يسمح في تقديرنا بخديعة ثانية. لقد كانت هذه القطيعة ظاهرة في مظاهرات المعارضة؛ وحدهم المتحزبون كانوا يستجيبون لنداءات قيادتهم بالتحرك أما الشارع الذي يعاني الأزمة الاجتماعية فيتدبر أمره بحلول فردية ولا يوالي المعارضة.

حركة استبدال تاريخية

لا نعني الاستبدال البشري بالخلفية العنصرية التي تحدث بها المنقلب مؤخرا، لكن هناك مؤشرات قوية على نهاية مرحلة ونشأة أخرى. سبق أن كتبنا أن الانقلاب ينهي دولة بورقيبة، وكان ذلك مبنيا على عملية تحطيم مؤسسات الدولة وتغيير مهامها، لكن بدأنا نعاين استبدالا آخر يتجاوز المؤسسات الشكلية.

النخب السياسية ورغم شرعية المرور عبر السجون تُستبدل بهدوء. استنزف الانقلاب قدرة النخب القديمة (التي ملأت المشهد منذ نصف قرن) على التطور والابتداع بتجاوز فردياتها وميلها إلى الزعامة والظهور الإعلامي بلا مضامين. لقد وضعها أمام حقيقة بسيطة هي عاجزة بذاتها وغير قادرة بغيرها وإن سعت (نقطة قوتها الافتراضية في وحدتها لكنها لم تتوحد ولا تسعى إلى ذلك، لذلك فهي منتهية كأفراد وكأطروحات سياسية). هنا يبدو الانقلاب أو من يفكر له متقدما على المعارضة وعارفا بضعفها الأصلي.

ليس معنى هذا أن الانقلاب يصنع نخبته، فالانقلاب حالة جهل مطلق من منشئه إلى مناصريه، لذلك فهو في حكم المنتهي فكريا وسياسيا. إنه نزوة لا تدخل في سياقات الاستبدال، إنما نرى الاستبدال يتجه إلى إنهاء حالة النخبة التونسية التي سأنعتها بالنخبة المستنفدَة الصلاحية. لكن رغم هذا اليقين فإن رسم معالم النخب الجديدة القادمة من وراء الانقلاب ليس متاحا بسهولة، إننا نرى أدبار المنصرفين ولا نرى وجوه القادمين ربما لأننا نسير مع المنصرفين.

قد نكتب قريبا أن التمسك بدستور 2014 هو نوع من الأصولية الدستورية وأن فيه بعض البكاء على رسم درس. أرى حول دستور 2014 ملامح جماعة سياسية تشبه من بقي مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعد أن هرب بورقيبة بحزب الدستور إلى منطقة الساحل وأسس نخبته الجديدة. كان ذلك استبدالا تاريخيا بإنهاء نخبة الحضر وإحلال نخبة الأطراف، وقد وصلت المرحلة إلى نهايتها مع الانقلاب النزوة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-03-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سفيان عبد الكافي، حسن الطرابلسي، الهادي المثلوثي، سلوى المغربي، ضحى عبد الرحمن، د. صلاح عودة الله ، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، عواطف منصور، خالد الجاف ، صلاح المختار، حميدة الطيلوش، عبد العزيز كحيل، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود سلطان، فتحي العابد، د - عادل رضا، أشرف إبراهيم حجاج، الهيثم زعفان، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، عبد الرزاق قيراط ، الناصر الرقيق، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، بيلسان قيصر، جاسم الرصيف، أبو سمية، مصطفى منيغ، تونسي، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، فوزي مسعود ، صفاء العراقي، أنس الشابي، يزيد بن الحسين، علي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمد رحال، صلاح الحريري، محمد العيادي، عمر غازي، العادل السمعلي، مجدى داود، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، رشيد السيد أحمد، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، سامر أبو رمان ، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، محمد أحمد عزوز، يحيي البوليني، محمد يحي، عمار غيلوفي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد علي العقربي، محمد اسعد بيوض التميمي، إسراء أبو رمان، صفاء العربي، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، محمد شمام ، أحمد النعيمي، ياسين أحمد، منجي باكير، أحمد الحباسي، رافع القارصي، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، المولدي اليوسفي، د - شاكر الحوكي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. مصطفى يوسف اللداوي، فهمي شراب، كريم فارق، د. عبد الآله المالكي، د. خالد الطراولي ، د - الضاوي خوالدية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد عمر غرس الله، محمود طرشوبي، د.محمد فتحي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، نادية سعد، د. أحمد بشير، طارق خفاجي، المولدي الفرجاني، محمد الطرابلسي، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، علي الكاش، حسن عثمان، ماهر عدنان قنديل، إياد محمود حسين ، أحمد ملحم، طلال قسومي، محمد الياسين، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، عبد الله الفقير، د. أحمد محمد سليمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافد العزاوي، رضا الدبّابي، عبد الغني مزوز، مراد قميزة، صباح الموسوي ، سامح لطف الله، مصطفي زهران، سعود السبعاني،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة