البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حركة تاريخية لاستبدال النخب في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 389



اليوم الخامس من رمضان (لحظة كتابة المقال)، يبدو كل شيء هادئا من الخارج، الناس يتدبرون أمرهم لكن الأسئلة عن الأسعار في الأسواق تُسمع بكثرة. ساعة واحدة من الملاحظة المدربة تكشف مشاهد الوقوف أمام صناديق الغلال ثم الاكتفاء بشراء الخضر. أما القصابون فيشكون من غلاء سلعتهم كأنهم أبرياء من رفع السعر، يشاهد الناس اللحم من بعيد ويولون. لكن رغم ذلك تفاجئ الملاحظ صور ثراء غير متوقعة تملأ الشارع، كافتتاح محل لبيع الحلويات أو الظهور بسيارة جديدة (لا يزال اقتناء سيارة يشكل علامة ترق اجتماعي) أو مرمة بناء منزل خاص بالمرمر الايطالي.

من أين يتدبر المتدبرون حالهم؟ وأين توقعاتنا الحالمة بأن الأزمة الاقتصادية ستسقط الانقلاب؟ في مراجعاتنا للموقف من الانقلاب ومن معارضيه نقول إن التعويل على الأزمة مثل التعويل على السفارات، كان وهْما كسولا أو جبانا. هل يبدو الانقلاب متقدما على معارضيه؟ وأكثر فهما لطبيعة المجتمع الذي يحكمه؟

المعارضة الطفولية

لا أستصغر الأسماء المعارضة للانقلاب فلي فيها أصدقاء فضلا على أنها تقبع الآن خلف القضبان وهو موقع الشرف الوحيد في اللحظة التونسية الراهنة، لكن الملاحظ أن هناك خيطا فكريا ونضاليا متوارثا من تقاليد معارضة بن علي، هو الاكتفاء بالنضال الحقوقي في الداخل والتعويل على إسناد الأصدقاء الديمقراطيين في الخارج.

لقد تحركت المعارضة في الداخل بشجاعة طعنت في شرعية الانقلاب وأفقدته الكثير من مشروعيته، لكن تحركاتها كانت عبر مسار متقطع لم يربك عمليا خطط الانقلاب فمضى في مشروعه. في تلك التحركات المتناثرة قرأ الانقلاب ضعف المعارضة، وقرأ الناس أيضا هذا الضعف فلم يعوّلوا ومالوا إلى تدبير أمورهم بوسائلهم وحيلهم وقد رسخ في أذهانهم أن الانقلاب باق.

ماذا كان على المعارضة أن تفعل؟ هذا السؤال ليس للمزايدة (على الأقل احتراما لمن خلف القضبان)، لكننا نروم قراءة الأحداث بأقل القليل من العواطف. بعد عشرين شهرا من الانقلاب الصريح نرى أن الوعي بالانقلاب لم يكن كاملا ولذلك تأخرت الاتفاقات على خطة معارضته، ونتيجة لذلك أمكن له توجيه ضربة قوية لمختلف القيادات؛ بانت نتيجتها مباشرة في صمت الشارع.

لنقلها بلا مواربة: الموقف الصريح في معارضته كان موقف حزب النهضة ومن سارع إلى الالتحاق به ودعمه وطوّره خاصة "مواطنون ضد الانقلاب"، أما الذين عارضوا بجوار هذا الموقف دون الانضمام إليه أو بمحاولة تعديله فقد أوهنوا المعارضة وشتتوا عوض أن يجمعوا، وهو ما سهّل ضربهم. هذا وجه من وجوه المعارضة الطفولية وقد جُرب زمن بن علي ولم يُنتج شيئا.

انتظار المعجزات

ليس هذا هو الوجه الوحيد للنضال الطفولي للمعارضة، لقد كان التواصل المستمر مع السفارات تحت عنوان التشاور أو التعبير عن الانشغال إحدى لحظات ضعف المعارضة، ويستوي في هذا الجميع. شواهد التاريخ كانت دوما حاضرة في تونس عن عدم رغبة الدولة الغربية في تغيير النظام القائم بقطع النظر عن الأشخاص. انتظرت معارضة بن علي ربع قرن أن يردع البرلمان الأوروبي سياسات بن علي القمعية، وكانت البيانات الحقوقية تصل تونس أكثر من المطر، ولكن الدعم الحقيقي بالمال والحماية كان لرأس النظام ولسياساته.

معارضة الانقلاب تتغاضى عن خيبة الشعوب من الديمقراطيات الغربية التي لم تتخل عن خططها الاستعمارية، فهي تسند أشد الانظمة قمعا وتجامل معارضيها ببيانات أخوية، ولم تتغير الخطة بعد الربيع العربي. وكان على المعارضة أن تتخلى عن وهم نصرة يأتيها من هناك، لكنها لا تزال تقع في نفس الخطأ أو لعلها تتعمده لأنه يوهمها بدور، ومن يدرينا ما هو شعور معارض صغير مجهول يجلس إلى سفير الولايات المتحدة الذي يظهر له الاهتمام؟ ربما كان هدفه من المعارضة أن يجلس جلسة من تلك الجلسات ويضعها في سيرته الذاتية لطلب الجرين كارت.

الوهم الثاني الكبير هو انتظار ثورة الشارع، وبشكل أكثر دقة التحاق الشارع الاجتماعي بالمعارضة السياسية. هذا الشارع غاب ولم يحضر ولا نراه يلتحق بالمعارضة، وهذه المعارضة تبني وهْما وتنتظر سرابا، والأسباب متعددة.

إن التشويه الذي ألحقه الإعلام بالطبقة السياسة غير قابل للجبر، لقد أقام حاجزا عاليا بين كل متحدث من النخب وبين الشارع الاجتماعي، ولكن لا يمكن تعليق كل القطيعة على الإعلام.

لقد كانت مناورة القصبة (أو الثورة) عملية خداع كبيرة نبهت قطاعات واسعة من الشباب والنشطاء إلى خطورة العمل مع الطبقة السياسية التونسية في العاصمة خاصة. لقد ضحكت تلك النخبة على الشارع الثائر، وقد ترك ذلك جرحا عميقا من عدم الثقة لن يسمح في تقديرنا بخديعة ثانية. لقد كانت هذه القطيعة ظاهرة في مظاهرات المعارضة؛ وحدهم المتحزبون كانوا يستجيبون لنداءات قيادتهم بالتحرك أما الشارع الذي يعاني الأزمة الاجتماعية فيتدبر أمره بحلول فردية ولا يوالي المعارضة.

حركة استبدال تاريخية

لا نعني الاستبدال البشري بالخلفية العنصرية التي تحدث بها المنقلب مؤخرا، لكن هناك مؤشرات قوية على نهاية مرحلة ونشأة أخرى. سبق أن كتبنا أن الانقلاب ينهي دولة بورقيبة، وكان ذلك مبنيا على عملية تحطيم مؤسسات الدولة وتغيير مهامها، لكن بدأنا نعاين استبدالا آخر يتجاوز المؤسسات الشكلية.

النخب السياسية ورغم شرعية المرور عبر السجون تُستبدل بهدوء. استنزف الانقلاب قدرة النخب القديمة (التي ملأت المشهد منذ نصف قرن) على التطور والابتداع بتجاوز فردياتها وميلها إلى الزعامة والظهور الإعلامي بلا مضامين. لقد وضعها أمام حقيقة بسيطة هي عاجزة بذاتها وغير قادرة بغيرها وإن سعت (نقطة قوتها الافتراضية في وحدتها لكنها لم تتوحد ولا تسعى إلى ذلك، لذلك فهي منتهية كأفراد وكأطروحات سياسية). هنا يبدو الانقلاب أو من يفكر له متقدما على المعارضة وعارفا بضعفها الأصلي.

ليس معنى هذا أن الانقلاب يصنع نخبته، فالانقلاب حالة جهل مطلق من منشئه إلى مناصريه، لذلك فهو في حكم المنتهي فكريا وسياسيا. إنه نزوة لا تدخل في سياقات الاستبدال، إنما نرى الاستبدال يتجه إلى إنهاء حالة النخبة التونسية التي سأنعتها بالنخبة المستنفدَة الصلاحية. لكن رغم هذا اليقين فإن رسم معالم النخب الجديدة القادمة من وراء الانقلاب ليس متاحا بسهولة، إننا نرى أدبار المنصرفين ولا نرى وجوه القادمين ربما لأننا نسير مع المنصرفين.

قد نكتب قريبا أن التمسك بدستور 2014 هو نوع من الأصولية الدستورية وأن فيه بعض البكاء على رسم درس. أرى حول دستور 2014 ملامح جماعة سياسية تشبه من بقي مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعد أن هرب بورقيبة بحزب الدستور إلى منطقة الساحل وأسس نخبته الجديدة. كان ذلك استبدالا تاريخيا بإنهاء نخبة الحضر وإحلال نخبة الأطراف، وقد وصلت المرحلة إلى نهايتها مع الانقلاب النزوة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-03-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، سلوى المغربي، د- محمد رحال، د. عادل محمد عايش الأسطل، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، جاسم الرصيف، كريم فارق، فهمي شراب، عبد الغني مزوز، رمضان حينوني، د - صالح المازقي، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، سعود السبعاني، صلاح الحريري، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله زيدان، عواطف منصور، فتحي العابد، محرر "بوابتي"، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، صلاح المختار، أ.د. مصطفى رجب، رضا الدبّابي، محمود طرشوبي، حاتم الصولي، أبو سمية، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، ياسين أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، ضحى عبد الرحمن، صفاء العراقي، د. أحمد محمد سليمان، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله الفقير، محمد شمام ، صباح الموسوي ، وائل بنجدو، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مصطفى منيغ، منجي باكير، حسن الطرابلسي، إياد محمود حسين ، د. عبد الآله المالكي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد يحي، الهيثم زعفان، د - عادل رضا، د. طارق عبد الحليم، عمار غيلوفي، مصطفي زهران، د. صلاح عودة الله ، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، رافد العزاوي، نادية سعد، تونسي، سفيان عبد الكافي، إيمى الأشقر، الهادي المثلوثي، أحمد ملحم، علي الكاش، أحمد النعيمي، أحمد بوادي، فوزي مسعود ، خالد الجاف ، د. أحمد بشير، يزيد بن الحسين، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، د - المنجي الكعبي، سيد السباعي، عزيز العرباوي، محمود سلطان، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العربي، د- جابر قميحة، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، مجدى داود، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، محمد الياسين، العادل السمعلي، محمد عمر غرس الله، عمر غازي، إسراء أبو رمان، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، د. ضرغام عبد الله الدباغ، المولدي الفرجاني، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، سامر أبو رمان ، يحيي البوليني، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد العيادي، د- هاني ابوالفتوح، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامح لطف الله، مراد قميزة، عراق المطيري، د - الضاوي خوالدية،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة