لم تعد الأهداف غائبة عنا، بحضور الشيخ أسامة الأزهري، المستشار الديني للجنرال السيسي، إلى حلبة الجدل الذي أثاره "إبراهيم عيسى" حول الصيدلي والقرآن الكريم، فأحدهما هو الصوت بينما الآخر هو الصدى، على نحو ذكرني بالدويتو السابق "وائل كافوري" و"نوال الزغبي". ولا أدري من أين جاء لي التصور بأن مقطع "آنده ويرد الصدى"، هو من أغنية "مين حبيبي أنا رد علي وقول"؛ وإذ أطلعت على كلماتها قبل كتابة هذه السطور، فقد راعني أنه لا وجود لهذا المقطع ضمنها، إذاً لا بأس، فقد نادى الصوت فرد الصدى، ليظل هذا "الارتباط الوظيفي"، لا "العضوي"، يذكرني بهذا الدويتو "وائل" و"نوال"!
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحضر فيها الصدى "أسامة الأزهري"، على خط الصوت "إبراهيم عيسى". ففي أقل من شهرين وعندما افتعل "عيسى" أزمة مع النادي الأهلي، وبهجوم فج وغير مسبوق، وبحدة بدت وكأنه في مواجهة مع العدو في ساعة الحرب، ظهر المستشار الديني للسيسي وقد أطلق مبادرة بإبرام معاهدة سلام بين "الأهلي" و"الزمالك" في "دوار العائلة"، حيث مسجد "الفتاح العليم" لصاحبه عبد الفتاح السيسي. ومن المعلوم أن أسامة هو إمام هذا المسجد، وإذا كان الهجوم وحدته غريباً فكان الأغرب هو دخول رجل دين على الخط، وإطلاقه هذه المبادرة على أن يكون الصلح في هذا المسجد، وكأنها دعوة لعقد قرآن!
ندرك بطبيعة الحال أن هناك محاولات لخلق أهمية لهذا المسجد، الذي يبدو صاحبه متأثراً بالمدرسة الصوفية في شقها المرتبط بـ"الدروشة"، ولهذا لن نستغرب إذا تطور الأمر لديه، فدعا إلى تحويله لمزار ديني ونصّب لنفسه ضريحاً فيه، على أن ينصب له "مولد" سنوي وليلة ختامية "لزوم ما يلزم"، وود لو ينقل الحج والعمرة إليه. وقد كانت البدايات توحي بذلك، عندما كانوا ينقلون أعضاء حزبهم وطلاب الجامعات إلى هناك، لصلاة الجمعة في هذا المسجد الذي شُيد في العاصمة الإدارية الجديدة، والتي لا تزال صحراء لا زرع فيها ولا ضرع، ولا مبرر لإقامة الصلاة في المسجد والحال كذلك، لكنهم فعلوا ونقلوا المصلين على طريقة الموالد، إذ تشد الرحال إلى مساجد الأولياء أو المنسوبة إليهم، إلى أن عصفت كورونا بالبشرية، فتوقفت هذه الرحلات، مع إغلاق المساجد في عموم الأقطار الإسلامية وغير الإسلامية!
وقد طالعنا مؤخراً، مع فتح المساجد، صورة تذكارية لعدد من الناس داخل المسجد المذكور، وقيل إنها رحلة لمصريين عائدين من الخارج، بدون تفاصيل، فلا نعرف من شحنهم إلى هناك، وما مناسبة ذلك، وكأن من حسن إسلام المرء أن يصلي في مسجد السيسي ولو مرة، وكأننا أمام رحلة مدرسية جرى فيها تقديم تخفيضات للمصريين العاملين في الخارج لزيارة المسجد، للتعرف على وطنهم الأم، وباعتبار أن مصر تبدأ من هناك حيث مسجد الفتاح العليم!
الصلح بين شوبير ومنصور:
وعموماً، فإن انشغال المستشار الديني بأمر لا يدخل في اختصاصه بدا شكلا أنه امتداد لسابقة للسيسي نفسه، الذي بدأ به مشوار زعامته، بإبرام صلح بين مرتضى منصور وأحمد شوبير، وقد تعامل إعلامه مع هذا الحدث الجلل على أنه يدخل في إطار الفتوحات، وكأن زعيمهم المفدى قام بالصلح بين الأوس والخزرج، الأمر الذي يوحي بأنه يمثل اتجاهاً لديه بأنه سيحاول القيام بدور قام به السادات، وهو أنه "كبير العائلة المصرية" (ولكن السادات لم ينشغل في محاولاته بهذا المستوى المنخفض من الأداء)، وهو أمر يؤسس للقيام بدور في إطار التوافق بين الخصوم في الإقليم، لكنه لم يفعل، فلم يتحرك في الأزمة السودانية، وهو مسؤول عن جزء في الأزمة الليبية، الأمر الذي يخل بواجبات "الكبير" بحسب مفاهيم المجتمعات التقليدية!
لقد تبين أن أسامة الأزهري في مهمة وظيفية، تكشف حقيقة ما يفعله إبراهيم عيسى بهذا التضخيم في منافسة كروية بين الأهلي والزمالك، فصنع من الحبة قبة، وبدا احتشاده وكأنها نذر الحرب على الحدود المصرية، وكأنه أحمد سعيد المرحلة، غاية ما في الأمر أن الإعلامي الراحل كان يقوم بمهمة في لحظة تاريخية، وليس إشعال فتنة بين مشجعي ناديين لكرة القدم!
وإذ لم يتدخل المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين باتخاذ موقف ضد هذا الابتذال الذي يخرج عن تقاليد المهنة، حيث حدث التدخل من قبل المجلس والنقابة في أمور أقل من هذا، فكان واضحاً أن إبراهيم عيسى في مهمة للإلهاء، وعندما يقوم المستشار الديني لعبد الفتاح السيسي في كل مرة بدور في المعركة، فهذا يثبت طبيعة المهمة، لا سيما وأن السيسي يضع الأزهري في الحضانات لاكتمال نموه، استعداداً لقادم الأيام عندما تكون الظروف مواتية للدفع به لتولي منصب شيخ الأزهر!
فقبل الثورة، وعندما عرفت مصر القنوات التلفزيونية الخاصة، وعندما عرفت هذه القنوات برامج التوك شو، ذاع صيت أسامة الأزهري، الذي عرفه الناس من كونه ضيفاً مستمراً عليها، ولا ننكر عليه علمه ولباقته. وكان ظهوره أكثر من ظهور المذيعين أنفسهم، لكن بالانقلاب العسكري، ووضع السيسي يده عليه، فقد اصطفاه لنفسه، لحاجة في نفس يعقوب، وصغر سنه لا يمكّنه من أن يشغل المنصب الرفيع، لذا كان الحل في تغييبه في الحضانات، فلا يكون عالقاً في الأذهان عند اختياره شيخاً للأزهر بأنه ذلك الفتى "المحروق إعلامياً"، وبدأ هو في تقمص الدور، فيقلد المفتي السابق علي جمعة في شيخوخته، وكأنهما "دفعة واحدة"، واقتنى عصا مثله، يتوكأ عليها، وله فيها مآرب أخرى!
وعندما يؤخذ الشيخ الأزهري بعيداً فيكون طرفاً في الابتذال الحاصل، وصدى للمهام التي يقوم بها إبراهيم عيسى، فالأمر هنا كاشف أن إبراهيم يؤدي دوراً في عمل درامي يفتقد للحبكة، وأقرب للمناظر عن أن يكون قصة!
في هذه الوصلة أبدى إبراهيم عيسى انزعاجه من أنه عندما يدخل صيدلية فيجد الطبيب الشاب يقرأ القرآن، بدلاً من أن يقرأ "مرجع الدواء"، وهو ربط متعسف، لأن الأمر لم يكن في الانشغال عن التخصص بأي أعمال أخرى، مثل الانشغال بقراءة الكتاب المقدس، أو الصحف، أو الروايات مثلاً، أو بمشاهدة التلفزيون، فيصبح الموضوع هو القرآن الكريم، دون تطرق إلى أن انهيار التعليم في بلده بواسطة الأنظمة العسكرية كان سبباً في أن يكون الصيدلي ليس أكثر من بائع للأدوية، والأصل أن الاطلاع على مرجع الدواء لن يفيده كثيراً، فالأدوية المهمة للمريض يحددها الطبيب المعالج، وليس الصيدلي!
فليضحك عيسى:
وقد حقق إبراهيم عيسى بهذه "الطلعة الجوية" ما يصبو اليه، ولعلّي به الآن وهو يضحك ملء شدقيه فيطرب كرشه لذلك مهتزاً وهو يشاهد الحملة عليه، بعد تحقق الهدف من كلامه، والذي تأكد بدخول الشيخ أسامة على الخط. كما حقق لنفسه حضوراً لم يكن يحلم به، وكأنه يقدم برنامجاً ناجحاً، وليس لأن من اطلعوا على كلامه كان عبر جريدة "المصري اليوم". وإذ انطلق أنصاره بالقول إنه من هاجموه اختزلوا كلامه، فلأنهم لم يشاهدوه تلفزيونياً، فإن كان ثمة جانٍ في الأمر، فإنها "المصري اليوم" التي وضعت السلطة الحاكمة يدها عليها وأجبرت صاحبها على التنازل عنها تحت قوة السلاح. وبدا المنشور كما لو كان يأتي لتعزيز المهمة التي يقوم بها "عيسى"، وإن كانت الجملة كاملة لن تفيد كثيراً، فقد قال عيسى إنه يحترم القرآن الكريم!
إن إبراهيم عيسى وإن كان يقوم بدور وظيفي في مسلسل الإلهاء، فإن هذا لا يمنعه من أن يلعب لمصالحه الخاصة، وهذا الهجوم الواسع عبر منصات التواصل الاجتماعي حقق له خدمة جليلة، ولن يكون مفاجأة إذا استيقظنا من نومنا ذات صباح على خبر تكريمه من إحدى المنظمات الدولية لشجاعته في مواجهة التطرف الديني، وتيار الردة الحضارية، ليتأكد الجميع أن من هاجموه قد خدموه، ولو كانوا جوقة في بطانته يعملون لديه بالأجرة لما أقاموا هذه الزفّة، وإن كان الهدف منها هو الدفاع عن الإسلام، فالطريق إلى جهنم الحمراء مفروش بالنوايا الحسنة!
في مثل هذه المعارك التي تتحول إلى حرائق بدون مبرر، أتمنى أن يكون لدى منصات التواصل أداة للوقوف على من بدأ النشر، فقد يكون من تنادوا "وا إسلاماه" مفعولا بهم لا فاعلين، وقد حققوا لإبراهيم عيسى غايته ومراده، وأكدوا بما يفيد نجاح برنامجه، ونجاح دوره الوظيفي، وتأكد حضوره، على العكس من أسامة الأزهري الذي يهمه الدور الوظيفي فقط!
فأسامة وإن بدا كما لو كان يرد على إبراهيم عيسى، بقوله إنه مع أن تكون الدعوة لأن يتقن الصيدلي تخصصه وليس هجره قراءة القرآن، فقد كانت المهمة واضحة، بالهمز واللمز، وتصوير أن هذا الصيدلي الذي يقرأ القرآن بدلا من مطالعة مرجع الدواء هو متطرف إخواني، وهو أداء كاشف عن إجادة مخبر للأجهزة الأمنية لدوره وإتقانه له، وهو هنا يشير إلى أن من يفعلون هذا هم إخوان، فأي رعب يمكن أن يصيب الناس أكثر مما فعله المستشار الديني للسيسي!
إن دويتو أسامة- إبراهيم، يذكرنا بدويتو وائل- نوال، تمنيت أن يعود وائل كافوري إلى نوال الزغبي لتقديم أغنيات مشتركة، فقد نجحا معاً، وخفت نجميهما الآن!
"ومين حبيبي أنا..."!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: