البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: الفرز العظيم

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1376



القلوب أسيانة والعقول مشتتة خلف التفاصيل اليومية التي ينتجها الانقلاب في تونس، ويتراكم فوق الأسى المحلي أسى الأمة الموبوءة بعسكر فاسد يستعمل بندقيته في صدور شعبه.

فبعد أن فتح الربيع العربي حدود غزة المحاصرة لشعوب العرب المتعطشة للقدس ورباطها، عدنا إلى البحث عن ضمان الحدود الدنيا للحديث حول فلسطين. وما فلسطين إلا مهج ملهوفة على حرية بلا حدود في أوطان قادرة، لكن رغم الأسى والمرارة فإننا لا يمكن إلا أن نعلن الفرح بخلاص قريب، فالفرز بين الأحرار والعبيد يجري بسرعة لم نتوقعها. من تونس إلى السودان مرورا بمصر؛ نشاهد الفرز الديمقراطي يغربل العبيد فيسقطون من غربال الديمقراطية ويسمو الديمقراطيون إلى طريق الجلجلة، حيث لن ينتهوا فوق صليب خشبي بل في بحور الحرية.. هنا والآن يفرز ربيع الحرية أعداءه.. هنا تزرع فسائل المستقبل.

الحداثيون التقدميون محترفو الانقلابات

لم نستغرب بالمرة انحياز اليسار المصري بكل أسمائه ومفكريه الأعلام، ومنهم كثير من أهل الأدب (شعرا ورواية) الذين أدمنا قراءة نصوصهم، فقد كنا نلتقط الروح الإقصائية في ثنايا نصوصهم، ولم نجد غرابة في أن يقف القوميون بكل تنويعاتهم الحزبية في صف العسكر المنقلب على تجربة دمقراطية هشة تحبو في سنتها الأولى، ولا تفلح في إحداث اختراقات في مجتمع حكمه العسكر منذ أكثر من قرن.

لم نؤمن يوما بأن شخصا تطبّع بروح العسكر الانقلابي يمكن أن يؤمن بالديمقراطية، لكن بعض الشذوذ السلوكي الذي ظهر لنا في قبول قوميي تونس باللعبة الديمقراطية أوشك أن يفسد يقيننا، حتى انقلب قيس سعيد على المسار الديمقراطي فعاد القوميون لسيرتهم الأولى وساندوا الانقلاب، فحصل الفرز والتصحيح الذي نريد. لا يمكن السير في طريق الديمقراطية مع قومي شوفيني، وعلينا أن نحمد الله أن الاختبار قد حصل بسرعة قياسية، فخرج القومي العربي في تونس من خريطة الديمقراطية.. هذا وجه من وجوه الفرز، لقد سقط في مصر وفي تونس، ومنذ يومين سقط في السودان.

وسقط اليسار دعيّ الحداثة أيضا، فبعد انحياز مطلق لانقلاب السيسي وجدنا اليسار التونسي يقف مع كل حركة انقلابية مرتدة عن ربيع الحريات، فشكل طابورا لحفتر، انقلابي ليبيا، وقفز إلى ثورة السودان فألّف مع العسكر حكما انتقاليا معاديا لموجة الحرية التي وصلت السودان وأسقطت البشير (بدعوى أنه رجل الإخوان). لكن روح العسكر الانقلابية قدمت لنا خدمة جليلة، لقد أخرج اليسار الانقلابي من حماه وركنه على جنب.

لقد بلغ الحقد الاستئصالي باليسار التونسي خاصة (وهو الذي نعرف أعلامه وأسماءه) أن لحس كل قوله حول الرجعية العربية والذي روجه طيلة أكثر من نصف قرن، فصار منشار آل سعود عند اليسار العربي التقدمي الحداثي نظاما ديمقراطيا يسند مواقع اليسار العربي في السلطة التي يطمع في استعادتها من الثورة العربية. بواسطة قيس الانقلابي نحن نتمتع بالفرز الديمقراطي، ويمكننا أن نشرب الأنخاب، فالفرز جار بسرعة فوق تاريخية.

الصورة الآن

واضحة كشمس آب/ أغسطس.. اليسار العربي بكل أعلامه والقوميون العرب التقدميون بكل عناوينهم؛ واقفون بحزم ضد موجة الحرية التي تجتاح الوطن العربي، وقد خيّرتهم الشعوب بين الحرية والقهر فاختاروا صف القهر بواسطة الدبابة ضد شعوبهم في مصر وفي تونس وفي السودان وفي سوريا، وهذا ملف أكبر من هذا المقال.

في الطريق الطويل إلى الحرية أكمل الفرز مهمته.. الإسلاميون هم المنافحون الوحيدون عن الحرية في كل أقطار الربيع العربي، وهم من يدفع ثمن تكريسها في الخريطة العربية. يملأون سجون السيسي الانقلابي، ويتمتع القوميون بحرية تقطيع السَلَطة في مطبخ مضاء، ويؤثث اليسار المصري مهرجان الجونة بفنانين نصف كم ونصف فستان حداثي (أو جندري)، ويبكي زعماء الحزب الشيوعي السوداني مصيرهم تحت حكم العسكر بينما يستجدي اليسار التونسي فرنسا الاستعمار أن تسند انقلاب قيس سعيد كي لا يحاسبهم شعبهم على العبث بالدستور.

الإسلاميون فاشلون في تدبير الشأن العام، ويفتقدون براعة الاستباق وفرض التغيير بالقوة (الاعتذار بسنوات القمع ليس مجديا ولا مقنعا)، كما أنهم يحملون وزر إسناد انقلاب سابق في السودان ارتد عليهم ولقّنهم درسا قاسيا ومفيدا. وقد خافوا بعد الربيع العربي من اليسار والقوميين الشبيحة، وظنوا بهم خيرا أو استكانوا لخطابهم المنافق، بل سعوا للتنسيق معهم باعتبارهم قوى ثورية، لكنهم لم يتورطوا في خيانة الديمقراطية وامتهان حرية شعوب طموحة. يمكننا أن نعدد أخطاءهم في التسيير خاصة في تونس، لكن لم نجد لهم غدرا بالحرية، ولم نسجل عليهم نكوصا عن الديمقراطية التي تطلبها الشعوب منذ قرون، بينما يمكننا أن نعدد خيانات اليسار والقوميين بكل أريحية لا تخشى فُحش الفيسبوك التونسي، حيث يعوض فحش اللفظ بلاغة الحجة.

يرابط إسلاميو تونس حول البرلمان ويعملون على عودة الشرعية، بينما يناور اليسار الانقلابي والقوميون لدفع الانقلاب إلى معركة استئصال ثانية (لا يبدو قادرا عليها لثقل موقف الإسلاميين في ساحة ديمقراطية). وجب أن نستحضر لتوسيع الرؤية العشرية السوداء في الجزائر، حيث وقف اليسار مع العسكر المنقلب على نتيجة الصندوق، فالحالة الجزائرية تذكر من قريب بموقف اليسار التونسي وشقه القومي التقدمي. (لم يفسر القوميون العرب أبدا سر التصاقهم باليسار ونعت أنفسهم بالتقدمية، وهم قوة محافظة تتبنى أغلب مقولات الإسلام السياسي الفكرية وتدعو الى نفس النظام الأخلاقي).

الضارة النافعة

الضارة النافعة هي هذه السلسلة من الانقلابات العسكرية في منطقة الربيع العربي التي ساعدت على فرز عميق لم يكن متاحا في أول انطلاق الثورة، حيث ركب الجميع قطار الديمقراطية، فأشكل الأمر على شعوب تائقة للحرية فلم تفرز في حينها بين ديمقراطي حقيقي وآخر مزيف. لكن السنوات العشر تكفلت بالفرز، وهو من حكمة الثورات السلمية.

لقد سارع الجميع إلى الصندوق الانتخابي فحكم بينها وكشف الأحجام والأوزان في الشارع أولا ثم كشف مدى الإخلاص لمسارات سياسية يبنيها الصندوق. لقد حقق الصندوق فتحان ديمقراطيان الأول أعاد القوميين واليسار إلى حجمهم الحقيقي فلم يكونوا شيئا مذكورا. وكشف أن مواقعهم في السلطة وفي دواليب الدولة كانت حوزا غير ديمقراطي بل أعطيات الأنظمة القمعية التي أسقطتها الشعوب فهم في بعض السلطة وليسوا من الشارع. وكشف أن الإسلاميين المتهمين بالفاشية والانقلابية هم أحرص الناس على المسارات السياسية الديمقراطية وهم حراسها الفعليون رغم الأثمان المكلفة التي دفعوها قبل الثورة وبعدها.

لا بأس أن يصنف هذا المقال في الدعاية المأجورة لكن الحقائق على الأرض عارية. سيحمل اليسار العربي والقوميون العرب أوزار الانقلابات في مصر وفي تونس ووز استباق ثورة السودان بالتنسيق مع العسكر لقطع الطريق على الإخوان. (وعلى ظهورهم وزر خيانة الثورة السورية) وفي تونس يمكننا أن نتمتع بمشهد سقوط الانقلاب وحاشيته القومية واليسارية قريبا. يمكن للإسلاميين أن يفرحوا بهدية الانقلاب الفاشل التي مكنت لهم بعد.. لكني ممن سيفرح كثيرا بسقوط الروح الاستئصالية التي خربت السنوات العشر الأولى من الثورة العربية. لقد كان الفرز ضروريا وقد حصل ولن أتوقع توبة إلى الديمقراطية لكن في السنوات العشر القادمة سيتحدث الناس عن اليسار والقوميين بصيغة الماضي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، اليساريون، القوميون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-10-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بنيعيش، منجي باكير، رضا الدبّابي، د- هاني ابوالفتوح، فتحي الزغل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - مصطفى فهمي، د. خالد الطراولي ، حاتم الصولي، خبَّاب بن مروان الحمد، المولدي اليوسفي، د - محمد بن موسى الشريف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سفيان عبد الكافي، إسراء أبو رمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الطرابلسي، صالح النعامي ، أحمد النعيمي، أشرف إبراهيم حجاج، عزيز العرباوي، حسن عثمان، فهمي شراب، أحمد الحباسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، محمود سلطان، د- محمد رحال، محمد العيادي، العادل السمعلي، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، عبد الغني مزوز، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد يحي، د. عبد الآله المالكي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح الحريري، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، فتحي العابد، صفاء العراقي، أحمد بوادي، يحيي البوليني، د. أحمد بشير، مجدى داود، د - عادل رضا، رحاب اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، محمد علي العقربي، خالد الجاف ، كريم فارق، عبد الله زيدان، مصطفى منيغ، حميدة الطيلوش، حسن الطرابلسي، إيمى الأشقر، سليمان أحمد أبو ستة، فتحـي قاره بيبـان، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي الكاش، فوزي مسعود ، أحمد ملحم، مراد قميزة، الهادي المثلوثي، سلام الشماع، د- جابر قميحة، محرر "بوابتي"، تونسي، محمد أحمد عزوز، د.محمد فتحي عبد العال، د - المنجي الكعبي، عمر غازي، مصطفي زهران، نادية سعد، د. طارق عبد الحليم، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، طارق خفاجي، سلوى المغربي، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، الناصر الرقيق، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، أنس الشابي، صباح الموسوي ، عراق المطيري، سامح لطف الله، محمد شمام ، أبو سمية، محمود فاروق سيد شعبان، عبد العزيز كحيل، صفاء العربي، طلال قسومي، رمضان حينوني، جاسم الرصيف، سيد السباعي، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، رافد العزاوي، المولدي الفرجاني، د - صالح المازقي، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، ضحى عبد الرحمن، سعود السبعاني، د- محمود علي عريقات،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة