البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس ترتدُّ إلى حكم الفرد الواحد

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1348


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


هل سلّمتم معنا اليوم كما قلنا لكم منذ البداية إنه انقلاب، فاتّهمتمونا في عقولنا وضمائرنا ومرّغتم شرفنا بتهم الخيانة الوطنية؟ هل اتضحت لكم الرؤية بعد الآن؟ السؤال جدالي لأننا نعرف أنكم وإن تعلنوا توبة فإنكم تكذبون.

ها قد اكتملت الصورة فلا تتذاكوا، أنتم أسوأ من الانقلاب، لذلك عندما نتحدث عن المستقبل سنعتبركم من الماضي مثل الانقلاب. من نحن؟ نحن من آمن بأنه انقلاب وأننا سنعيد البلد إلى الجادة وأننا مستعدّون للثمن. لقد قدّمَ لنا الانقلاب خدمة جليلة إذ كشفَ جوهركم، لذلك سنسير إلى المستقبل فلا تعرضوا رفقتكم علينا.

إطلاق النار على رأس الدولة
هكذا ألخّصُ محتوى المرسوم 117 الذي علّق الدستور وألغاه فعلًا وأبّدَ سلطة الفرد: إنها عملية إعدام للمؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة، وبالتالي إعدام الدولة نفسها. لقد قام صاحب المرسوم بالاستيلاء على كل السُّلط في كل المواقع، ووقفَ فوق كل رقابة قانونية وسياسية على فعله (طبعًا يمكننا حشر جملة اعتراضية هنا: حتى بن علي لم يفعل ذلك).

لم يكن انقلابًا موجَّهًا ضد حزب بعينه كما رغب الكثير من مسانديه في البداية، بل هو انقلاب على كل الإطار القانوني والسياسي الذي سمحَ لكل هؤلاء بالوجود والحركة وبناء الأمل في الحكم والتغيير، وسيستفيقون كل صباح على مرسوم جديد يتدخّل في مجالات الحرّية ومجالات المشاركة.

سيتم حل المجالس البلدية المنتخبة لأول مرة في تاريخ تونس، وستتم السيطرة بمراسيم على وسائل الإعلام، أما النقابات المنفلتة فنظنُّ أنها أصبحت تحسب مكاسبها من سنوات الثورة وتعضّ أصابعها، فهي أيضًا مشمولة بالمرسوم 117 ويمكن إفساد طمأنينتها المرفّهة بمرسوم، وستفاوض على سلامتها بصمتها كما اعتادت أن تفعل مع كل ديكتاتور.

لقد أعدمَ المرسوم الدولة ومؤسَّساتها والمجتمع المدني ومؤسَّساته برصاص كثير من مسافة صفر، لقد أطلق النار بكثافة على وهم تونسي جميل.

هل سيخرج الشارع دفاعًا عن حريته ودولته؟
لا يجب اختلاق أمل كاذب ونشره بين الناس، فحرارة الدعوات إلى التظاهر معلّقة حتى نرى ما يكون يوم الأحد 26 سبتمبر/ أيلول، لكن التجربة علّمتنا أن هذا الشارع مدخول وأن الحماس الافتراضي لا يخرج كله إلى الشارع.

عقدة الشارع الأصلية لا تزال تسكن الخطاب والنوايا، لقد سمعتها في أحاديث كثيرة: "إذا سقط الانقلاب عادت النهضة"، لذلك إن كثيرًا من معارضي الانقلاب ليسوا محل ثقة عندما يتعلق الأمر بالشارع، ويجب البناء على هذه الواقعية المرّة.

يقول البعض بكل وقاحة وغباء: "إذا نزل جمهور النهضة إلى التظاهر، فلنتركه وحده حتى لا يحصّل مكاسب سياسية"، وكاتب الورقة ممّن يؤمنون بأنه لولا هذا التفكير الاستئصالي لما حدث الانقلاب ولما ظهر المنقلب في الساحة أصلًا.

هذا الانقسام العميق خرّب التجربة الديمقراطية التونسية، وسيحكم على كل محاولة لاعتراض الانقلاب، والفائدة تعود طبعًا إلى الانقلاب وهو يعرف ذلك ويستفيد منه منذ ما قبل الانقلاب. فعندما كان المنقلب يمنع الأمن الرئاسي من حماية البرلمان حتى يضمن اشتغاله، كان طيف واسع ممن يقول الآن بالحفاظ على الدستور والمؤسسات يزغرد لتخريب البرلمان.

وحدها الفاشية كانت تعرف ما تريد وتشتغل عليه بهمّة، حيث ستخرج ضد الانقلاب شوارع متناقضة ومشتَّتة وبشعارات متشابهة لكنها عاجزة عن العمل المشترك، هذه الفرقة لن تزول غدًا فبها حكمَ بن علي رُبع قرن.

هل على الشارع أن يصمت؟ ليس هذا هو مغزى القول لكن في غياب مراجعة حقيقية للموقف الاستئصالي، سيجدُ المنقلب وقتًا طويلًا ليفعل بالبلد ما يشاء، وسيطلق النار على من يشاء بكل أريحية، وبالمناسبة دون جمهور حزب النهضة المنظَّم أو شعبها، كما يحلو للبعض تسميته، لن يمكن لأحد تنظيم المليونية التي تُرى من الخارج.

هل ننتظر الأزمة الاقتصادية لتحكم على الانقلاب؟
سيكون حالنا مثل من خرج للصيد بلا صنارة، وظلَّ جالسًا على حافة الماء يتوسّل السمكة أن تخرج إلى سلّته من تلقاء نفسها. إنه عين العجز والتواكل. سيواجه المنقلب أزمة ماحقة، فالخزينة فارغة والمساعدة الخارجية تتأخّر بما في ذلك الرزّ الإماراتي الذي انصبَّ على منقلب مصر مثل مطر خريف عاصف، فأسند به نفسه حتى استقرَّ له الأمر. طبعًا من الخَطَل انتظار تأثير أصدقاء تونس (هذه الجملة تضحكنا ضحكًا كالبكاء) أن يتدخّلوا بالحسنى بين الانقلاب والشعب.

إذًا لم يبقَ إلا الشارع بثمن قاسٍ جدًّا، فالأزمة الاقتصادية ستلتهمُ الجميع بدءًا بموظفي الدولة الذين لا يمكنهم بيع خروف لشراء الخبز مثل فلاحي الأرياف (لمن سيبيعون الخروف إذا عجز الموظفون عن شراء اللحمة).

الشارع يبدأ قليلًا وضعيفًا ثم ستمدّه الأزمة بجمهور جديد كل يوم، ونتوقع أن يسعى المنقلب إلى ضرب الشارع كخطوة استباقية، فمجال الحريات مهدَّد بمراسيم في كل لحظة. سيظل الثوريون المغرمون بغرامشي ينتظرون أن تحوِّل الأجهزة أسلحتها ضد الانقلاب، لكن كاتب الورقة لا يبيع هذا الوهم لأحد لأنه يؤمن بأن أثر بن علي باقٍ في الأجهزة كمخدِّر أزلي.

ها هو المفتاح تحت الباب إلى حين العثور على نقطة بداية سليمة لاستئناف بناء الديمقراطية، التي لا تسمح لشخص مهما كان ذكيًّا وحريصًا أن ينقلب عليها. متى يكون ذلك؟ سنكون مع الشارع حتى تلتحق أفواج الجياع ويسمع العالم صوتها، مع تدقيق ضروري: لن نسير بجانب من بات مع الانقلاب وأصبح ثوريًّا وديمقراطيًّا، فلم يكن ما كتبناه أعلاه تحليلًا بل موقفًا سياسيًّا أملاه الحلم والواجب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-09-2021  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، محمد الياسين، محرر "بوابتي"، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، فوزي مسعود ، عمر غازي، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، منجي باكير، طارق خفاجي، سامح لطف الله، محمد يحي، د - مصطفى فهمي، د - صالح المازقي، صالح النعامي ، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الرزاق قيراط ، محمد علي العقربي، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، الناصر الرقيق، العادل السمعلي، حميدة الطيلوش، كريم فارق، يحيي البوليني، ياسين أحمد، رشيد السيد أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، حسن الطرابلسي، د.محمد فتحي عبد العال، يزيد بن الحسين، مصطفى منيغ، فتحي العابد، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، محمد العيادي، حاتم الصولي، إيمى الأشقر، رافد العزاوي، صفاء العربي، نادية سعد، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي اليوسفي، سعود السبعاني، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، طلال قسومي، د. خالد الطراولي ، علي الكاش، صفاء العراقي، د- محمد رحال، محمد اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، عبد العزيز كحيل، أحمد ملحم، سلام الشماع، محمود سلطان، علي عبد العال، مصطفي زهران، عبد الله زيدان، مراد قميزة، خالد الجاف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مجدى داود، فتحي الزغل، صلاح المختار، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، محمد الطرابلسي، سامر أبو رمان ، صلاح الحريري، أحمد بوادي، رافع القارصي، أ.د. مصطفى رجب، محمد شمام ، أنس الشابي، فتحـي قاره بيبـان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- هاني ابوالفتوح، د. صلاح عودة الله ، خبَّاب بن مروان الحمد، عواطف منصور، إسراء أبو رمان، حسن عثمان، الهيثم زعفان، سليمان أحمد أبو ستة، د. طارق عبد الحليم، محمود فاروق سيد شعبان، سلوى المغربي، تونسي، رمضان حينوني، د. أحمد محمد سليمان، بيلسان قيصر، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، أحمد النعيمي، د- جابر قميحة، عبد الله الفقير، سفيان عبد الكافي، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، سيد السباعي، أحمد الحباسي، د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، د- محمود علي عريقات، إياد محمود حسين ، د - المنجي الكعبي، عبد الغني مزوز،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة