البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. أقنعة الانقلاب المكشوفة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1419



من طقوس الانقلابات العربية أنّ صاحب الانقلاب وجماعته لا يسمونه انقلابا بل إنهم يستميتون في نفي هذه الصفة عنه لأنهم يعلمون أنه لا يمكن أن يكون إلا كذلك وهو الأمر الذي ينسحب على ما حدث في تونس مؤخرا. لن نناقش هنا طبيعة الانقلاب ولا مجموع الإجراءات الانقلابية التي قام بها من انقلاب على الدستور وتجميد للبرلمان وعزل لرئيس الحكومة واحتكار السلطات الثلاث بيده والبدء في ترويع خصومه السياسيين دون أمر قضائي فهذا أمر منتظر. بل إن قائد الانقلاب نفسه قد صرّح مؤخرا بأن ما قام به ليس انقلابا فهو لم ينصب المشانق ولا أطلق الرصاص على شعبه وهذا فضل انقلابي عظيم على تونس وأهلها.

الاستبداد منطق لا يتغيّر

لا يمكن لكل من يخطط لانتزاع السلطة بالقوّة المادية العسكرية أو الأمنية أن يخرج عن النسق الذي تسير عليه الانقلابات، فهي وإن اختلفت في سياقها وحيثياتها وزمانها ومكانها إلا أنها تبقى محكومة بنفس الآليات والقوانين التي تشكل منطقها الخاص بها. لا يمكن إنجاح الانقلاب دون الاستعانة بالقوة المادية للدولة ونقصد بها القوات المسلحة سواء عبر إشراكها في السطو على السلطة أو عبر تحييدها ومنعها من إفشال المحاولة الانقلابية. فدون ضمان ولاء القوات المسلحة العسكرية والأمنية لا يمكن لأي انقلاب أن ينجح.

ثم إن الانقلاب فعلٌ يحدث من داخل النظام نفسه لا من خارجه فيكون المنقلب إلى آخر دقيقة قبل الانقلاب جزءا من النظام الذي يريد الانقلاب عليه. ففي حال الانقلابات العسكرية وهي المنوال الأكثر شيوعا يقوم جنرال أو عقيد أو وزير دفاع عسكري بعزل السلطة القائمة والحلول مكانها. كما يمكن أن يكون الانقلاب مدنيا وذلك بأن يزيح وزير من الوزراء منظومة السلطة القائمة ليقوم مقامها مثلما فعل بن علي حين أزاح الرئيس المريض بورقيبة في 1987 وقد كان يشغل خطة رئيس الوزراء. منوالات أخرى كثيرة للانقلابات في البلاد العربية مثل الانقلاب على الانقلاب وهو المنوال الذي رأيناه في حالة عبد الناصر حين انقلب على الرئيس محمد نجيب أو انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد في سوريا سنة 1970.

إنّ ما حدث في تونس يوم 25 تموز (يوليو) المنقضي لا يخرج عن هذا المنوال فهو انقلاب على الثورة والمسار الديمقراطي من داخل النظام نفسه لكنّه ككل انقلاب يحتفظ بخصائص سياقية تميزه عن بقية الانقلابات. لقد سعى الانقلابيون إلى وصف ما قاموا به بالحركة التصحيحية وهو نفس المعجم الذي استعمله البعثيون لوصف انقلاب حافظ الأسد في سوريا.

شيطنة الخصوم

شيطنة الخصوم وصناعة الأعداء وتشويه الآخر مرحلة أساسية من مراحل تفعيل الانقلاب بل يتطلّب الأمر أحيانا صناعة عدوّ وهمي لإيهام الشعب بأن معركة ما تدور رحاها في مكان ما من الوطن. إن أهمية هذه المرحلة إنما تظهر في قدرتها على تحقيق هدفين أساسيين: أما الأول فيتمثل في جعل الشعب منخرطا في معركة وهمية يقودها الرئيس الانقلابي من أجل التغيير طبعا ومن أجل الإصلاح والقضاء على الخونة والعملاء والفاسدين وأعداء الوطن. أما الهدف الثاني فيتمثل في التمهيد لعمليات الاعتقال والسجن والإيقافات التي ستشمل كل من تسوّل له نفسه الاعتراض على المشروع الانقلابي.

هذا ما أقدم عليه رئيس تونس حتى قبل الانقلاب وحافظ على نفس الخطاب في تصريحاته الأخيرة عندما وصف خصومه السياسيين وكل من يخالفه بأنهم فاسدون وأنهم "جراثيم وفيروسات" يجب التخلص منها في "مكبّ النفايات". فتح الرئيس بذلك جبهة المواجهة الجديدة دون أن يحدد العدوّ بدقّة فكل الخطابات التي ألقاها خطابات غامضة تستهدف عدوّا غامضا وهو أمر مقصود لأنه يخشى أن يتورّط في ذكر الطرف الذي يتهمه بالفساد وبأنه جرثومة أو فيروس.

نجح الرئيس كذلك في تقسيم التونسيين إلى "الصادقين الوطنيين" كما يسميهم هو وهم أنصاره وتنسيقياته و"الخونة والعملاء من أعداء تونس" الذين هم خصومه السياسيون وكل من لا يتفق مع رؤيته للمجتمع والسياسة. هنا تكمن أخطر جرائم الانقلاب لأنها تفتح الباب على الحرب الأهلية وعلى الاقتتال الداخلي خاصة بعد أن ألغى الرئيس كل الأطر القانونية وأسقط النظام القانوني للدولة بعد أن جمّع كل السلطات بين يديه فأصدر أحكامه بالإقامة الجبرية على عدد من النوّاب واقتحمت قوات الشرطة عددا من بيوت آخرين دون تفويض قانوني.

أكذوبة "الشعب يريد"

رفع الرئيس منذ حملته الانتخابية شعار الثورة "الشعب يريد" وهو ما أوهم كثيرين بأنه ابن الثورة ومدافع عن شعاراتها رغم أن ماضيه يخلو من أي نشاط سياسي أو معارضة لمنظومة الاستبداد التي كانت قائمة. بل إن وثائق كثيرة أثبتت أنه كان يسبح في فلك النظام عبر المحاضرات التي كان يُلقيها لتلميع صورة بن علي وتنقيحاته الدستورية.

بل إنّ الأمر صار أخطر من ذلك فمفهوم الشعب مفهوم زئبقي لا يحيل على مرجع ثابت فالشعب هو كل المواطنين بما فيهم الرئيس نفسه وهي الخاصية التي تسمح له بتوظيف المصطلح بشكل واسع. اعتمد الرئيس والمنظومة الدافعة له على نتائج الدور الثاني من الانتخابات، حيث فاز فوزا ساحقا على منافسه نبيل القروي بعد أن دبرت غرفة الانقلاب خطة جهنمية لكي يبلغ الدور الثاني مع أضعف المرشحين وأقلهم حظا في الفوز بالرئاسة.

ظهرت شعبوية الرئيس باكرا في تصرفاته وفي محاولته الظهور بمظهر نصير الفقراء والمساكين خاصة فيما يتعلق بحربه المزعومة على الفساد. لكن الرجل لم ينجح في إيقاف فاسد واحد من بارونات الفساد الذين يعرفهم التونسيون بالاسم، فالجميع في تونس يدرك أنّ الرئيس لا يستطيع ولن يستطيع الاقتراب من أوكار الفساد الحقيقية لأنها قادرة على الإطاحة به إن هي أحست بتهديد مصالحها.

الحرب على الفساد مثل الحرب على الإرهاب ليست سوى شماعة من أجل تبرير الانقلاب وتبرير جرائم الانقلاب، فكيف يُمكن لرئيس أوصله النظام السياسي إلى سدّة السلطة أن يعمل على نسف السُلّم الذي أوصله إلى حيث هو؟ كيف يمكن لرئيس مؤمّن على الوحدة الوطنية أن يزرع بذور الفتنة بين مكونات الشعب؟

لن يستطيع الانقلاب النجاح في مغامرته الخطيرة مهما فعل لأن سياق الانقلابات العربية قد انقضى واستنفد شروط تحقيقه التاريخية. أما ما حدث في تونس فليس سوى تجربة جديدة في مسار البناء الديمقراطي الشائك علّ النخب التونسية تُدرك خطورة صراعاتها العبثية وتستفيق من سكرة السلطة ووهم الزعامة.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-08-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د. مصطفى رجب، د. طارق عبد الحليم، سعود السبعاني، د - صالح المازقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إيمى الأشقر، رافد العزاوي، يحيي البوليني، تونسي، د. أحمد بشير، طارق خفاجي، ياسين أحمد، فهمي شراب، د - شاكر الحوكي ، مراد قميزة، يزيد بن الحسين، عمر غازي، فوزي مسعود ، محمد أحمد عزوز، ضحى عبد الرحمن، د- جابر قميحة، حاتم الصولي، د. خالد الطراولي ، عواطف منصور، محمد العيادي، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، صلاح المختار، عراق المطيري، د - الضاوي خوالدية، عمار غيلوفي، العادل السمعلي، نادية سعد، د- هاني ابوالفتوح، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، عبد العزيز كحيل، د. أحمد محمد سليمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، وائل بنجدو، فتحي الزغل، صفاء العراقي، المولدي اليوسفي، سلام الشماع، المولدي الفرجاني، محمد الياسين، كريم السليتي، علي الكاش، سامح لطف الله، سلوى المغربي، ماهر عدنان قنديل، محمد الطرابلسي، الهادي المثلوثي، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، طلال قسومي، محمد يحي، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، فتحـي قاره بيبـان، عزيز العرباوي، محمد عمر غرس الله، رمضان حينوني، د - مصطفى فهمي، محمد علي العقربي، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، عبد الرزاق قيراط ، منجي باكير، أحمد الحباسي، أبو سمية، كريم فارق، عبد الله زيدان، د - محمد بنيعيش، صالح النعامي ، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خبَّاب بن مروان الحمد، حميدة الطيلوش، د- محمد رحال، فتحي العابد، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رافع القارصي، محمود سلطان، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، سيد السباعي، حسن عثمان، بيلسان قيصر، محرر "بوابتي"، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، الناصر الرقيق، أشرف إبراهيم حجاج، سفيان عبد الكافي، خالد الجاف ، محمود فاروق سيد شعبان، إسراء أبو رمان، مصطفى منيغ، الهيثم زعفان، د- محمود علي عريقات، أحمد بوادي، مصطفي زهران، صباح الموسوي ، د. صلاح عودة الله ، مجدى داود، جاسم الرصيف، أنس الشابي، محمد شمام ، صفاء العربي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة