لإخفاء معالم الجريمة.. هل يتم التخلص من رئيس الحكومة التونسية؟
سليم عزوز المشاهدات: 1437
لا أعرف حقيقة الصورة المتداولة لرئيس الحكومة التونسية المقال، وهي الصورة التي تؤكد صحة ما نُشر من تعرضه للاعتداء الغاشم في قصر قرطاج لإجباره على الاستقالة، وإذا كانت الواقعة صحيحة، لهبطت بقيس سعيد من كونه رئيس دولة إلى شبيح من الدرجة الثالثة، ذلك لأن ممارسة البلطجة لها أصول وقواعد!
لقد نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريراً عن تعرض رئيس الحكومة هشام المشيشي للاعتداء بواسطة ضباط "مصريين وإماراتيين"، يقيمون في الفترة الأخيرة في القصر الرئاسي، وهو أمر لو صح لفقد قيد سعيد ليس فقط شرعيته، ولكن - أيضاً - أهليته كمواطن، يستدعي "الأغراب" للاعتداء على تونسي مثله، هذا بجانب الخروج عن تقاليد ممارسة البلطجة. وكل المهن، ما يُحترم منها وما يُحتقر، لها تقاليد وضوابط تحكمها، ولكننا هنا نكون أمام شخص مسيّر لا مخيّر، مسلوب الإرادة، ويفتقد للحدود الدنيا التي تؤهله لممارسة منصب كالذي يشغله!
لقد كان الإعلان مبكراً عن قبول رئيس وزراء تونس (موضوع النزاع بين البرلمان والرئاسة) قرار إقالته من جانب الرئيس قيس سعيد، لكنه لم يظهر للناس، في وقت شاع أنه رهن الاعتقال. وربما فكر القوم في اعتقاله، لكن غيابه قد يدفع لقيام الأسرة بإعلان اختطافه القسري، فكان الدفع به إلى المنزل، ليتولى هو السيطرة على أسرته، فهل وقع عليه الاعتداء فعلاً؟!
القبول بالقرار
من العبث القبول بأن رئيس الحكومة (موضوع النزاع) قد استقال أو قبل إقالته بنفس راضية، ما لم يكن قد تعرض لضغوط هائلة دفعته لذلك، وعندما يدير الرؤساء ضغوطاً من هذا القبيل على شخصيات بهذا الحجم، فإنهم لا يهبطون إلى مستوى أداء شبيح من الدرجة الثالثة.
وقد مارس نظام مبارك ضغوطاً على المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، عندما قرر عزله، بما له من شعبية جارفة داخل الجيش، وكان من يدير المفاوضات معه في القصر الجمهوري هو أمين نمر، أمين عام جهاز المخابرات العامة، بينما مبارك يجلس في الغرفة المجاورة. ورضخ أبو غزالة بكل حضوره وقوته، لمجرد التهديد بالاعتقال، فليس من المنطق أن يترك لحاله ولمنصبه بعد هذا اللقاء، عندئذ قبل إقالته وتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية، وهو منصب وهمي!
رئيس الحكومة التونسية ليس مناضلاً، أو مقاتلاً، فهو ليس أكثر من موظف قد يرفض الضغوط في البداية، لكنه في النهاية سيخضع لها في مواجهة ما تملكه السلطة وأجهزتها من قدرة على التهديد، دون ممارسته، ولم يكن الأمر يستدعي الاعتداء عليه على النحو الذي نشره موقع "ميدل إيست آي"، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا في سياق الرعونة والغباء المستحكم!
القرائن التي ترتقي إلى مرتبة الدليل تشير إلى أن واقعة الاعتداء صحيحة، وأولى هذه القرائن أنه عندما نشر هذا التقرير، انطلقت اللجان الالكترونية تطعن في مصداقية موقع "ميدل إيست آي"، وتنقل على لسان رئيس الحكومة المقال نفيه أن يكون قد تعرض للاعتداء في قصر قرطاج!
ولم يظهر رئيس الحكومة، ولا ندري ما هي الجهة الإعلامية التي نشرت هذا التصريح، وأين التقته، وما دام الرجل متاحاً على هذا النحو فلماذا لم يظهر بشكل مباشر؟ ولماذا لم تفكر أي وسيلة إعلامية في الالتقاء به ما دام مرحباً بإقالته ونافياً واقعة الاعتداء عليه من قبل ضباط في القصر الرئاسي؟
مصداقية الموقع البريطاني ليست محل شك، رغم الحملة الشعواء التي أطلقتها اللجان الالكترونية، وقد تبين أن موقع هذه الحملة منذ البداية في عاصمتين عربيتين: القاهرة وأبو ظبي. وهذا الموقع هو الذي سبق له أن نشر وثيقة الانقلاب التي سيقودها قيس سعيد، وهو تسريب من داخل الرئاسة، وقد أثبتت الأيام صحة المنشور، بما يؤكد أن له مصادره الخاصة داخل قصر قرطاج!
والموضوع الآن ليس مصداقية الموقع، فماذا ينتظر رئيس الحكومة ليظهر للرأي العام، ويمارس حياته بشكل عادي، وقد قبل بإقالته على النحو المنشور على لسانه، إلا إذا كان قد تعرض لإصابات كبيرة فعلا، يصعب معها ظهوره للناس؟ وهذا الغياب هو قرينة ترتقي إلى مرتبة الدليل على صحة واقعة الاعتداء!
والقرينة الأخرى أن البرلمان هو من منح ثقته في رئيس الحكومة، وإن كانت لديه رغبة في الاستقالة فكان ينبغي أن يقدمها للبرلمان، ليقطع الشك باليقين، ويقطع قول كل خطيب، وإذا كان الأمر بهذه السهولة، وأن لديه رغبة ملحة في وقف الصراع، وقد كان اختياره هو المشكلة، فلماذا كان مصرّاً طول الفترة الماضية على الاستمرار في موقعه مع احتدام حدة الصراع بين البرلمان والرئاسة، ومن أيلول/ سبتمبر 2020 وإلى الآن؟!
الطرف المجهول
إن هذا الإعلان من قبل الطرف المجهول عن قبول هشام لقرار إقالته من قبل قيس سعيد، قد لا يعني تعرضه للاعتداء، وقد يعني أن ضغوطاً معنوية قد مورست عليه. لكن هذا الغياب، وإن كان في جانب منه قد يعني عدم تسليمه بقرار إقالته، إلا أنه في المقابل قد يعني أن واقعة الاعتداء قد حدثت فعلاً، وقد يظهر مستقبلاً بعد أن تلتئم الجروح وتختفي آثار العدوان!
اللافت هنا أن من وجه تقرير موقع "ميدل إيست آي" أصابع الاتهام لهم؛ لم يهتموا بالرد على ما نشر، على خطورته، وكان أمامهم اللجوء للقضاء البريطاني وهو هنا لا يرحم، إذا كان المنشور غير صحيح، ويحكم بتعويضات هائلة، ويلزم الوسيلة الإعلامية بنشر تكذيب واعتذار بجانب التعويض في حال عدم صحة الوقائع. وقد كوّن الشيخ راشد الغنوشي ثروة من التعويضات التي حكم له بها القضاء البريطاني في فترة اللجوء، بسبب الهجوم الإعلامي عليه، وواقعة جريدة "الشرق الأوسط" السعودية نموذجاً!
قديماً قيل إن خبر اليوم بفلوس غداً سيكون مجاناً (وهو مثل شعبي نذكره بتصرف)، وإذا لم تكن أجهزة الاستخبارات العالمية قد سبرت أغوار ما جرى، فإن غداً ستنشر الحقائق، وإذا صحت الواقعة، فسيكون قيس سعيد يستحق لعنة التونسيين إلى يوم القيامة. فالصامت لن يصمت أبداً، وقيس سعيد هو ابن موت، وحتى لو نجح انقلابه، فلن يستمر في السلطة، فليس هو البديل المناسب لمن خططوا للانقلاب، ووجوده في الصورة لا يعني أنه قائده أو أنه رقم صحيح فيه!
فهل يتم التخلص كلية من دليل الاتهام، لإخفاء معالم الجريمة؟!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: