البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: حوار الإيهام بالحلول

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1677



نحتاج إلى حبوب منع الوهم لنقف على أرض الواقعية.. في الواقعية الذي يخلق المشكلة لا يمكن له أن يشارك في وضع الحل، ولكننا من وهم نتوقع أنه سيفعل.

هذه هي مشاعر اللحظة التي نتجت عن قبول فجائي بلا مقدمات للحوار. فقد وافق الرئيس التونسي على دعوة غريمه اللدود رئيس البرلمان إلى جلسة حوار، هكذا بلا مقدمات. فحتى ليلة الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو كنا نتابع القطيعة ونحوقل، وفجأة ها نحن نضع سيناريوهات لما سيدور في الحوار وما سيخرج منه، في نفس الوقت لم نتخل عن شك عميق في أن الجلسة ستلغى في اللحظة الأخيرة من قبل الداعي لا من قبل المدعو؛ الذي غيّر جدول أعماله ووافق. يلازمنا أيضا شعور خفي بوجود قوة خفية تملي على الرئيس فيفعل بالضبط ما يجب فعله، كأنها مغرمة بتدميره في عيون من انتخبه.

لماذا قامت الحاجة إلى الحوار أصلا؟

نتائج انتخابات 2019 التي أفرزها الصندوق وضعت خريطة طريق واضحة؛ حزب أول يقود الحكومة، ومن لم يشأ المشاركة فيها يمكنه البقاء في مقعد المعارضة. هكذا هي الخطة الديمقراطية المعمول بها في كل التجارب، لكن هناك في تونس من يشارك في الانتخابات ولا يحتمل النتائج فيضع في طريق الحكم كل العراقيل الممكنة ليحكم دون تفويض شعبي، وإن لم يحكم فإنه يعطل كل من سيحكم حتى نصل إلى الأزمة الحالية ونطلب الحوار.

هذا الحوار كما الذي سبقه؛ هو التعبير الأسلم عن المخارج غير الديمقراطية لقوم يرفضون نتيجة الصندوق بخلفية استئصالية، دمرت حتى الآن ثقة الناس في الصندوق وجعلت كثيرا منهم يحنون إلى الماضي الدكتاتوري، ولكن غالبية من هؤلاء يغفلون السبب الاستئصالي ويحكمون فقط على نتائج ظاهرة.

في 2013 أوصل الخاسرون بالصندوق البلدَ إلى حافة الحرب الأهلية وخرجوا بفكرة الحوار فكان لهم ذلك، وحكموا من خارج من الصندوق، وانتهت مؤامرة الحوار باستعادة المنظومة القديمة للسلطة بكل عناصرها. لكن رغم ذلك فإن انتخابات 2019 خيبت رجاءهم وعاد الحزب المقصي إلى السلطة، فإذا اللعبة تتكرر.. اختلاق مشاكل تنتهي بأزمة حكم تحت قصف إعلامي مركز ثم ظهور طلب الحوار، لينتهي بإخراج الحزب الأول من دائرة النفوذ والحكم بغير قوة الصندوق. وقد راقت اللعبة للرئيس القادم من مقهى شعبي تبرمج عقله تلفزة استئصالية، فإذا هو أيضا يبحث عن حوار ليفرض ما لا يمر بالقانون، وكانت آخر مطالبه إلغاء السنوات العشر من الثورة بدستورها والعودة إلى دستور 1959 الذي شرع للدكتاتورية والقهر.

لماذا يقبل الحزب الأول الخضوع إلى شروط حوار فاسد؟

إن متابعتنا لسرعة استجابة رئيس البرلمان لدعوة الرئيس للقائه وهو الذي طرده من حماه مرات كثيرة وتعمد إهانته على رؤوس الأشهاد؛ تكشف أن الحزب الأول (ونتحدث عن حزب النهضة) يتبع خطة اجتناب الصدام مع خصومه ومطاولتهم في الانتقال السياسي، وربما يكون لديه أمل في أن تنتهي معارك الاستئصال الموجه ضده منذ ظهوره، والتي تزداد شراسة كلما ترسخ وجوده في البلد وفي السلطة.

لقد اتبع نفس الخطة منذ انتخابات 2011 في مواجهة النقابة وهي الأداة الأقوى في يد الاستئصاليين، وكانت حجته الحفاظ على الدولة من التخريب. ونظن اليوم أن ترحيبه بالحوار الذي أعلنته النقابة ورفضه الرئيس مرات وقبِلَه مرات بعدد ما رفضه، ثم هذه الدعوة الثنائية للحوار من قبل الرئيس والسعادة الغامرة في تلبيتها، كل ذلك يكشف أن الخطة لم تتغير.

لكن السؤال يظل مشروعا لمن يتابع من خارج حزب النهضة ومن خارخ خطتها: هل ربح البلد شيئا مذكورا من خضوع النهضة للشروط الاستئصالية المتخفية في الحوار الوطني؟

يرد أنصار الحزب على هذا السؤال عادة بقول واحد: من لم يجد حظه في الحوار فليذهب إلى إنجاز الثورة الشعبية دون حزب النهضة. وهذا موقف جدالي غير جدي، ودليلنا الأخير هو أن انكشاف فقر الرئيس السياسي وسوء تدبيره بدأ من نكران تاريخ الحركة الوطنية، ومجاملته العدو الاحتلالي على حساب شهداء الوطن، وصولا إلى تجنبه إسناد المقاومة حتى بلفظ عاطفي وتهربه من لقاء سفرائها، وأخيرا ردته عن الثورة ودعوته إلى دستور أسقطته الثورة ومحته من الذاكرة الوطنية. هذا الانكشاف جعل قوما كثيرا ينفضون عنه، وقد بدأت دعوات متناثرة إلى عزله أو على الأقل تجاهل وجوده واعتباره كأن لم يكن، فإذا بحزب النهضة يسارع إلى محاورته وإنقاذه من الموجة الشعبية المضادة لوجوده.

هذه النجدة التي تقدمها النهضة تحبط تيارات شعبية تريد الحسم مع نموذج الرئيس ومع سياسات النقابة ومع مكونات المنظومة؛ التي كلما بانت هشاشتها مدت لها النهضة يدها فانتشلتها، باسم حماية البلد من الفوضى وحماية الدولة من السقوط.

تتبع المنظومة ومكوناتها النقابية وقد ضمت إليها الرئيس؛ خطة واحدة هي تعفين الوضع وتقديم نفسها كأدوات حل، وتقبل النهضة ذلك فتمد لها في أنفاسها وتقطع الطريق على استعمال نفس الاستراتيجية في مواجهتها، أي تعفين مقابل تعفين.

تعرف المنظومة أن لديها ما تخسره إذا تواجه تعفينها بتعفين شعبي مضاد، لذلك رأيناها في حالات كثيرة تستنجد بالنهضة فتنجدها، فتعود إلى التعفين ثم تستنجد بالنهضة. ونخال أن هذه الأيام هي أيام حاجتها إلى النهضة، لذلك همست للرئيس (الذي في حوزتها) بطلب الحوار، فسارع رئيس الحزب إلى الجلسة فرحا مسرورا.

هذه اللعبة طالت أكثر مما ينبغي

اجتناب مواجهة المنظومة ومحاولة تفكيكها بالتدريج لم تأت بنتيجة كبيرة، رغم ما نشاهده من تفكك ظاهر. ونعتقد أن بقاءها بهذه القوة نتيجة مباشرة لعدم مواجهتها بتعفين مضاد لأنها حظيت بحماية من النهضة.

البلد يعيش أزمة سياسية واقتصادية لم يخلقها حزب النهضة بل خلقتها المنظومة بأدواتها المختلفة، وجزء منها كنا نحسبه من الثورة فإذا هو جرثومة تخترق جسمها السليم. نحن نرى المنظومة تدعو إلى حوار منقذ مرة أخرى، ونرى النهضة تسارع إلى الإنقاذ باسم الحفاظ على الدولة والحكومة.. الخ.. (لقد برعت النهضة في هذا الخطاب الخشبي وصار لسانها). وهذا الوضع سيسمح بحياة أخرى للمنظومة، ولن يعطي النهضة إلا دور الغطاء الغبي.

سينجو الرئيس من الحملة الشعبية بعد أن يوهمنا بتفضله بقبول مطالبنا في المحكمة الدستورية، وستعمل آلته الإعلامية على تصويره كمنقذ من الضلال، ولن تقول إنه من خلق الضلالة الحالية.

لقد وصلت هذه اللعبة إلى نهايتها، ونحتاج إلى حبوب منع الوهم من جني العسل من جبح الدبور، ويقيننا أن هذه الحبوب لا تباع في الصيدلية النهضوية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، اليسار الفرنسي، بقايا فرنسا، النقابات،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-06-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، د- هاني ابوالفتوح، سعود السبعاني، د. طارق عبد الحليم، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. خالد الطراولي ، حسن عثمان، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، رافد العزاوي، محمود فاروق سيد شعبان، وائل بنجدو، فتحي العابد، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد شمام ، عراق المطيري، محرر "بوابتي"، د - شاكر الحوكي ، رشيد السيد أحمد، سامر أبو رمان ، كريم فارق، د - مصطفى فهمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، فتحـي قاره بيبـان، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، د - المنجي الكعبي، محمد اسعد بيوض التميمي، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، طلال قسومي، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، يحيي البوليني، د - عادل رضا، عبد الغني مزوز، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله الفقير، أ.د. مصطفى رجب، ماهر عدنان قنديل، فوزي مسعود ، أحمد الحباسي، يزيد بن الحسين، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، محمد أحمد عزوز، رمضان حينوني، د. أحمد محمد سليمان، أحمد ملحم، صفاء العربي، عواطف منصور، رضا الدبّابي، محمد العيادي، د- جابر قميحة، محمد الياسين، المولدي اليوسفي، تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلوى المغربي، علي الكاش، سيد السباعي، الناصر الرقيق، محمد علي العقربي، أنس الشابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد النعيمي، محمد الطرابلسي، إياد محمود حسين ، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، عبد الله زيدان، صفاء العراقي، خالد الجاف ، طارق خفاجي، نادية سعد، إسراء أبو رمان، عبد العزيز كحيل، سامح لطف الله، د. صلاح عودة الله ، د- محمد رحال، العادل السمعلي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد يحي، فتحي الزغل، علي عبد العال، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، أشرف إبراهيم حجاج، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح الحريري، ياسين أحمد، حاتم الصولي، الهيثم زعفان، المولدي الفرجاني، محمد عمر غرس الله، أبو سمية، بيلسان قيصر، فهمي شراب، سلام الشماع، د. عبد الآله المالكي، حسن الطرابلسي، عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، عمار غيلوفي، مراد قميزة، صلاح المختار، محمود سلطان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، جاسم الرصيف، مجدى داود، عزيز العرباوي، منجي باكير، رافع القارصي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة